تعرف إلى قصة "آيا صوفيا"... مسجد مجدداً بعد 86 عاماً كمتحف

إسطنبول
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق مراسل العربي الجديد في سورية
11 يوليو 2020
"آيا صوفيا"... مسجد مجدداً بعد 86 عاماً كمتحف
+ الخط -

أصدر مجلس الدولة في تركيا، أمس الجمعة، قرارا بتحويل متحف "آيا صوفيا" في مدينة إسطنبول إلى مسجد، على أن تقام أول صلاة في المسجد في 24 يوليو/ تموز المقبل، وتلغى الرسوم المالية للدخول المقررة منذ قرر مصطفى كمال أتاتورك تحويله من مسجد إلى متحف قبل 86 سنة.

وفاجأ القرار التركي كثيرين، إذ كانت كثير من التوقعات تدور حول الإبقاء على المكان كمتحف، على أن يسمح للمسلمين بأداء الصلاة فيه، لكن المحكمة الإدارية العليا في تركيا قررت، عصر الجمعة، أن يتحول إلى مسجد مجدداً، وتحويل إدارته إلى رئاسة الشؤون الدينية، وإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1934، بتحويل "آياصوفيا" إلى متحف.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة تلفزيونية ليل الجمعة: "عادت آيا صوفيا بعد 86 عاماً للخدمة كمسجد. أتمنى من الله أن يعود هذا القرار بالخير على شعبنا، وكافة الأمة والإنسانية جمعاء. آيا صوفيا شأنه شأن جميع المساجد في تركيا، سيفتح أبوابه أمام الجميع من مواطنين وأجانب، ومسلمين وغير مسلمين"، مشيراً إلى أن "تركيا تحتضن أكثر من 453 معبدا وكنيسة، وإعادة فتح آيا صوفيا كمسجد ليس في مواجهة أي دين، فاحترام الأديان من ثوابت ديننا".

وأنتج القرار جدلاً داخل تركيا، ففي حين يرى البعض أن القرار مداعبة لمشاعر المسلمين بأهداف سياسية يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم لتحقيقها، يرى آخرون أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد قرار تركي داخلي وسيادي يتعلق بحرية الأديان، وتبدو الأغلبية مع هذا الرأي الذي كرره زعماء من الأحزاب المعارضة، وشخصيات تركت حزب العدالة والتنمية لتشكل أحزاباً جديدة.

ومن بين المؤيدين رئيس الوزراء التركي السابق رئيس حزب "المستقبل" المعارض، أحمد داوود أوغلو، والذي كتب في تغريدة، مساء الجمعة، إنه "بعد أعوام من الاشتياق، تم افتتاح آيا صوفيا للعبادة. فليكن مباركا"، مشيراً إلى أن جميع الأحزاب التركية مع القرار.

في المقابل، عبرت وزارة الخارجية الأميركية عن "خيبة أمل" إزاء قرار القضاء التركي بإعادة تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إن فرنسا تأسف للقرار التركي، فيما اعتبر رئيس جنوب قبرص، نيكوس أناستاسياديس، أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد "إساءة إلى موقع تراثي عالمي"، وأعرب رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، البطريرك كيريل الأول، عن "قلقه العميق"، واصفا آيا صوفيا بـ"أحد أعظم آثار التراث المسيحي"، وأن أي تهديد له هو "تهديد لكامل الحضارة المسيحية".

وفي تركيا، أكدت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن القرار القضائي وتنفيذ الحكومة له لا يؤثر على إتاحةالمكان للزيارة، وأنه سيظل مفتوحاً للجميع.

 

وكانت "آيا صوفيا" أكبر كاتدرائية في العالم إلى حين أخذت كاتدرائية إشبيلية منها اللقب عام 1520، لكن للمكان خصوصية مسيحية باعتباره أحد رموز الامبراطوريات المسيحية التي سبقت قيام الدولة العثمانية، فضلا عن كونه أحد أبرز مظاهر تمكن السلطان العثماني محمد الفاتح من دخول القسطنطينية "إسطنبول" عام 1453، بعد أن فشل كل حكام الدولة العثمانية قبله في تحقيق هذا النصر.

وحسب المراجع التاريخية، فإن أول ذكر للمكان كان في شهر فبراير/شباط من عام 360، عندما بنيت الكنيسة في عهد الإمبراطور قسطنطين الثاني، لكنها تدمرت بسبب حريق لاحقا، فأعاد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني بناءها عام 415، لكن البناء الحقيقي لآيا صوفيا، بشكلها الأقرب للشكل القائم حاليا، يرجع إلى عام 537 في عهد الإمبراطور جستنيان الأول، بعد الحريق الثاني الذي دمرها عام 532، بطول 100 متر، وارتفاع القبة لنحو 55 متراً بقطر 30 متراً.

وشهدت الكاتدرائية بداية الانشقاق بين مسيحيي الشرق والغرب في عام 1054، عندما عزل داخلها البطريرك ميخائيل الأول سيرولاريوس، من قِبل المبعوث البابوي للبابا ليو التاسع، قبل دخول السلطان محمد الفاتح القسطنطينية، والذي لحقه انهيار الدولة البيزنطية، لتتحول إلى مسجد، إذ تم رفع آذان العصر وأقيمت أول صلاة فيها، وحينها تمت تغطية الأيقونات والرسوم المسيحية بالجبس، ليقوم المعماري العثماني الشهير "سنان" لاحقا بإضافة المآذن لدعم القبة.

وتم ترميم مسجد آيا صوفيا في عهد السلطان العثماني عبد المجيد (1847- 1849)  تحت إشراف معماريين من سويسرا وإيطاليا، ليتم الكشف عن الفسيفساء في القسم العلوي، واستبدال الثريات الضخمة، وتقويم الأعمدة، وإضافة زخارف من الداخل والخارج، وكتابةكلمات إسلامية باللغة العربية بينها "الله، ومحمد، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، والحسين".

وظلت "آيا صوفيا" مسجداً طوال 482 عاماً، وكان يطلق عليها اسم  "المسجد الكبير"، حتى عصر أول رئيس للجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، ليتم تحويل المسجد إلى متحف، قبل أن تقيم، في عام 2008، جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية دعوى أمام مجلس الدولة ضد قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934، لكن الدعوى ووجهت بالرفض.

ونظمت جمعية "شباب الأناضول"، في عام 2014، فعالية لصلاة الفجر في ساحة المكان، تحت شعار "أحضِر سجادتك وتعالَ"، وفي العام التالي، تقدمت جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية بالتماس إلى المحكمة الدستورية، أشارت فيه إلى أن رفض إعادة تحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد يعد انتهاكاً لحرية الأديان.

وفي عام  2016، رفع الأذان مجددا من داخل متحف آيا صوفيا، في فجر ليلة القدر، خلال برنامج استثنائي نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية، والتي سمحت بعد ذلك برفع الأذان من مآذن المتحف في بعض المناسبات الخاصة، قبل أن تقرر المحكمة، أمس الجمعة، عودة تحويل المكان إلى مسجد مجدداً.

ذات صلة

الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.
المساهمون