08 نوفمبر 2024
تونس.. ثورة انتخابية
قد لا يكون من المبالغة القولُ إن فوز قيس سعيد برئاسة تونس تحولٌ نوعيٌّ في المشهد السياسي التونسي، والعربي بوجه عام، فلأول مرة نرى رئيسا يصل إلى السلطة قادما إليها من حيث لا نتوقع، فلا هو ينتمي لحزب سياسي، ولا لعائلة سياسية معروفة، وليست له خلفية عسكرية تجعله يحوز دعم الجيش وحمايته، إضافة إلى بُعده عن دوائر المال والأعمال. وقد كان بسيطا وعفويا في حملته الانتخابية، إذ لم يكن بحاجةٍ لأيٍّ من وسائل الاتصال الجماهيري المعروفة، ليقنع الناخبين بالتصويت له.
على الرغم من ذلك كله، نجح قيس سعيد في كسب ثقة الناخبين بفوزه بأكثر من 72% من الأصوات المعبّر عنها، محدثا، بذلك، حالة إرباك واضحة وسط معسكر الثورة المضادة داخل تونس وخارجها، بعدما نجح في هزم تحالف الفساد والمال المتحصّن خلف الدولة العميقة والنظام القديم. ونجح، أيضا، في رفع نسبة المشاركة في الدور الثاني من هذا الاقتراع الرئاسي، لتصل إلى حوالي 58%، بما يعنيه ذلك من توسيع نسبي لقاعدة الكتلة الناخبة وتنويع أطيافها الاجتماعية، خصوصا بالنسبة للشباب والطلبة الذين شكلوا إحدى نقاط القوة في مسار فوز سعيّد برئاسة تونس.
ذلك كله يعني أن سعيّد نجح في بناء رمزية سياسية في وقت قياسي، معتمدا على قدراته الأكاديمية والمعرفية والتواصلية. يتعلق الأمر، إذن، بحالة سياسية فريدة، تستنفر أسئلة كثيرة بشأن قضايا الخطاب السياسي والتواصل والتعبئة والمشاركة والسيادة الشعبية.
أعاد الحدث التونسي إلى الواجهة القضايا الكبرى التي أخرجت التونسيين إلى الشارع قبل تسعة أعوام، وفي مقدمتها الحد من الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الجهوية والمجالية. ومن هنا، يعيد فوز قيس سعيّد إلى الثورة التونسية توهجها الذي خفت بين دروب التحول الديمقراطي، ويمنحها ولادة ثانية، كانت في حاجة إليها، بعدما عجزت المنظومة السياسية التونسية التقليدية عن تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وانشغلت بتدبير صراعاتها الحزبية والإيديولوجية الضيقة، وتأمينِ المسار الانتقالي.
بالنسبة لمعظم التونسيين، لم يكن حصاد الأعوام التسعة التي انصرمت، منذ إطاحة نظام زين العابدين بن علي، غير خيبات أمل تراكمت لديهم بسبب قلة اكتراث النخب السياسية بتحسين مستوى معيشتهم والاستجابة لمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك، يُجسّد فوزُ قيس سعيد حلم الثورة التونسية الذي بدّدته صراعات هذه النخب، وإكراهات التحول الديمقراطي، واضطراب المحيط الإقليمي، وتربّص قوى الثورة المضادة بالتجربة الديمقراطية التونسية.
على مستوى الإقليم، ستكون لفوز سعيد تبعات على المدى البعيد، من خلال إعادة فتح النقاش العمومي بشأن شرعية ثورات الربيع العربي التي تجتهد أنظمة وقطاع واسع من النخب السياسية والثقافية في تسفيهها وتحويلها مشجبا تُعلق عليه كل المآسي والويلات التي لحقت بالجغرافيا العربية إبان الأعوام المنصرمة، فإعادة الاعتبار إلى المطالب التي رفعها المتظاهرون في المدن والبلدات التونسية بعد واقعة محمد البوعزيزي المعلومة تؤشر، بدرجة أو بأخرى، إلى أن تحولاتٍ نوعيةً تخترق المشهد السياسي التونسي، يبدو أنها تتجاوز قدرة المنظومة السياسية العربية الحالية على استيعابها، بسبب إفلاس الأنظمة والنخب على حد سواء.
في السياق نفسه، كان لافتا استدعاءُ قيس سعيد الموضوعَ الفلسطيني الذي توارى طويلا عن الخطاب الرسمي العربي، بعدما لم يعد يُمثل أولويةً في الأجندات العربية، في ظل تكالب قوى الثورة المضادة عليه، في سعيها المعلوم إلى الإجهاز عليه وإقباره في ما تعرف بصفقة القرن. ولا شك أن التونسيين لم يشاؤوا أن يكون رئيسهم الجديد مثار شبهة تخابر مع جهات إسرائيلية، فكان تصويتهم ساحقا على قيس سعيّد، في مواجهة منافسٍ تردّدت أنباء شبه مؤكدة عن تعاقده مع ضابط إسرائيلي سابق لإدارة حملته الانتخابية.
يمثّل فوز قيس سعيّد ثورة انتخابية بكل المقاييس، إذ سيفتح آفاقا جديدة أمام الديمقراطية التونسية الفتية، لتجديد إمكاناتها المختلفة، الأمر الذي يعني، بالضرورة، تضييق الخناق أكثر على محور الثورة المضادة الذي بذل، ولا يزال، جهودا كبيرة لإجهاض هذه الديمقراطية، وزيادة منسوب الإحباط وسط التونسيين، في محاولة منه لدفعهم نحو مهاوي العنف والفوضى وعدم الاستقرار.
ذلك كله يعني أن سعيّد نجح في بناء رمزية سياسية في وقت قياسي، معتمدا على قدراته الأكاديمية والمعرفية والتواصلية. يتعلق الأمر، إذن، بحالة سياسية فريدة، تستنفر أسئلة كثيرة بشأن قضايا الخطاب السياسي والتواصل والتعبئة والمشاركة والسيادة الشعبية.
أعاد الحدث التونسي إلى الواجهة القضايا الكبرى التي أخرجت التونسيين إلى الشارع قبل تسعة أعوام، وفي مقدمتها الحد من الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الجهوية والمجالية. ومن هنا، يعيد فوز قيس سعيّد إلى الثورة التونسية توهجها الذي خفت بين دروب التحول الديمقراطي، ويمنحها ولادة ثانية، كانت في حاجة إليها، بعدما عجزت المنظومة السياسية التونسية التقليدية عن تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وانشغلت بتدبير صراعاتها الحزبية والإيديولوجية الضيقة، وتأمينِ المسار الانتقالي.
بالنسبة لمعظم التونسيين، لم يكن حصاد الأعوام التسعة التي انصرمت، منذ إطاحة نظام زين العابدين بن علي، غير خيبات أمل تراكمت لديهم بسبب قلة اكتراث النخب السياسية بتحسين مستوى معيشتهم والاستجابة لمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك، يُجسّد فوزُ قيس سعيد حلم الثورة التونسية الذي بدّدته صراعات هذه النخب، وإكراهات التحول الديمقراطي، واضطراب المحيط الإقليمي، وتربّص قوى الثورة المضادة بالتجربة الديمقراطية التونسية.
على مستوى الإقليم، ستكون لفوز سعيد تبعات على المدى البعيد، من خلال إعادة فتح النقاش العمومي بشأن شرعية ثورات الربيع العربي التي تجتهد أنظمة وقطاع واسع من النخب السياسية والثقافية في تسفيهها وتحويلها مشجبا تُعلق عليه كل المآسي والويلات التي لحقت بالجغرافيا العربية إبان الأعوام المنصرمة، فإعادة الاعتبار إلى المطالب التي رفعها المتظاهرون في المدن والبلدات التونسية بعد واقعة محمد البوعزيزي المعلومة تؤشر، بدرجة أو بأخرى، إلى أن تحولاتٍ نوعيةً تخترق المشهد السياسي التونسي، يبدو أنها تتجاوز قدرة المنظومة السياسية العربية الحالية على استيعابها، بسبب إفلاس الأنظمة والنخب على حد سواء.
في السياق نفسه، كان لافتا استدعاءُ قيس سعيد الموضوعَ الفلسطيني الذي توارى طويلا عن الخطاب الرسمي العربي، بعدما لم يعد يُمثل أولويةً في الأجندات العربية، في ظل تكالب قوى الثورة المضادة عليه، في سعيها المعلوم إلى الإجهاز عليه وإقباره في ما تعرف بصفقة القرن. ولا شك أن التونسيين لم يشاؤوا أن يكون رئيسهم الجديد مثار شبهة تخابر مع جهات إسرائيلية، فكان تصويتهم ساحقا على قيس سعيّد، في مواجهة منافسٍ تردّدت أنباء شبه مؤكدة عن تعاقده مع ضابط إسرائيلي سابق لإدارة حملته الانتخابية.
يمثّل فوز قيس سعيّد ثورة انتخابية بكل المقاييس، إذ سيفتح آفاقا جديدة أمام الديمقراطية التونسية الفتية، لتجديد إمكاناتها المختلفة، الأمر الذي يعني، بالضرورة، تضييق الخناق أكثر على محور الثورة المضادة الذي بذل، ولا يزال، جهودا كبيرة لإجهاض هذه الديمقراطية، وزيادة منسوب الإحباط وسط التونسيين، في محاولة منه لدفعهم نحو مهاوي العنف والفوضى وعدم الاستقرار.