ترويض

سَيطِرْ على عواطفك. تَغلَّبْ على انفعالاتك. تَحكَّمْ بمشاعرك. نصائح. تتكرّر وتكثر تلك النصائح، في دعوة إلى التنصّل مّما ينتابنا.. إلى التنصّل ممّا يحيينا.. إلى التنصّل من أنفسنا.. إلى التنصّل من حقيقتنا.

مذ نبدأ بإدراك ذلك العالم - عالمنا نحن بحسب ما قيل لنا - تتكرّر تلك النصائح وأخرى مشابهة. لا تمنع "نعومة أظافرنا" مطلقيها من تكرارها. لا تمنع "نعومة أظافرنا" هؤلاء من تكرار نصائحهم الداعية إلى إنكار حقّ أنفسنا في أنفسنا. لا تردع طفولتنا ولا لين سنواتنا القليلة هؤلاء عن الإصرار على صواب نصائحهم الداعية إلى ترويض أنفسنا.

هؤلاء، مقدّمو تلك النصائح، قد يخرجون بشتّى التبريرات. هؤلاء واثقون من نصائحهم. هي "في محلّها". نصائحهم ليست سوى وسيلة تعزّز القدرة على الدفاع والمقاومة. هي وسيلة من شأنها المساهمة في تحصيننا في وجه ما يهدّد بتهشيمنا. تهشيم. مصطلح مبالغ فيه، من دون شكّ. ويصرّ هؤلاء. العواطف والانفعالات والمشاعر تزيدنا هشاشة، لا بل هي التي تتسبّب في هشاشة قد تتملّكنا في يوم، أو سبق وتملّكتنا.

ندرك ذلك العالم الذي يحاوطنا ولا ندرك عالمنا نحن. العالم الذي يحاوطنا ليس عالمنا نحن، غير أنّنا ممنوعون من إدراكه. ونروّض أنفسنا. المشاعر ضعف. الانفعال ضعف. العواطف ضعف. والضعف ممنوع علينا. "هذا العالم لا يدركه سوى المحصّنين". نروّض أنفسنا، فنضحي من هؤلاء.

"أخضع، أذلّ، ساس، طوّع، طيّع، هذّب" بعض من مرادفات فعل "روّض". وليس فعل "قمع" بخارج عن السياق. نروّض أنفسنا ومشاعرنا وعواطفنا وانفعالاتنا، فنقمع ذواتنا. لا نقرّ بذلك. فالقمع فعل شنيع، كثيراً ما ندينه ونستهجنه. نرفع الصوت عالياً ونستقبح ما ترتكبه أنظمتنا السياسيّة وغير السياسيّة، من "قمع". نستقبح ذلك، وما نحن سوى عيّنات فرديّة عنها. نستقبح ما تمارسه أنظمتنا تلك. نسعى إلى تغيير ذلك الفضاء الواسع، وقد هربنا من إدانة ما نرتكبه في حقّ أنفسنا. نسعى إلى تحرير أنظمتنا القمعيّة تلك بعد وضعها تحت المجهر، وقد أشَحنا بنظرنا عن تلك القيود التي كبّلنا بها ذواتنا. تلك القيود التي أمعنّا نحن في إحكام وثاقها.

"الانفعالات ما هي إلّا ردود فعل في وجه مواقف تختلف طبيعتها، إمّا تجعلنا عرضة للخطر أو تحزننا أو تفرحنا. هي عدّة/ لوازم الإنقاذ الخاصة بنا منذ الأزل". لا بدّ من أن ندرك ذلك، لنسلّم بأنّ انفعالاتنا ليست فعلاً مقيتاً، لا بل هي دليل على أنّنا أحياء.

سَيطِرْ على عواطفك. تَغلَّبْ على انفعالاتك. تَحكَّمْ بمشاعرك. نصائح تتكرّر وتكثر. نشعر بأنّ الاستجابة لها لزام علينا، ولا ندرك تبعاتها.