تتجه تونس نحو خلق جيل جديد من الشركات الصغرى والمتوسطة الداعمة للاقتصاد، عبر توفير خطوط تمويل وإنشاء صندوق خاص لإنقاذ المتعثرة منها أو تلك التي تواجه صعوبات.
وفي غياب الاستثمارات الكبرى، تعول تونس على المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتحسين وضعها الاقتصادي وتقليص نسبة البطلة التي تصل إلى 15.5%، وفق أحدث بيانات لمعهد الإحصاء.
وتمثل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وفق بيانات لمنظمة رجال الأعمال (اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) نحو 90% من الشركات في البلاد، كما توفر قرابة 56% من اليد العاملة في القطاع الخاص.
ويجمع خبراء الاقتصاد على أن نقاط ضعف هذا النوع من الشركات، تتمثل أساسا في نقص التمويلات المخصصة للإنشاء، فضلا عن ارتفاع نسبة فشلها في السنوات الأولى.
وأبرزت دراسة ميدانية حول الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس أنجزتها كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" (مجمع لرجال أعمال) بالتعاون مع مكتب الدراسات المختص في التدقيق والاستشارة "اتش ال بي جي اس"، مؤخرا، أن نجاح الشركات الصغرى والمتوسطة التونسية يتطلب تحسين مناخ الأعمال الخارجي، من أجل ضمان نفاذها إلى التمويل والأسواق المحلية والدولية، وكذلك مهارات ومستوى تكوين الموارد البشرية.
وأظهرت ذات الدراسة، أن أغلب الشركات الصغرى والمتوسطة لا تتوفر على مناهج لتقييم حصصها في السوق، وأن العديد منها واجهت مشاكل مثل نقص التنافسية وتوقف متواتر للإنتاج، علاوة على رفض طلبات قروض وعدم تلاؤم مهارات اليد العاملة المتاحة في السوق مع احتياجات هذه المؤسسات، إضافة إلى مختلف نقاط الضعف المتصلة بالواقع الجغرافي في الجهات الداخلية للبلاد.
واعتبر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن إنشاء صندوق لمساعدة المؤسسات المتعثرة سيعطي دفعة جديدة للمؤسسات التي أوشكت على الخروج من دورة الاقتصاد الوطني، بسبب نقص التمويلات أو غيرها من الصعوبات التي تهدد هذا الصنف من المؤسسات.
ولفت الشكندالي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن فقدان أي مؤسسة يعني خسارة فرص عمل ونقصا في نسبة النمو.
وتمثل التعطيلات الإدارية والجمركية، أبرز الإشكاليات التي تحول دون تطور الشركات الصغرى، حيث تشير دراسة مجمع "كوناكت" إلى أن قرابة نصف المؤسسات لا يمكنها تحقيق الربح دون اللجوء إلى الفساد أو دفع رشى للحصول على صفقات.
وتتطلب تنمية قدرات الشركات الصغرى والمتوسطة توفير خطوط تمويل متنوعة وتذليل الصعوبات الإدارية أمام الناشئ منها، إضافة إلى بحث إمكانية احتضانها من قبل مؤسسات كبرى، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات المصدرة، بحسب تصريح رئيس مجمع "كوناكت " طارق الشريف لـ "العربي الجديد".
وأوضح الشريف أن الحكومة مطالبة ببحث خطوط تمويل متنوعة لتمويل إنشاء هذا الصنف من الشركات، مشيرا إلى أن صندوق دعم المؤسسات المتعثرة لم يكن كافيا، باعتبار أن التمويلات الحكومية تبقى محدودة مقابل تمويلات المصارف التجارية وخطوط التمويل الأجنبية، حسب قوله.
ومنذ سنة 2005 أنشأت تونس بمساهمة من الدولة وعدد من المؤسسات الحكومية، مصرفا خاصا بتمويل إنشاء المؤسسات الصغرى والمتوسطة، غير أن تمويلات هذا المصرف بقيت محدودة مقارنة بحاجة المستثمرين للتمويلات، وفق خبراء الاقتصاد.
وأعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في يونيو/حزيران الماضي، منحة تمويلات للاتحاد الدولي للبنوك بتونس، بهدف دعم تنافسية الشركات المحلية وضمان اندماجهم في الأسواق الكبيرة.
وتتعلق هذه التمويلات بقرض بقيمة 45.8 مليون دولار لتمويل المؤسسات متناهية الصغر والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، مع إقرار خط تمويل بقيمة 10 ملايين دولار لدعم المبادلات الدولية.
وستمكن هذه التمويلات الاتحاد الدولي للبنوك (مصرف تجاري خاص) من مضاعفة قدراته على توفير القروض لفائدة المؤسسات الصغرى على مدى السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن أنه يساعد على تطوير أنشطة الاتحاد الدولي للبنوك خارج العاصمة تونس، ما من شأنه أن يسهم في التقليص من الفوارق التي تعيشها الجهات الداخلية.
وتستعد تونس إلى إجراء تغييرات على مخطط التنمية الجديد تقوم على الشراكة بين القطاع العام والخاص، وإدخال إمكانيات الدولة في الدورة الاقتصادية، وتحويلها من خانة الأصول الجامدة إلى خانة الاستثمارات المنتجة، وهو مخطط يستفيد من كافة مقومات النجاح للوجهة الاستثمارية التونسية التي تتوفر على يد عاملة ذات التكلفة المعقولة، وفق تقرير حكومي.