رحم الله البو عزيري، مع كل طبقة من طبقات جلده الرقيق التي أخذت في الذوبان مع النار التي أحرقت جسده النحيل، مع كل نفس من أنفاسه المتقطعة الأخيرة تساقطت أكوام من التقاليد والمعتقدات والأقنعة الزائفة، وأخذنا نتساءل كيف كنا نحيط أنفسنا بهذا الكم من التصورات البالية والأفكار العفنة، أفكار حول أنفسنا، قدراتنا، مخاوفنا، أحلامنا، وقدراتنا.. تصورات حول الآخر، أكان الآخر هو الحاكم أو الآخر المحكوم عليه معنا بالتعايش مع حياته البائسة.
الآخر الذي يعيش يتألم ويتجرع كؤوس البؤس مثلنا حولنا بل ومعنا ولكننا لم نكن نراه بسبب أسوار التصورات البالية التي أحطنا أنفسنا بها، المسيحيون لا يحبوننا، الفقراء يطمعون في أموالنا، وقاطنو المناطق الريفية كسالى ومتخلفون، الفنانون متعالون ولا يشعرون بنا، قاطنو الأحياء الشعبية حشاشون بالكلية وأولاد الذوات قاطنو القصور وخريجو الجامعات الأميركية فاقدو هوية، والشباب بالمجمل "سّيس" (كلمة تطلق لتوصيف الشخص المدلل المفرط في الترف المضيع لوقته والهائم في الحياة بدون وجهة).
اقرأ أيضا:لبنان: التربية الجنسية ممنوعة بأمر الأهل
نعم... هكذا كنا وهذه كانت تصوراتنا عشنا لفترات مطولة من الزمن في جزر منعزلة ومعسكرات فكرية وثقافية منغلقة حتى انفتحت الميادين ووسع المكان للكل حتي انخرطنا في المظاهرات وتلامست الاكتاف واختلطت الدماء، ووسع الوطن الجميع... يومها فقط انفتحت عيوننا على الآخر... فكما احتوتنا الميادين احتوينا بعضنا البعض..على اختلافنا. واختلافاتنا...كان في الأمر متسع.
عرف الشباب أن البنات الفتيات والسيدات يمكن أن يكن شركاء في "كفاح ما" وأن النساء قادرات على السير في المظاهرات والتلاحم والتغيير بل والتأثير، سمعنا عن الميادين الخالية من التحرش الجنسي، عايشنا واقعاً نظيفاً نقياً، فالخطر مشترك والحياة واحدة.
ولكن ما كانت إلا أياماً بسيطة نعيش على ذكراها الآن، عادت الحياة للوراء أياماً وشهوراً بل وسنوات، ولكن هذا أمر كان لا بد أن نفطن أنه منطقي وطبيعي، كان لا بد لنا أن نتوقع هذه الموجات من العنف والكراهية وعدم التقبل للآخر التي تلت هذه الأيام الربيعية البهيجة، هذه الموجات من العنف ما هي إلا إنعكاس لحالة دفينة من عدم تقبل الآخر وأحادية التصور والفكر (أنا ومن شابهني وفقط) وكأن الحياة لا تسعني أنا ومن اختلف معه.
عشنا لفترات من الزمن لا نعرف الآخر، لا نعايشه، لا نتفاعل معه ولا نراه (أصلاً) فلا نعترف بوجوده أو أحقيته في الوجود، وأبرز مثال على هذه العلاقة بين الجنسين في بلادنا العربية، علاقة أحادية، يحرم فيها التفاعل إلا لضرورات الحياة بين الجنسين وتغلق منافذ التعايش النظيف المشترك وتنجس التصورات والأفكار بل والمشاعر الخاصة بالطرف الآخر من معادلة العلاقات الإنسانية، فتم تصوير المعادلة على أنها ولد + بنت = رذيلة وفحش وزنا، فجر ومجون وعار.
فرسخت المعادلة في الأذهان وشكلت الوجدان من خلال توريث لأفكار وتصورات بالية، أحيط بعضها بغلاف من الدين الزائف وتم التشديد عليها برباط من العادات والتقاليد والترويع بنشر الخوف والرهبة فشاعت ثقافات "العار" التي مهدت الطريق لممارسات "كبتية" لا تقل خطورة عن "الكبت السياسي" الذي تمت ممارسته لعقود طويلة، وكما قال أجدادنا في الأمثال القديمة "ما من كبت إلا ولد انفجاراً" فجاءت مظاهر التحرش الجنسي انعكاساً مفجعاً لممارسات "الكبت الاجتماعي". وحالة الانغلاق وعدم التعايش مع الآخر... جنسياً.
اقرأ أيضا:التربية الجنسية في المناهج العربية... تخبط وعشوائية
الآخر الذي يعيش يتألم ويتجرع كؤوس البؤس مثلنا حولنا بل ومعنا ولكننا لم نكن نراه بسبب أسوار التصورات البالية التي أحطنا أنفسنا بها، المسيحيون لا يحبوننا، الفقراء يطمعون في أموالنا، وقاطنو المناطق الريفية كسالى ومتخلفون، الفنانون متعالون ولا يشعرون بنا، قاطنو الأحياء الشعبية حشاشون بالكلية وأولاد الذوات قاطنو القصور وخريجو الجامعات الأميركية فاقدو هوية، والشباب بالمجمل "سّيس" (كلمة تطلق لتوصيف الشخص المدلل المفرط في الترف المضيع لوقته والهائم في الحياة بدون وجهة).
اقرأ أيضا:لبنان: التربية الجنسية ممنوعة بأمر الأهل
نعم... هكذا كنا وهذه كانت تصوراتنا عشنا لفترات مطولة من الزمن في جزر منعزلة ومعسكرات فكرية وثقافية منغلقة حتى انفتحت الميادين ووسع المكان للكل حتي انخرطنا في المظاهرات وتلامست الاكتاف واختلطت الدماء، ووسع الوطن الجميع... يومها فقط انفتحت عيوننا على الآخر... فكما احتوتنا الميادين احتوينا بعضنا البعض..على اختلافنا. واختلافاتنا...كان في الأمر متسع.
عرف الشباب أن البنات الفتيات والسيدات يمكن أن يكن شركاء في "كفاح ما" وأن النساء قادرات على السير في المظاهرات والتلاحم والتغيير بل والتأثير، سمعنا عن الميادين الخالية من التحرش الجنسي، عايشنا واقعاً نظيفاً نقياً، فالخطر مشترك والحياة واحدة.
ولكن ما كانت إلا أياماً بسيطة نعيش على ذكراها الآن، عادت الحياة للوراء أياماً وشهوراً بل وسنوات، ولكن هذا أمر كان لا بد أن نفطن أنه منطقي وطبيعي، كان لا بد لنا أن نتوقع هذه الموجات من العنف والكراهية وعدم التقبل للآخر التي تلت هذه الأيام الربيعية البهيجة، هذه الموجات من العنف ما هي إلا إنعكاس لحالة دفينة من عدم تقبل الآخر وأحادية التصور والفكر (أنا ومن شابهني وفقط) وكأن الحياة لا تسعني أنا ومن اختلف معه.
عشنا لفترات من الزمن لا نعرف الآخر، لا نعايشه، لا نتفاعل معه ولا نراه (أصلاً) فلا نعترف بوجوده أو أحقيته في الوجود، وأبرز مثال على هذه العلاقة بين الجنسين في بلادنا العربية، علاقة أحادية، يحرم فيها التفاعل إلا لضرورات الحياة بين الجنسين وتغلق منافذ التعايش النظيف المشترك وتنجس التصورات والأفكار بل والمشاعر الخاصة بالطرف الآخر من معادلة العلاقات الإنسانية، فتم تصوير المعادلة على أنها ولد + بنت = رذيلة وفحش وزنا، فجر ومجون وعار.
فرسخت المعادلة في الأذهان وشكلت الوجدان من خلال توريث لأفكار وتصورات بالية، أحيط بعضها بغلاف من الدين الزائف وتم التشديد عليها برباط من العادات والتقاليد والترويع بنشر الخوف والرهبة فشاعت ثقافات "العار" التي مهدت الطريق لممارسات "كبتية" لا تقل خطورة عن "الكبت السياسي" الذي تمت ممارسته لعقود طويلة، وكما قال أجدادنا في الأمثال القديمة "ما من كبت إلا ولد انفجاراً" فجاءت مظاهر التحرش الجنسي انعكاساً مفجعاً لممارسات "الكبت الاجتماعي". وحالة الانغلاق وعدم التعايش مع الآخر... جنسياً.
اقرأ أيضا:التربية الجنسية في المناهج العربية... تخبط وعشوائية