كانت توجهات الحركات الطالبية في الأردن على العموم سياسية في المقام الأول، وحاولت الكتل الطالبية في الجامعات خدمة الأجندة التي تحملها من التنظيمات التي تنتسب لها. ينطبق ذلك على كلّ من الحركة القومية اليسارية والإسلامية، لذلك لم تحقق هذه الحالات تراكماً ملموساً على الصعيد الفعلي في حياة الطلاب وحرياتهم وحقوقهم. وبذلك، غاب عن برامج القائمين عليها كلّ ما يرتبط بأمور الطلاب من مشاكل أكاديمية واجتماعية ومادية.
لكنّ مأزق الحركة الطالبية الأردنية لا يقف عند حدود البرامج السياسية والفائضة عن وظيفة الطلاب وقضيتهم، إذ تتداخل في معضلاتها الجوانب المناطقية والعشائرية، ما يقود إلى مزيد من الضغط والتفسخ وانعدام الفاعلية، وانعدام القدرة على إنتاج برامج قادرة على الاستقطاب وتحقيق منجزات ملموسة.
قبل أن يصل الاتجاه الاسلامي إلى مواقع القرار، كانت الاتجاهات اليسارية والقومية والتابعة للمقاومة الفلسطينية ترى في الطالب الجامعي مشروع منتسب ومحازب لها من خلال جذبه إلى مدار العمل في تنظيمها، وفي حال عجزها عن جذبه يصبح خارج اهتماماتها. تصرفت هذه القوى مع الطلاب باعتبارهم مخزناً لمضاعفة عدد المنضوين تحت جناحها. وما دامت هذه هي أهدافها فقد عزلت معارضيها، وكلّ من لا يقول بقولها. وحددت مهامها باعتبارها الطليعة الثورية في قيادة الآخرين الذين عملت على تصنيفهم إلى قسمين، الأول وطني وتقدمي، والثاني انهزامي ومتخاذل وربما عميل، باعتباره خارج إطار شبكة علاقاتها .
الاتجاه الإسلامي لم يختلف في كثير أو قليل عن سابقه، إلا في خطابه الذي كانت له مرجعية دينية واضحة. وهكذا توجه تركيزه للسيطرة على بعض الأقسام والكليات وإقامة المصليات. ومن ضمن هذا التوجه كان جلّ اهتمامه موجهاً نحو فئة الطلاب المؤمنين بطروحاته، بهدف حيازة أكبر عدد من مقاعد الهيئات الطالبية باعتبار أن ذلك يحقق له الطغيان على المشهد. أما الآخرون المعارضون لاستعمال الدين في الحياة السياسية والطالبية، فيتوزعون على فئات من الملحدين والمنافقين والفاسدين تتوجب محاربتهم أو الحد من خطر طروحاتهم على الأقل، في نظر هذا الاتجاه. وبذلك، توجه نحو صبغ أيّ موقع تمثيلي له بطابع إسلامي، أما غيرهم فمنافقون يشن عليهم حملاته، فكما فعل اليسار كان كلّ نشاط الاتجاه الإسلامي منصبّاً على إلغاء الآخر من خلال تهميشه وعزله ورفض الحوار معه.
على قاعدة هذين الانقسامين تشكل "تجمع وطن" من خارجهما. فقد أفادت قوة ثالثة ذات علاقة بتوجهات داخل الجامعة وخارجها من مأزق التوجهين السابقين، وحصلت على دعم من بعض الشخصيات وكبار المسؤولين لتفرض حضورها وتحقق مكاسب انتخابية من خلال حيازة عدد ملحوظ من المقاعد. هذا النجاح كان مرده الأساس إلى حال الاضمحلال والتلاشي التي أصابت الحياة الطالبية، فجاء هذا التشكيل ليملأ فراغاً سبقته عملية حصار وتضييق على التوجهين الإسلامي واليساري. وبهذا المعنى لم يختلف عن غيره في إنكار وجود الآخرين والقبول بالحوار معهم. إنّ هذا النجاح كان من الصعب له أن يتحقق لولا الدعم المباشر والسخيّ المتنوع من جهات عدة بعضها في داخل الحرم التعليمي وبعضها خارجه. الأخطاء التي وقعت فيها الاتجاهات الطالبية السياسية بتنوعها جعلت من الحركة الطالبية الخاسر الأكبر ومنعتها من التحول إلى قوة مدنية مجتمعية فاعلة.
*باحث وأكاديمي