لم يكن أحد يتوقع أن يثور الجنوب الجزائري في وجه عمليات التنقيب عن الغاز الصخري، التي أطلقتها الحكومة أخيراً في ولاية عين صالح الجنوبية. لا بل إن هذه الاحتجاجات توسعت فيما بعد إلى ولايات أخرى من تمنراست، ورقلة، غرداية وادرار. المواطنون الغاضبون رفعوا شعارات تطالب بوقف استغلال الغاز الصخري في الولاية على الفور، واصفين العملية بتجارب "رقان" النووية الثانية التي أجراها الاستعمار الفرنسي في صحراء منطقة رقان في ستينيات القرن الماضي.
الخوف من ثلوث المياه
ويرجع سكان الجنوب الجزائري رفضهم هذا إلى تخوفهم من تلوث المياه الجوفية في المنطقة، بفعل المواد الكيماوية المستعملة في عمليات تكسير الصخر على عمق يصل إلى ثلاثة أو أربعة آلاف متر تحت سطح الأرض، خاصة أن المنطقة تحوي كميات هامة من احتياطي المياه الجوفية في الجزائر، وتقدر بنحو 50 مليار متر مكعب.
ويستند المتظاهرون إلى تقارير علمية فرنسية ترى أن استخراج الغاز الصخري له انعكاسات سلبية على البيئة، تؤدي إلى تلويث مياه الشرب مستقبلاً وإلى انتشار مرض السرطان، إضافة إلى استهلاك عملية التنقيب لكميات هائلة من المياه (500 لتر في بضع ثوان)، مما يهدد بنفاد هذا المخزون الاستراتيجي.
المحتجون وفي كل الولايات أصرّوا على عدم تسييس مطلبهم، أو تغيير منحى تحركاتهم، مشددين على أن الأخيرة لا تهدف سوى إلى وقف أعمال التنقيب عن الغاز الصخري في منطقتهم. إلا أن هؤلاء فوجئوا بخروج المدير العام بالنيابة لمؤسسة "سوناطراك"، سعيد سحنون، في مقابلات متلفزة وإذاعية رسمية، ليؤكد أن قرار استغلال الغاز الصخري في ولاية عين صالح قرار لا رجعة عنه، وأن "سوناطراك" ستستثمر نحو 70 مليار دولار في هذه العملية، مما زاد في غضب المحتجين، وأدى إلى انتشار رقعة التحركات.
وتفيد مراجع مختصة بأنّ الجزائر تخطط لإنتاج 160 مليار متر مكعب من الغاز الصخري كل عام، مع مضاعفة الكميات في السنوات العشرين المقبلة. وتشير الدراسات إلى أن قدرات الجزائر في مجال الغاز الصخري تبلغ على الأقل ضعف الاحتياطات المؤكدة من الغازات التقليدية، أي نحو 22 تريليون متر مكعب، وهي بذلك تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد كل من الصين والأرجنتين.
تضارب في تقييم الخطر
ويرى النائب في المجلس الشعبي الوطني عن ولاية عين صالح، محمد بلمين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاحتجاجات سلمية ومؤطرة وفي أماكن محددة. ويضيف بلمين أن آراء الخبراء متضاربة حالياً بشأن تأثير هذه العملية على البيئة من عدمه. وأعاب على الحكومة عدم تواصلها مع سكان المنطقة قبل بدء العملية وإعلامهم بشكل كاف بكل جوانبها التقنية.
من جهته، يقول الخبير الطاقوي والبيئي، بوزيان مهماه، إن الحديث عن مخاطر بيئية بالشكل الذي تصور عليه حالياً ليس له أساس من الصحة، مضيفاً أن التقنيات الحديثة المعتمدة على الضخ الهيدروليكي، لا تستعمل سوى مواد كيماوية عادية وتستخدم في عمليات التنقيب عن الغاز التقليدي والبترول. ويشرح أن الجزائر حفرت من قبل بئراً في منطقة عين صالح، ولم تسجل أية مخاطر بيئية تذكر. ويلفت مهماه إلى أن استخراج الغاز الصخري يؤمن نحو 70 ألف فرصة عمل مرتبطة بنقل وتحويل المياه المستعملة في الحفر، وإنتاج الرمل الذي يستورد حالياً من إسبانيا.
أما الخبير الاقتصادي، رمضاني لعلا، فيرى أن الحكومة أخطأت حينما أقدمت على المشروع من دون تهيئة الإعلام والمواطنين، خاصة في ظل المشاكل التنموية الكبيرة التي يعاني منها الجنوب، مضيفاً أن العملية جاءت أيضا في وقت حساس جداً يتميز بتراجع أسعار النفط، وبروز الأصوات التي تهدد بحدوث كارثة بيئية نتيجة استغلال الغاز الصخري، مما يجعل الحكومة تبدو كأنها اضطرت إلى البدء بالمشروع واستعجلته بلا دراسة.
بدوره، يقول النائب في المجلس الشعبي الوطني عن ولاية تمنراست المجاورة لعين صالح، بابا علي محمد، في حديث مع "العربي الجديد" إنه صوّت في البرلمان لصالح استغلال الغاز الصخري لكن بشرط ألا يتم إلا بعد 15 سنة على الأقل، وبعد اكتساب الخبرات التقنية اللازمة لذلك. ويضيف أنه "إذا كانت الحكومة كما تقول تريد الاستكشاف فقط، فما يضرها إن قامت بتأجيل هذه العملية؟"، في حين يقترح الخبير الاقتصادي والوزير السابق، بشير مصيطفي، أن يتم تشكيل لجنة سيادية تضم الحكومة والمجتمع المدني والخبراء تحت إشراف رئاسة الجمهورية، تكون توصياتها ملزمة من أجل الخروج نهائياً من هذه الأزمة.