جامع السلطان المؤيد... دار عبادة بديلاً للسجن
القاهرة
ياسر غريب
كاتب مصري. حاصل على دكتوراه الألسن في الأدب العربي ونقده. من مؤلفاته: "استبداد التراث: قراءات صادمة في ثقافة الإلف والعادة"، و"ديوان شهاب الدين بن العليف المكي: تحقيق ودراسة"
مباشر
"يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان"؛ هكذا وصف المقريزي جامع السلطان المملوكي المؤيد سيف الدين الشيخ المحمودي بالقاهرة، الذي يقع في شارع المعز لدين لله ملاصقاً لباب زويلة. شُيّد الجامع في ست سنوات (1415 – 1421)، ويضم مسجدا ومدرسة للمذاهب الأربعة، وكان بناؤه فرحة لأهل المنطقة، حيث شغل مكانه موقعَ سجن قديم نشر الرعب في منطقة باب زويلة طويلا.
كان المؤيد شيخ عبدا مملوكا اشتراه السلطان "سيف الدين برقوق" عندما كان في سن العاشرة، وعندما كبر واشتد عوده، خدم لمدة عشرة أعوام في منصب محافظ طرابلس بعد أن تم تعيينه هناك من جانب السلطان الناصر نصير الدين فرج.
ويروي المقريزي أن المؤيد شيخ ألقي في السجن في عهد السلطان فرج، وعانى المؤيد في السجن معاناة رهيبة وخاصة من البراغيث والقمل، وفي محبسه تعهد بأنه إذا فك الله أسره ونال السلطة والحكم، فسيحول هذا السجن إلى مكان مقدس لتخريج العلماء. وأوفى المؤيد بعهده عندما أصبح سلطانا وأنشأ الجامع على أجمل هيئة.
في عام 1412، ساعد المؤيد شيخ في إسقاط السلطان فرج، وخلال ستة أشهر، استولى على السلطة وأصبح السلطان الجديد. واتخذ لقب السلطان المؤيد شيخ، وبدأ بتوسيع إمبراطوريته من خلال معارك ضد الأقاليم المجاورة، حيث قاد عددا من الحملات الناجحة على شمال سورية، فضلا عن محاربة الجيران التركمان في الأناضول، وتقدم حتى قونية قبل أن يعود إلى القاهرة.
توفي المؤيد شيخ في عام 1421، وطوال فترة حكمه اكتسب سمعة طيبة، بوصفه رجلا متواضعا وواحدا من كبار رعاة العمارة في القاهرة. وقد ترك المؤيد وراءه العديد من المعالم الدينية والعلمية، بما في ذلك الخنقاة في الجيزة، والقصور على طول خليج العرب والنيل، والجامع.
وعلى الرغم من المشكلات الكبيرة التي واجهها أثناء حكمه، فإن السلطان استطاع الإشراف على بناء الجامع بنفسه، حتى أصبح يعتبر اليوم أحد معالم القاهرة المميزة. وأصبحت المدرسة المقترنة بالمسجد واحدة من أبرز المؤسسات الأكاديمية التعليمية في القرن الخامس عشر. أما الأوقاف الفخمة التي خلفها السلطان عند وفاته فقد سمحت للمدرسة بتوظيف أبرز العلماء في عصرها كأساتذة. وفيه ألقى ابن حجر العسقلاني، أشهر الشيوخ في مصر، دروسا في الفقه الشافعي.
كان جامع المؤيد آخر المساجد الضخمة ذات الأعمدة التي شيدت في القاهرة المملوكية، وكان في الأصل له أربع واجهات ومداخل، ومع الوقت ساءت حالة المسجد بسبب الإهمال، واليوم توجد فقط الواجهة الشرقية وقاعة الصلاة على حالتهما الأصلية. ورغم أن أعمال ترميم حديثة جرت للمسجد، فإن كل ذلك لا يصور فعلا ما كان عليه المسجد من فخامة في الأصل. وأبرز معالم الجامع الآن هما مئذنتاه القائمتان فوق باب زويلة، بينما كانت له مئذنة أخرى لم يعد لها وجود منذ القرن التاسع عشر.
كان حرم المسجد من أغنى الأماكن تزيينا في زمانه، ولم يقتصر على زخرفة جدران قاعة الصلاة فقط، والتي زينت بالرخام متعدد الألوان الذي شمل حتى النوافذ وحواف المحراب، ولكن الأعمدة الرخامية أيضا تم صنعها على الشكل السابق للإسلام والمنتشر في الآثار والهياكل الفرعونية في القاهرة القديمة وما حولها. وكانت الأرضيات أيضا معبدة بالرخام متعدد الألوان في الحرم والفناء، بينما الرواقات الصغيرة كانت مبلطة بالحجر. وتضم قاعة الصلاة نافذتين على الطراز المغربي والأندلسي.
المحراب والمنبر مزينان بشكل رائع، وأبواب المنبر الخشبية منحوتة بدقة كبيرة، وفوق المنبر وردة كبيرة من الرخام متعدد الألوان. وقد اعتبر ذلك عملاً فريداً حيث لم يستخدم هذا النمط الرخامي قبل ذلك سوى في الأرضيات وليس على الحوائط.
ضم المسجد مكتبةً، اشتهرت في حد ذاتها بمجموعتها من الكتب التي جاء معظمها مباشرة من مجموعة كتب القلعة الملكية. كما تبرع نائب السلطان "محمد الباريزي" بخمسمائة كتاب آخر، واعترافا بفضل الباريزي تم تعيين ابنه واعظا بالمسجد وأمينا للمكتبة.
اقــرأ أيضاً
كان المؤيد شيخ عبدا مملوكا اشتراه السلطان "سيف الدين برقوق" عندما كان في سن العاشرة، وعندما كبر واشتد عوده، خدم لمدة عشرة أعوام في منصب محافظ طرابلس بعد أن تم تعيينه هناك من جانب السلطان الناصر نصير الدين فرج.
ويروي المقريزي أن المؤيد شيخ ألقي في السجن في عهد السلطان فرج، وعانى المؤيد في السجن معاناة رهيبة وخاصة من البراغيث والقمل، وفي محبسه تعهد بأنه إذا فك الله أسره ونال السلطة والحكم، فسيحول هذا السجن إلى مكان مقدس لتخريج العلماء. وأوفى المؤيد بعهده عندما أصبح سلطانا وأنشأ الجامع على أجمل هيئة.
في عام 1412، ساعد المؤيد شيخ في إسقاط السلطان فرج، وخلال ستة أشهر، استولى على السلطة وأصبح السلطان الجديد. واتخذ لقب السلطان المؤيد شيخ، وبدأ بتوسيع إمبراطوريته من خلال معارك ضد الأقاليم المجاورة، حيث قاد عددا من الحملات الناجحة على شمال سورية، فضلا عن محاربة الجيران التركمان في الأناضول، وتقدم حتى قونية قبل أن يعود إلى القاهرة.
توفي المؤيد شيخ في عام 1421، وطوال فترة حكمه اكتسب سمعة طيبة، بوصفه رجلا متواضعا وواحدا من كبار رعاة العمارة في القاهرة. وقد ترك المؤيد وراءه العديد من المعالم الدينية والعلمية، بما في ذلك الخنقاة في الجيزة، والقصور على طول خليج العرب والنيل، والجامع.
وعلى الرغم من المشكلات الكبيرة التي واجهها أثناء حكمه، فإن السلطان استطاع الإشراف على بناء الجامع بنفسه، حتى أصبح يعتبر اليوم أحد معالم القاهرة المميزة. وأصبحت المدرسة المقترنة بالمسجد واحدة من أبرز المؤسسات الأكاديمية التعليمية في القرن الخامس عشر. أما الأوقاف الفخمة التي خلفها السلطان عند وفاته فقد سمحت للمدرسة بتوظيف أبرز العلماء في عصرها كأساتذة. وفيه ألقى ابن حجر العسقلاني، أشهر الشيوخ في مصر، دروسا في الفقه الشافعي.
كان جامع المؤيد آخر المساجد الضخمة ذات الأعمدة التي شيدت في القاهرة المملوكية، وكان في الأصل له أربع واجهات ومداخل، ومع الوقت ساءت حالة المسجد بسبب الإهمال، واليوم توجد فقط الواجهة الشرقية وقاعة الصلاة على حالتهما الأصلية. ورغم أن أعمال ترميم حديثة جرت للمسجد، فإن كل ذلك لا يصور فعلا ما كان عليه المسجد من فخامة في الأصل. وأبرز معالم الجامع الآن هما مئذنتاه القائمتان فوق باب زويلة، بينما كانت له مئذنة أخرى لم يعد لها وجود منذ القرن التاسع عشر.
كان حرم المسجد من أغنى الأماكن تزيينا في زمانه، ولم يقتصر على زخرفة جدران قاعة الصلاة فقط، والتي زينت بالرخام متعدد الألوان الذي شمل حتى النوافذ وحواف المحراب، ولكن الأعمدة الرخامية أيضا تم صنعها على الشكل السابق للإسلام والمنتشر في الآثار والهياكل الفرعونية في القاهرة القديمة وما حولها. وكانت الأرضيات أيضا معبدة بالرخام متعدد الألوان في الحرم والفناء، بينما الرواقات الصغيرة كانت مبلطة بالحجر. وتضم قاعة الصلاة نافذتين على الطراز المغربي والأندلسي.
المحراب والمنبر مزينان بشكل رائع، وأبواب المنبر الخشبية منحوتة بدقة كبيرة، وفوق المنبر وردة كبيرة من الرخام متعدد الألوان. وقد اعتبر ذلك عملاً فريداً حيث لم يستخدم هذا النمط الرخامي قبل ذلك سوى في الأرضيات وليس على الحوائط.
ضم المسجد مكتبةً، اشتهرت في حد ذاتها بمجموعتها من الكتب التي جاء معظمها مباشرة من مجموعة كتب القلعة الملكية. كما تبرع نائب السلطان "محمد الباريزي" بخمسمائة كتاب آخر، واعترافا بفضل الباريزي تم تعيين ابنه واعظا بالمسجد وأمينا للمكتبة.
المساهمون
المزيد في منوعات