استفاقت جامعة فاس المغربية، في 25 أبريل/ نيسان الماضي، على خبر مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي، داخل كلية الحقوق. "منظمة التجديد الطلابي" القطاع الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لم تتردد في اتهام فصيل "النهج الديمقراطي القاعدي–البرنامج المرحلي" بـ"اغتيال الشهيد" الحسناوي الذي ينتمي إليها. الحادث خلف موجة من الاستياء والتنديد، ومتابعة إعلامية غير مسبوقة في المغرب.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، أصر أن يسقل طائرة خاصة في يوم إجازة، لحضور جنازة الحسناوي، في بلدته في الجنوب الشرقي للمغرب، على بعد حوالي 600 كلم من العاصمة الرباط، مصحوبا بوزير التعليم العالي والوزيرة المنتدبة في التعليم العالي، وقياديون وبرلمانيون من حزب العدالة والتنمية.
بنكيران قال إن حضوره جنازة الحسناوي رسالة من عاهل البلاد شخصيا، الذي "أعطى توجيهاته لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لظاهرة العنف في الجامعات المغربية"، وأن الدولة المغربية "لن تسمح باستمرار العنف في فضاء الأصل فيه أن يكون فضاء للمعرفة والحوار". حضور رئيس الحكومة جنازة آخر ضحايا العنف في الجامعة المغربية وأول ضحية داخل الحرم الجامعي، على حد تعبير لحسن الداودي، وزير التعليم العالي، في جلسة عمومية برلمانية عاصفة، جوابا عن سؤال حول الحادث، رأى فيه خصومه السياسيون تحيزا ومعاملة تفضيلية من رئيس حكومة المغرب لعضو من حزبه، متهمين إياه بتوظيف الحادث سياسيا لصالح الحزب.
لم يكن مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي الأول في سجل العنف في الجامعات المغربية، التي لا يخلو تاريخها من العنف، خصوصا منذ سبعينيات القرن الماضي. بدأ بمواجهات بين طلبة يسارين جذريين وإصلاحيين، حول زعامة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كانوا يعتبرونه الممثل الشرعي والوحيد للطلبة المغاربة في الداخل والخارج. وعكست صراعا سياسيا كان يعتمل في المجتمع المغربي بين من كانوا يؤمنون بالثورة طريقا للتغيير، متهمين القوى الأخرى بالتحريفية والإصلاحية والتواطؤ مع نظام الحسن الثاني في السنوات التي درجت الأدبيات السياسية والحقوقية اليسارية على وصفها بـ"سنوات الرصاص والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، وبين التيار اليساري الاشتراكي الإصلاحي الذي يصف الجذريين بالمغامرين.
لكن هذه المواجهات ستكتسي طابعا جديدا وأكثر حدة، بعد تنامي وجود الفصائل الإسلامية وإعلانها عن نفسها كمكون داخل الحركة الطلابية المغربية، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. فقد عرفت جامعة فاس سنة 1990 أول مواجهة مباشرة بين الطلبة القاعديين اليساريين والإسلاميين، واستمرت المواجهات في جامعات كانت تعتبر معقلا لليسار الراديكالي كوجدة ومكناس ومراكش وأكادير.
والحدث الأبرز في هذه المواجهات بين الإسلاميين واليساريين كان سنة 1991 عندما عثر على جثة الطالب اليساري المعطي بوملي مقطوع الشرايين بعد أن اقتلعت أضراسه وشوهت جثته، بمحيط جامعة وجدة، حينها اتهم طلبة جماعة العدل والإحسان بالمسؤولية المباشرة عن العملية، وتم اعتقال 12 طالبا منهم، وأدينوا بـ20 سنة سجنا نافذا. بعدها بسنتين سقط الطالب اليساري القاعدي آيت الجيد محمد بنعيسى، في جامعة فاس سنة 1993، على يد منتمين للتيارات الإسلامية أيضا.
ورغم التحول الذي عرفته مواقف الطلبة الإسلاميين، بتعبيرهم رسميا وفي مواقف عدة عن نبذهم العنف، فضلا عن التيارات اليسارية غير الجذرية، وتراجع الوجود اليساري في الكثير من الجامعات المغربية، استمر حدوث مواجهات متقطعة في جامعات مختلفة خصوصا في فاس ومكناس ووجدة ومراكش، بين إسلاميين يعتبرون أنفسهم في حالة دفاع عن النفس في مواجهات استدرجوا إليها، وبين طلبة فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، الذين أخذوا على عاتقهم "مواجهة القوى الظلامية التي استحلت دماء الرفاق، ومقاطعتهم اجتماعيا" والثأر لـ"شهداء الحركة الطلابية الماركسية"، متخذين من مقولة "العنف الثوري" سندا أيديولوجيا لممارساتهم.
تاريخ العنف في الجامعة المغربية لم يكن طرفاه دائما الإسلاميون واليسار الجذري، وخصوصا النهج الديمقراطي القاعدي، بل إنه منذ السنوات الأولى لهذا القرن، وبعد ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية كتيار جديد في الساحة الطلابية، شهدت الجامعات المغربية، مواجهات بين هذا التيار وفصيل النهج الديمقراطي القاعدي في العديد من الجامعات خصوصا في مكناس والرشيدية، وسقط ضحايا جراء هذه المواجهات. هذه المواجهات كان من نتائجها لحد الآن مقتل الطالبين المنتميين للنهج الديمقراطي القاعدي عبد الرحمان الحسناوي، في جامعة الرشيدية، ومحمد الطاهر ساسيوي، في جامعة مكناس في مايو/أيار 2007، واتهم طلبة من الحركة الثقافية الأمازيغية بالمسؤولية، وحوكموا بعشر سنوات سجنا. فضلا عن مواجهات بين هذا الفصيل وطلبة ينحدرون من الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.
الدولة بين التدخل والحياد
العنف في الجامعة المغربية لم يكن دائما بين الفصائل الطلابية، بل شكلت التدخلات الأمنية المغربية ضد الطلبة ثابتا في تاريخ الجامعة المغربية. يكاد لا يخلو موسم جامعي من هذه التدخلات، التي عادة ما تأتي عقب حركات احتجاجية طلابية على ما يعتبرونه "ترديا للوضع في الجامعات المغربية"، أو المطالبة بمنح للطلبة أو سكن جامعي للطلبة المتحدرين من مدن وقرى بعيدة عن الجامعات التي يدرسون فيها. هذه الاحتجاجات التي تصل إلى حد مقاطعة الدراسة الجامعية لمدد تتجاوز الشهر في بعض الجامعات، أو الخروج في مظاهرات في الشارع العام، أي خارج "الحرم الجامعي"، تجده قوات الأمن مبررا للتدخل ضد ما تسميه "عرقلة مرفق عمومي"، أو من أجل "حفظ النظام العام وضمان السير العادي للمرفق العمومي"، و "حماية الأرواح والأشخاص والممتلكات"، رغم أن القانون المغربي لا يعطي الحق للقوات الأمنية للتدخل في الجامعات المغربية، إلا بقرار من عميد الكلية. هذه التدخلات الأمنية لم تخل هي الأخرى من سقوط بعض القتلى والعديد من المصابين، آخرها وفاة الطالب محمد الفيزازي في يناير/كانون الثاني 2013، بعد تعرضه لضربات على رأسه إثر تدخل أمني بجامعة فاس.
ثمة مشهد آخر لـ"حضور" الدولة في تراجيديا العنف في الجامعة المغربية، وهو ما يصفه المراقبون بـ" التغاضي عن التطاحنات والمواجهات بين الفصائل الطلابية"، أو على الأقل "التلكؤ" في مواجهة العنف الجامعي. في حين يعتبر البعض أن ما قد يعتبر "تغاضي" أو "تلكؤ"، راجع إلى القيود المفروضة على التدخل الأمني في الجامعات.
وتبقى الجامعات المغربية في انتظار من يضع نقطة نهاية لنزيف العنف فيها، تدور المواجهات بين الفصائل الطلابية في أحياء خارج أسوار الجامعة وقد تنتهي بمباغتة طرف لطرف آخر والانسحاب، في انتظار عودة الهدوء، أو مواجهة أخرى..