"جامعة شعبية تعليم ديمقراطي"، "ثقافة وطنية"، "شعب عربي واحد جيش عربي واحد"، "يسقط حزب الدستور"، "يسقط جلاد الشعب"، "يسقط الحكام الرجعيون"، "فلسطين عربية"، " أمة عربية وشعب واحد"، "لتنتصر ثورات الشعوب"، "لا للإمبريالية وأذنابها في دنيا العرب"، "عهد وفاء لدماء شهداء فلسطين"، "لا للاستسلام والتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني"، "الإسلام هو الحل". هذه بعض الشعارات التي رفعها الجامعيون التونسيون في مجرى نضالهم. والجامعات التونسية كانت دوماً وأبداً مركزاً من مراكز الحراك السياسي في البلاد الذي لم يقتصر عليها بطبيعة الحال، بالنظر إلى حيوية هذا المجتمع وتنوع قواه بين قومية ويسارية وإسلامية وغير ذلك. حراك الجامعات التونسية كانت تتعدى أهدافه دوماً المسائل السياسية والاقتصادية والمعيشية الداخلية، ليطاول القضايا القومية، بدءاً من قضية فلسطين إلى سواها من قضايا الأمة العربية وقائمة أوجاعها المزمنة وصولاً إلى قضايا الشعوب العالم ثالثية.
كل تلك الشعارات والنضالات وما قادت إليه من مواجهات مثلت مستوى متقدماً من الوعي لشؤون وشجون ما يدور حول هؤلاء الطلاب من أمواج وتيارات وتطلعات، رغم ما حوته من مواقف طفولية ومزايدات بين المجموعات الطلابية في الكثير من الأحيان. وقد كانت وما تزال، أحرام الجامعات التونسية عالماً قائماً بذاته يختلف عن العالم الذي يدور خارجه، في الخارج يستغرق الجميع من موظفين وعمال وتجار وفلاحين في مشاغلهم اليومية وتدبير شؤون معاشهم، أما الجامعات فإيقاعها مسألة ثانية. الشعارات التي أشرنا إلى بعضها لا تختزل هموم أهل الجامعة من طلاب وأساتذة، وإن كانت تعبر عن التنوع في الاهتمامات. صحيح أن بعضها يطغى على الساحة لارتباطه بحدث ما، لكنه سرعان ما يخلي الساحة لسواه من قضايا. لكن حياة الجامعة لا تعيش على الشعارات، لذلك يمكن أن تضيف إليها النصوص الفكرية والمواقف السياسية التي تضخها الحركات الماركسية والقومية والإسلامية. ما يعبر عن ثراء وغنى الحياة الطالبية التونسية. لا يعني ذلك أن تونس لم تشهد سوى هذا الزخم طوال حضورها ومنذ أن تأسس "صوت الطالب الزيتوني" في بدايات القرن الماضي، ليخلفه في مراحل لاحقة "الاتحاد العام لطلبة تونس"، تعبيراً عن هيمنة الحزب الواحد الحاكم برئاسة الحبيب بورقيبة مع نيل البلاد استقلالها.
اقــرأ أيضاً
عرفت بعدها تونس منوعات من القمع التي مارسها الحزب الحاكم، لكن هذا لم يمر مرور الكرام فقد واجهت الجموع الطالبية هذه النزعة الأحادية الجانب، إلى حد أن أحد قادة الحركة يروي أن الانتساب إلى الاتحاد بات تهمة إذا ما التصقت بأي من منتسبيه سقط في الانتخابات، نتيجة العزلة التي تحيط به. يروي هذا القائد أن أحد الطلبة المرشحين للتمثيل الطالبي في إحدى الكليات قدم ترشيحه وبرنامجه الانتخابي مستهلاً حديثه بالقَسَم بأغلظ الإيمان أنه لم ينتم يوماً للحزب الحاكم، ولم ينشط في صفوف منظمة طلبته، فقد كان الالتحاق بـ"منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي" أشبه بالانتساب إلى منظمة صهيونية أو مشبوهة وليس أقل، ما يجعل المنتسب لها عرضة لكل المضايقات والنبذ، إن لم يكن مستهدفاً بالعنف الجسدي في حال ثبت أنه وشى بالمناضلين وتسبّب في اعتقال أو تعذيب بعضهم.
*باحث وأكاديمي
كل تلك الشعارات والنضالات وما قادت إليه من مواجهات مثلت مستوى متقدماً من الوعي لشؤون وشجون ما يدور حول هؤلاء الطلاب من أمواج وتيارات وتطلعات، رغم ما حوته من مواقف طفولية ومزايدات بين المجموعات الطلابية في الكثير من الأحيان. وقد كانت وما تزال، أحرام الجامعات التونسية عالماً قائماً بذاته يختلف عن العالم الذي يدور خارجه، في الخارج يستغرق الجميع من موظفين وعمال وتجار وفلاحين في مشاغلهم اليومية وتدبير شؤون معاشهم، أما الجامعات فإيقاعها مسألة ثانية. الشعارات التي أشرنا إلى بعضها لا تختزل هموم أهل الجامعة من طلاب وأساتذة، وإن كانت تعبر عن التنوع في الاهتمامات. صحيح أن بعضها يطغى على الساحة لارتباطه بحدث ما، لكنه سرعان ما يخلي الساحة لسواه من قضايا. لكن حياة الجامعة لا تعيش على الشعارات، لذلك يمكن أن تضيف إليها النصوص الفكرية والمواقف السياسية التي تضخها الحركات الماركسية والقومية والإسلامية. ما يعبر عن ثراء وغنى الحياة الطالبية التونسية. لا يعني ذلك أن تونس لم تشهد سوى هذا الزخم طوال حضورها ومنذ أن تأسس "صوت الطالب الزيتوني" في بدايات القرن الماضي، ليخلفه في مراحل لاحقة "الاتحاد العام لطلبة تونس"، تعبيراً عن هيمنة الحزب الواحد الحاكم برئاسة الحبيب بورقيبة مع نيل البلاد استقلالها.
عرفت بعدها تونس منوعات من القمع التي مارسها الحزب الحاكم، لكن هذا لم يمر مرور الكرام فقد واجهت الجموع الطالبية هذه النزعة الأحادية الجانب، إلى حد أن أحد قادة الحركة يروي أن الانتساب إلى الاتحاد بات تهمة إذا ما التصقت بأي من منتسبيه سقط في الانتخابات، نتيجة العزلة التي تحيط به. يروي هذا القائد أن أحد الطلبة المرشحين للتمثيل الطالبي في إحدى الكليات قدم ترشيحه وبرنامجه الانتخابي مستهلاً حديثه بالقَسَم بأغلظ الإيمان أنه لم ينتم يوماً للحزب الحاكم، ولم ينشط في صفوف منظمة طلبته، فقد كان الالتحاق بـ"منظمة طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي" أشبه بالانتساب إلى منظمة صهيونية أو مشبوهة وليس أقل، ما يجعل المنتسب لها عرضة لكل المضايقات والنبذ، إن لم يكن مستهدفاً بالعنف الجسدي في حال ثبت أنه وشى بالمناضلين وتسبّب في اعتقال أو تعذيب بعضهم.
*باحث وأكاديمي