طالب النائب على مصيلحي رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب بإلغاء امتحانات الثانوية العامة التي تجرى حالياً في مصر، مؤكدا أن استمرارها يعد استمرارا في المشكلة، وذلك في الجلسة المنعقدة في 5 يونيو/حزيران 2016 فور تسريب الامتحان الأول.
وكان عدد من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قامت بتسريب امتحان اللغة العربية والتربية الدينية واللغة الإنجليزية للثانوية العامة ومتعهدة بتسريب باقي المواد، يأتي في مقدمة هذه الصفحات صفحة "بالغش اتجمعنا" وصفحة "شاومينج بيغشش ثانوية عامة" والتي بلغ عدد متابعيها 760 ألف متابع باعتبارها أشهر صفحات تسريب امتحانات الثانوية العامة بمصر للسنة الرابعة على التوالي مع فشل الداخلية في التعرف إلى أدمن الصفحة حتى الآن.
قلق وترقب
"من يدّعي عدم وجود إنجازات بمصر شخص جاحد، ففي العام الماضي كان الامتحان يُسرب دون إجابة، والآن يتم تسريبه بنموذج الإجابة" هكذا يسخر رواد التواصل الاجتماعي، فمع بدء لجنة امتحان اللغة العربية نجحت صفحة "شاومينج" بتسريب كل من الأسئلة ونموذج الإجابة والذي تؤكد الوزارة عدم وجود نسخة منه خارج المطبعة السرية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم تسريب امتحان التربية الدينية قبل ساعتين من موعده، وكان أول رد لوزارة التربية والتعليم إلغاء الامتحان وإعادته في 29 من يونيو/حزيران الجاري، وفي ليلة امتحان اللغة الإنجليزية تعهدت الصفحة بنشر الامتحان بإجاباته النموذجية في تمام الساعة 8:20 صباحا أي قبل موعد اللجنة بأربعين دقيقة، بعد أن عاش الطلاب وعاشت الأسر المصرية ليلة ملؤها الحيرة والقلق والترقب بسبب انتشار عدد من النماذج يزعم ناشروها أنها النسخة الأصلية لامتحان اللغة الإنجليزية.
أيضا تم تسريب امتحان التربية الوطنية بعد بدء الامتحان بنصف ساعة، ومازال مسلسل التسريب مستمرا في ظل عجز الدولة عن مواجهة هذه الظاهرة ورفض وزارة الاتصالات التشويش على أي اتصال بلجان الثانوية باعتباره غير قانوني.
حالة من الجدل سادت الشارع المصري بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، يقول هاني رمسيس أب لطالبة في الثانوية العامة "إذا تم إلغاء امتحانات الثانوية العامة لأي سبب فسأقاضي الوزارة ورئيس الوزراء، فأبناؤنا لن يدفعوا ثمن فشلهم، فلا توجد دراسة ولا يوجد أي خدمة تعليمية جيدة، ما تقدمه الوزارة فقط هو الامتحان وفي النهاية لا تستطيع حمايته فما ذنب أولادنا!!".
شروط شاومينج
وعلى جانب آخر يعلن "شاومينج" حسن نيته وأن إصلاح المنظومة التعليمية شرطه الوحيد لوقف تسريب الامتحانات، فكتب على صفحته "امتحان الدين كان الدرس الثاني للوزارة، باختصار هدفي الاهتمام بالمدرس بما له من حقوق وامتيازات وما عليه من واجبات، وإلغاء التصنيف الطبقي للكليات بتفعيل امتحان القدرات، وتطوير المناهج الرقمية وإلغاء الاعتماد على الورق، وأضاف "أوعدكم بأني سأختفي تماما وللأبد وعلى الوزارة أن تدرك أنها لو تساهلت مع أبنائها، واحتضنتهم واستوعبتهم، لرأت أجيالا من علماء ومهندسين وأطباء، إن لم يأتوا الآن، فلن يأتوا بعد ذلك".
وتُعبر شرين مجدي "غير منطقي أن نفرح بصفحة شاومينج نكاية في النظام، الثانوية العامة على فشلها هي خط الدفاع الأخير عن تكافؤ الفرص، وإلا فلن يدخل الطب سوى أبناء الأساتذة ومن تربطهم بهم صلة قرابة أو محبة، تغيير المناهج وأسلوب الامتحانات هو الهدف، لكن ما يحدث تهريج واستهانة بمجهود طلبة غلابة، الثانوية هي حلمهم الأكبر لكي يغيروا حياتهم".
ورغم الغضب والرفض التام لصفحات الغش، هناك من يصفق لـ "شاومينج" في تسريباته وشروطه إما تأييدا لطلباته أو فرحةً بتعميم الغش بدلا من اقتصاره على لجان بعينها خاصة بأولاد البشوات كما يقولون.
تسريب امتحانات الثانوية العامة الحالية لم يكن البداية، فصفحة شاومينج تقوم بتسريب الامتحانات للعام الرابع على التوالي، فيما عرف بظاهرة الغش الإلكتروني.
وفي محاولة للتصدي لهذه الظاهرة أصدر الرئيس السيسي فور الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة العام الماضي 2015 قانونا لمكافحة الغش الإلكتروني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنية.
وفي عام 2008 كانت فضيحة تسريب امتحانات الثانوية العامة في محافظة المنيا، والمتورط فيها أمنيون وحكوميون لخدمة ابنة عضو بمجلس الشعب كانت تؤدي الامتحان آنذاك.
كما أن فكرة إلغاء امتحانات الثانوية العامة لم تكن وليدة اليوم، ففي عام 1967 وعقب هزيمة يونيو/حزيران قامت الإذاعات الإسرائيلية الناطقة بالعربية بإذاعة أسئلة امتحانات الثانوية العامة، وتكرر الأمر في اليوم التالي، وحينها قرر مجلس الوزراء إلغاء الامتحانات لوقت لاحق.
احتجاج على الدولة
ويوضح دكتور كمال مغيث الخبير التربوي، أن تسريب امتحانات الثانوية العامة يعبر عن غيبوبة الدولة وإهمال شديد لمنظومة التعليم منذ عقود طويلة، فما ننتهجه حتى الآن هو تعليم الستينات وكل تطوير معلن هو تطوير وهمي بهدف الدعاية فقط.
ويتابع: تسريب الامتحان هو شكل من أشكال الاحتجاج على الدولة وعلى النظام بشكل عام والمنظومة التعليمية بشكل خاص، فالامتحانات في مصر ترهق الطالب وأولياء الأمور وتقيس كمية معلومات تافهة موجود أضعافها على أي شريحة صغيرة لا يمكن لأي مراقب اكتشافها، فالوزارة تفتقر إلى أجهزة تكنولوجية عالية تستطيع اكتشاف أي أجهزة رقمية أو شرائح يخفيها الطالب وإن كانت صغيرة جدا.
ويضيف مغيث، ما يحدث يمكن أن نسميه حربا بين عقلية العصور الوسطى متمثلة في النظام والقيادات التعليمية وبين عقلية العصر الحديث متمثلة في الطالب، فالنظام يهدد ويتوعد بالسجن والغرامات والطالب يضرب بكل ما يسمعه عرض الحائط بل ويتحدى المنظومة والنظام بأكمله.
وعن تأثير هذه التسريبات، يؤكد مغيث أن لها تأثيرا سلبيا ومخربا للمجتمع والمستقبل في إهدار حق الطالب المجتهد وترسل رسالة مفادها أننا على أعتاب مستقبل خال من النظام وخال من أي معايير واضحة أو مصداقية ويمحو مبدأ تكافؤ الفرص في دخول الكليات وبالتالي في التعيين والتوظيف بعد ذلك، مؤكدا أن المشكلة لن تعالج بالتخويف أو مجرد إقالة منظومة متأخرة وإنما لابد وأن يعي هؤلاء أن هناك الكثير من النظم المتقدمة لم تعد تعتمد على الامتحان التقليدي في تقييم الطالب، ومعيار الحكم عليه هو نسبة الانتظام في المدرسة والتفاعل مع المعلم ومع العلم المقدم له.