08 مارس 2017
تفكّك الاتحاد الأوروبي أم المملكة المتحدة؟
يقوم الشعب البريطاني يوم غد (23 يونيو/ حزيران الجاري) بالاستفتاء على بقائه في الاتحاد الأوروبي أو خروجه منه، في أجواء يسودها الانقسام الحاد داخل المجتمع، خصوصاً بعد مقتل النائب البريطانية جو كوكس، المؤيدة للبقاء في الاتحاد والداعمة للقضية الفلسطينية. وكان قد اقترح الاستفتاء رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في عام 2015، في خضم صراعه الداخلي مع الجناح الأكثر يمينيةً داخل حزبه الحاكم (المحافظين)، في حملته لإعادة انتخابه لذلك العام.
لم يؤدِّ التجاوب الذي أبداه كاميرون لبقائه زعيماً للحزب، ورئيساً الحكومة، مع الطرف الأكثر رغبةً بالخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا إلى ازدياد ضغط هذا الطرف، والدفع إلى تحويل وعد كاميرون من مجرد وعد في حملة انتخابية إلى حقيقةٍ واقعة. صوّت سبعة من وزرائه الثلاثة والعشرين لصالح الخروج، بزعامة عمدة لندن السابق بوريس جونسون، كذلك حوالي نصف نواب الحزب (130 من أصل 299 نائباً). وقد أظهرت هذه المواقف المعارضة لموقف رئيس الوزراء، الداعم بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، عمق الانقسام داخل الحزب الحاكم وهشاشته.
وأيّد حزب العمال المعارض، بقيادة الاشتراكي جيرمي كوربين، البقاء بغالبيةٍ ساحقة (217 من أصل 227 نائباً)، لكنه لم يقم بحملةٍ انتخابية لصالح البقاء، وترك الأمر لرئيسي الوزراء السابقين، توني بلير وغوردن براون. وقد أراد كوربين أن يترك كاميرون يغرق وحده، في وحل هذا الاستفتاء، خصوصاً أن قاعدته الانتخابية ليست على المستوى نفسه من تأييد البقاء؛ كنواب الحزب، فهو اضطر كاشتراكي إلى الاختيار بين أقل الضررين، البقاء داخل الاتحاد الأوروبي الليبرالي أو الانكفاء على الجزر البريطانية الأكثر ليبرالية.
الانقسام داخل بريطانيا، ظاهر على كل المستويات، وليس بين الأحزاب فقط، بل داخلها أيضاً، فهناك انقسام بين النخبة وعامة الشعب، فالنخبة التي بأغلبيتها الساحقة قادمةٌ من جامعة أوكسفورد وكامبريدج لا تزيد عن 1%، لكنها تستولي على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية. وهناك الانقسام بين طبقات الشعب، فالطبقة العمالية منقسمةٌ على نفسها بالتساوي، ولا تتفق مع النخبة الاقتصادية ورجال أعمال السيتي في لندن، من خلال أطروحاتهم الداعية إلى البقاء، ملوّحين بخطر التراجع الاقتصادي الحاد في حالة الخروج.
هناك انقسام واضح أيضاً بين سكان لندن وسكان الأرياف، خصوصاً في الشمال، فسكان لندن متعدّدو الأصول، والموجودون في أكثر المدن تنوعاً وقوة مالية، يؤيدون البقاء، بنسبةٍ تزيد عن 80%.
نرى هذا الانقسام أيضاً بين الطبقة السياسية وقطاعاتٍ عديدة من الشعب، فبعد الاستفتاء الإسكتلندي عام 2014 على الاستقلال، فقد حزب العمال المعارض تقريباً كل مقاعده في البرلمان المحلي (40 من أصل 41 نائباً)، في انتخابات مايو/ أيار عام 2015، وهذا أحد الأسباب التي تدفع حزب العمال إلى عدم دعم كاميرون، كما فعل لصالح بقاء إسكتلندا داخل الاتحاد البريطاني.
الانقسام مُلاحظ أيضاً بين الأجيال، فمَن هم دون سن الأربعين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فئة الشباب ما بين 18 و25 سنة.
ليست الأخطار المُحدّقة بالمملكة المتحدة فقط على المستوى الاقتصادي، والذي هو موقع نقاش،
ولكن من حيث وحدة بريطانيا نفسها، والمكوّنة من أربعة شعوب. فالبرلمان الإسكتلندي سيعود، بشكل مؤكد، لطرح مسألة الاستقلال عن بريطانيا، بعد فشل استفتاء 2014. وسيكون خروج بريطانيا بالنسبة لداعمي الاستقلال الإسكتلندي الفرصة الذهبية التي لا تُضيع، فهم يعلنون على الملأ رغبتهم في البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، لكن خروج بريطانيا نفسها سيعكس تماماً هذه المُعضلة، وقد يضع حداً للاتحاد مع بريطانيا الذي أُسّس عام 1707.
الخطر الثاني هو عودة الحدود، بين إيرلندا الشمالية، وهي جزء من بريطانيا، والجنوبية وهي دولة مستقلة وعضو في الاتحاد الأوروبي. و40% من اقتصاد إيرلندا الشمالية الفقيرة نسبياً يتم مع إيرلندا الجنوبية، وعودة الحائط الجمركي، سيعيق حركة المواصلات والأشخاص والتبادل التجاري بشكل كبير.
الهجرة هي أيضاً من الأسباب الدافعة إلى تأييد الخروج من الاتحاد، فبولندا، بعد انضمامها قبل سنوات قليلة، صدّرت أكثر من مليون عامل إلى بريطانيا، مستغلةً حرية الحركة داخل الاتحاد. غير أن وصول ملايين المهاجرين من دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا، زاد داخل الرأي العام من منسوب الشعور بخطر تضرّر التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لبريطانيا. وكان التلويح بدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد الاتفاق، في مارس/ آذار الماضي، في شأن الحد من وصول اللاجئين، والذي ألغى تأشيرات دخول الأتراك أوروبا، بالإضافة إلى تسريع محادثات الانضمام، كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
هل هناك خطر انسحاب دول، قريبة فكرياً واجتماعياً من بريطانيا مثل السويد، من الاتحاد الأوروبي؟، هذا ممكن، وعلينا انتظار ما سيأتي به المستقبل، علماً أن المصلحة السويدية بالخروج ليست بالمستوى البريطاني نفسه، ولا الرأي العام بالحدّة نفسها. والدول الأخرى القادمة من شرق أوروبا، مثل بولونيا وهنغاريا، على الرغم من التصريحات النارية لقياداتها ضد الاتحاد، تتسلم حالياً المليارات من اليوروات، القادمة من ذلك الاتحاد، وهو ما يمنعها من أي تفكيرٍ بالخروج، خصوصاً أن دولةً، مثل بولونيا، صدّرت إلى أوروبا 2.5 مليون عامل في سنوات قليلة، من أصل 38 مليون ساكن (امتصاص البطالة)، وتتسلم 82.5 مليار يورو بين 2014-2020، حتى تصل إلى مستوى الدول الغربية، كما كان ذلك الحال سابقاً مع إسبانيا والبرتغال خلال القرن الماضي.
على السياسيين والنخبة الأوروبيين مسؤولية كبيرة بدفع الرأي العام نحو الانفصال، فهم كانوا يحمّلون دوماً كل مآسيهم وفشلهم في دولهم على بروكسل والمفوضية الأوروبية، متناسين أنهم، بعد ذلك، لن يستطيعوا الدفاع عن الاتحاد لصالح تطويره، وهو الفخ الذي وقع به ديفيد كاميرون.
هل ستتضرّر الوحدة الأوروبية، في حال انسحاب بريطانيا؟ ليس هذا مؤكداً، لأن كثيرين من الساسة، كما نسمع ونقرأ، في الإعلام الأوروبي، يرون بريطانيا دولة مُعيقة لتطور الاتحاد، نحو مزيدٍ من التكامل، والتخلص منها كما يقولون، سيدفع من جديد بالمحرك الألماني الفرنسي، لتكوين نواةٍ صلبة، وإعطاء دفعةٍ وحدوية جديدة على أسسٍ أكثر فيدرالية مما هو الحال حالياً.
الإعلام البريطاني، وخصوصاً الصحافة المكتوبة، لعبت وتلعب دوراً كبيراً جدّاً، بالحضّ على الخروج، والذهاب إلى عرض المحيط الأطلسي باتجاه الولايات المتحدة، لكن تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أخيراً، ذهبت في الاتجاه المعاكس لذلك، فهذا الخروج غير مرحّب به من الطرف الأميركي، كما ظن البريطانيون.
بريطانيا التي كانت، يوماً، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قبلت أن تصبح دولة أوروبية عادية، لكنها، كما يظهر، لم تقبل بعد، أن لا تكون الدولة العظمى داخل الاتحاد الأوروبي، هذه المرتبة التي تحتلها اليوم ألمانيا، وبشكل أقل فرنسا.
يبقى أن نؤكد أن المُنتصر الأخير في الاستفتاء يوم غد، هو مفهوم الديمقراطية، والتي تُعطي الشعب ليس فقط حق الدخول في الاتحاد، ولكن أيضاً حق الخروج، على الرغم من تخويف النخبة السياسية والاقتصادية، فالشعب يبقى سيّد نفسه، ولا يقبل وصاية أحد.
لم يؤدِّ التجاوب الذي أبداه كاميرون لبقائه زعيماً للحزب، ورئيساً الحكومة، مع الطرف الأكثر رغبةً بالخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا إلى ازدياد ضغط هذا الطرف، والدفع إلى تحويل وعد كاميرون من مجرد وعد في حملة انتخابية إلى حقيقةٍ واقعة. صوّت سبعة من وزرائه الثلاثة والعشرين لصالح الخروج، بزعامة عمدة لندن السابق بوريس جونسون، كذلك حوالي نصف نواب الحزب (130 من أصل 299 نائباً). وقد أظهرت هذه المواقف المعارضة لموقف رئيس الوزراء، الداعم بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، عمق الانقسام داخل الحزب الحاكم وهشاشته.
وأيّد حزب العمال المعارض، بقيادة الاشتراكي جيرمي كوربين، البقاء بغالبيةٍ ساحقة (217 من أصل 227 نائباً)، لكنه لم يقم بحملةٍ انتخابية لصالح البقاء، وترك الأمر لرئيسي الوزراء السابقين، توني بلير وغوردن براون. وقد أراد كوربين أن يترك كاميرون يغرق وحده، في وحل هذا الاستفتاء، خصوصاً أن قاعدته الانتخابية ليست على المستوى نفسه من تأييد البقاء؛ كنواب الحزب، فهو اضطر كاشتراكي إلى الاختيار بين أقل الضررين، البقاء داخل الاتحاد الأوروبي الليبرالي أو الانكفاء على الجزر البريطانية الأكثر ليبرالية.
الانقسام داخل بريطانيا، ظاهر على كل المستويات، وليس بين الأحزاب فقط، بل داخلها أيضاً، فهناك انقسام بين النخبة وعامة الشعب، فالنخبة التي بأغلبيتها الساحقة قادمةٌ من جامعة أوكسفورد وكامبريدج لا تزيد عن 1%، لكنها تستولي على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية. وهناك الانقسام بين طبقات الشعب، فالطبقة العمالية منقسمةٌ على نفسها بالتساوي، ولا تتفق مع النخبة الاقتصادية ورجال أعمال السيتي في لندن، من خلال أطروحاتهم الداعية إلى البقاء، ملوّحين بخطر التراجع الاقتصادي الحاد في حالة الخروج.
هناك انقسام واضح أيضاً بين سكان لندن وسكان الأرياف، خصوصاً في الشمال، فسكان لندن متعدّدو الأصول، والموجودون في أكثر المدن تنوعاً وقوة مالية، يؤيدون البقاء، بنسبةٍ تزيد عن 80%.
نرى هذا الانقسام أيضاً بين الطبقة السياسية وقطاعاتٍ عديدة من الشعب، فبعد الاستفتاء الإسكتلندي عام 2014 على الاستقلال، فقد حزب العمال المعارض تقريباً كل مقاعده في البرلمان المحلي (40 من أصل 41 نائباً)، في انتخابات مايو/ أيار عام 2015، وهذا أحد الأسباب التي تدفع حزب العمال إلى عدم دعم كاميرون، كما فعل لصالح بقاء إسكتلندا داخل الاتحاد البريطاني.
الانقسام مُلاحظ أيضاً بين الأجيال، فمَن هم دون سن الأربعين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فئة الشباب ما بين 18 و25 سنة.
ليست الأخطار المُحدّقة بالمملكة المتحدة فقط على المستوى الاقتصادي، والذي هو موقع نقاش،
الخطر الثاني هو عودة الحدود، بين إيرلندا الشمالية، وهي جزء من بريطانيا، والجنوبية وهي دولة مستقلة وعضو في الاتحاد الأوروبي. و40% من اقتصاد إيرلندا الشمالية الفقيرة نسبياً يتم مع إيرلندا الجنوبية، وعودة الحائط الجمركي، سيعيق حركة المواصلات والأشخاص والتبادل التجاري بشكل كبير.
الهجرة هي أيضاً من الأسباب الدافعة إلى تأييد الخروج من الاتحاد، فبولندا، بعد انضمامها قبل سنوات قليلة، صدّرت أكثر من مليون عامل إلى بريطانيا، مستغلةً حرية الحركة داخل الاتحاد. غير أن وصول ملايين المهاجرين من دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا، زاد داخل الرأي العام من منسوب الشعور بخطر تضرّر التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لبريطانيا. وكان التلويح بدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد الاتفاق، في مارس/ آذار الماضي، في شأن الحد من وصول اللاجئين، والذي ألغى تأشيرات دخول الأتراك أوروبا، بالإضافة إلى تسريع محادثات الانضمام، كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
هل هناك خطر انسحاب دول، قريبة فكرياً واجتماعياً من بريطانيا مثل السويد، من الاتحاد الأوروبي؟، هذا ممكن، وعلينا انتظار ما سيأتي به المستقبل، علماً أن المصلحة السويدية بالخروج ليست بالمستوى البريطاني نفسه، ولا الرأي العام بالحدّة نفسها. والدول الأخرى القادمة من شرق أوروبا، مثل بولونيا وهنغاريا، على الرغم من التصريحات النارية لقياداتها ضد الاتحاد، تتسلم حالياً المليارات من اليوروات، القادمة من ذلك الاتحاد، وهو ما يمنعها من أي تفكيرٍ بالخروج، خصوصاً أن دولةً، مثل بولونيا، صدّرت إلى أوروبا 2.5 مليون عامل في سنوات قليلة، من أصل 38 مليون ساكن (امتصاص البطالة)، وتتسلم 82.5 مليار يورو بين 2014-2020، حتى تصل إلى مستوى الدول الغربية، كما كان ذلك الحال سابقاً مع إسبانيا والبرتغال خلال القرن الماضي.
على السياسيين والنخبة الأوروبيين مسؤولية كبيرة بدفع الرأي العام نحو الانفصال، فهم كانوا يحمّلون دوماً كل مآسيهم وفشلهم في دولهم على بروكسل والمفوضية الأوروبية، متناسين أنهم، بعد ذلك، لن يستطيعوا الدفاع عن الاتحاد لصالح تطويره، وهو الفخ الذي وقع به ديفيد كاميرون.
هل ستتضرّر الوحدة الأوروبية، في حال انسحاب بريطانيا؟ ليس هذا مؤكداً، لأن كثيرين من الساسة، كما نسمع ونقرأ، في الإعلام الأوروبي، يرون بريطانيا دولة مُعيقة لتطور الاتحاد، نحو مزيدٍ من التكامل، والتخلص منها كما يقولون، سيدفع من جديد بالمحرك الألماني الفرنسي، لتكوين نواةٍ صلبة، وإعطاء دفعةٍ وحدوية جديدة على أسسٍ أكثر فيدرالية مما هو الحال حالياً.
الإعلام البريطاني، وخصوصاً الصحافة المكتوبة، لعبت وتلعب دوراً كبيراً جدّاً، بالحضّ على الخروج، والذهاب إلى عرض المحيط الأطلسي باتجاه الولايات المتحدة، لكن تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أخيراً، ذهبت في الاتجاه المعاكس لذلك، فهذا الخروج غير مرحّب به من الطرف الأميركي، كما ظن البريطانيون.
بريطانيا التي كانت، يوماً، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قبلت أن تصبح دولة أوروبية عادية، لكنها، كما يظهر، لم تقبل بعد، أن لا تكون الدولة العظمى داخل الاتحاد الأوروبي، هذه المرتبة التي تحتلها اليوم ألمانيا، وبشكل أقل فرنسا.
يبقى أن نؤكد أن المُنتصر الأخير في الاستفتاء يوم غد، هو مفهوم الديمقراطية، والتي تُعطي الشعب ليس فقط حق الدخول في الاتحاد، ولكن أيضاً حق الخروج، على الرغم من تخويف النخبة السياسية والاقتصادية، فالشعب يبقى سيّد نفسه، ولا يقبل وصاية أحد.