كانت روائح الماريوانا تخف كلما اقترب الميترو من مركز المدينة، والمحطات أيضاً كانت تصير أقل قذارة وأكثر عنايةً، ومن فوهات مضيئة تنتهي بها الأدراج الاوتوماتيكية الصاعدة كانت تبدأ المدينة.
كان يُحس بالكسل المنبعث من مصابيحَ صفراءَ في الطابق الأرضي لدار المسنين، البادي من زجاج شفّ عن شيوخ وعجائز متهدلين على كراسي البهو. لحظة شرود مجفلة بددها اندفاع الناس الواقف معهم إلى طرف الرصيف المقابل حين فتحت اشارة المرور. يسير، تسيّره ذاكرةٌ يضنيها أمل بلقيا ما قد تألفه، من أين أبدأ؟ يسأل نفسه، كل شيء خفيف كالنسيان إلا هو جبلٌ هائم.
بَرَدٌ، ليلٌ، أضواء لا تكف تومض، أربعة شبان سود يتدفؤون على البخار الصاعد من قبو اللاندري، أدراج الحديد الخلفية الصدئة لمباني القرميد ايحاء بكارثة حدثت وقد تحدث، أمّ تدفع عربة وتقود كلباً وطفلاً مطيعاً، فتيات يتقافزن وهن يخرجن من المدرسة، سائق التاكسي يشتم بانجليزية هندية فتاة ثملة لا تعرف كيف تفتح الباب وتصعد، امرأة متعجلة بكعبها العالي ومعطفها الفرو، تمثال يسوع المتسول والمشردون ملتحفو الكراتين والخرق البالية على طول الشارع الذي هو فيه، أكياس القمامة الضخمة يخرجها عمال المطاعم آخر الليل، حراس البارات يلقون سكراناً أمام المحل.
حين نادى أحد ما باسمه في المدينة التي لا يعرف فيها أحداً، التفت، جال بعينين تبحثان عن نفسه. وبحيرة من ظن أنه لا يُرى، كان يراقب الأشياء، بينما في مقهى في الطابق العاشر جلس مهاجر قديم هادئاً، يشرب قهوته، ويراقب واصلاً جديداً في الشارع يراقب الأشياء ويظن أنه لا يرى.
*شاعر سوري مقيم في نيويورك