"هذه تونس الصغيرة، تونس التي أحبّ"، هكذا يصف لسعد الزواري فضاءه الكائن في منطقة "مونفلوري" التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن وسط العاصمة التونسية.
"ريحة البلاد" هو فضاء ثقافي وترفيهي تقدّر مساحته الإجمالية بأكثر من 700 متر مربع، وإطاره المعماري مستلهم من التراث التونسي. يحتوي على العديد من الصناعات التقليدية التي قام صاحب المشروع بإنجازها، ويتميّز بكونه أقامه على أنقاض مكان مهمل خصّصه سكّان الحي لإلقاء النفايات في السابق.
يقول لسعد الزواري في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ الأشغال "انطلقت في العام 2004 ولم يتقبّل سكان الحي آنذاك فكرة التخلّي عن إلقاء النفايات في المكان، لكنّ العقلية تغيرت مع الزمن وتبيّنوا أهمية المشروع لأبنائهم وللحي بصفة عامة".
ولسعد الزواري، صاحب هذا المشروع الثقافي، مواطن تونسي درس الفنون الجميلة والتصميم في فرنسا، وزار بلداناً عديدة في إطار نشاطه الفني قبل أن يستقرّ في مسقط رأسه.
اقتصر المشروع في البداية على مصنع يُنفذ فيه الزواري تصاميمه الفنية، وقاعة لعرض أهم ما أنتجه ثم قام بتطويره إلى فضاء ثقافي، يقول صاحبه إنّه "أوّل مركز ثقافي خاصّ في تونس"، ملخّصاً هدفه في "تنشيط الحركة الثقافية داخل حيّ شعبي".
يشكو أنّ أصدقاءه "لم يشجّعوني، لأنّ المكان كان مصباً للنفايات ويجتمع حوله المنحرفون والمجرمون من المنطقة، وذلك لانزوائه بعيدا عن الأنظار".
إذ تقع منطقة "مونفلوري" جنوب غرب تونس العاصمة، وفيها أحياء شعبية عديدة كثافتها السكانية عالية، لكنّ صاحب مشروع "ريحة البلاد" يؤكد أنّ "الفنّ والثقافة يجب ألا تحتكرهما الأحياء الراقية".
افتتح فضاء "ريحة البلاد" الثقافي رسمياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على يد وزير الثقافة السابق مهدي مبروك، لكن الفضاء لا يخضع الآن لإشراف الحكومة التونسية. يقول صاحبه لـ"العربي الجديد": "لم تمنحني وزارة الثقافة رخصة لإنشاء مركز ثقافي خاصّ، رغم محاولاتي قبل ثورة يناير في 2011 وبعدها، كما أنّني تلقّيت وعوداً بالحصول على دعم مادي لكنّني لم أحظ به".
ويتكون الفضاء الثقافي "ريحة البلاد" من مسرح مدارجه متحرّكة وطاقة استيعابه تقدر بـ160 شخصا، يمكن استخدامه كقاعة رقص أو كقاعة للعروض السينمائية، إضافة إلى مكتبة وقاعة موسيقى وقاعة للمحاضرات ومقهى ثقافي.... وهو فضاء مفتوح لأصحاب المشاريع الفنية والبرامج الثقافية.
"نقدّم في ريحة البلاد ثقافة مغايرة، ثقافة جدية تُحسّن من سلوك وإمكانيات الناشئة، وتساعد على تنشئة اجتماعية سليمة ومتوازنة لشباب المناطق الشعبية لتبعدهم عن مخاطر التطرّف والإرهاب". ويُقدم الفضاء عروضاً ثقافية وفنية منوعة وأغلب زوّاره من شباب الحي والأحياء الشعبية المجاورة.
تقول عربية صالح، عن "جمعية منتدى الحقوقيين الشبان"، وهي جمعية تهدف إلى تطوير قدرات الشباب في المجال الحقوقي والقانوني: "نُنظم مناظرات عن "الشباب ضدّ الفساد" في فضاء "ريحة البلاد" للمرّة الأولى"، وتضيف في حديث لـ"العربي الجديد": جَذَبَنَا سعر الكراء المناسب وقرب الفضاء من العاصمة، وهو متاح للجميع بسبب قربه من وسائل النقل العمومية".
وتختم: "في فضاء "ريحة البلاد" يجد الطالب والشاب التونسي كلّ ما يحتاجه، وجمالية المكان من شأنها أن تمثل مصدر إلهام للمثقفين والفنانين".
أحمد القنوني، وهو طالب بكلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس، استحسن التوجّه نحو إرساء مراكز ثقافية خاصّة في الأحياء الشعبية، فمن المهمّ، بحسب تعبيره، "ترسيخ الثقافة والفكر التنويري في هذه الأحياء والمساهمة في تنمية قدرات الشباب".
ويُقدر صاحب المشروع تكلفة تهيئة مصبّ النفايات ليتحول إلى فضاء ثقافي بحوالي 750 ألف دولار أميركي. وقد استفاد مادياً من خلال عرضه أعماله الفنية وتصاميمه واستضافة الحرفيين في الفضاء الثقافي كما استقبل "ريحة البلاد" عدداً من الفنانين العرب والأجانب. ويقول صاحب المشروع إنّ رسالته للشباب عبر هذا المركز هي أنّه "لا يجب أن تكون مهندساً أو طبيباً لتكسب المال، وأنّ الثقافة تجلب المال على عكس الأفكار الشائعة".