انطباع مختلف يسجله أغلب من التقوا المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث، خلال أقل من شهر على تدشين عمله وعقده لقاءات عدة من الرياض إلى صنعاء، ثمّ إلى مسقط وصولاً إلى أبوظبي، والتي أظهر من خلالها تجديداً من حيث مستوى اللقاءات وعددها، في وقت يبذل فيه جهوداً حثيثة لإحياء مسار المفاوضات بين الأطراف اليمنية ويشدّد على أهمية إيقاف الحرب، بعد أن بات الحديث عن السلام في اليمن، الأقل رواجاً، بعد التجارب المريرة التي ذهبت فيها الجهود الدولية أدراج الرياح.
ويؤكّد سياسيون يمنيون ومصادر قريبة من مسؤولين التقوا غريفيث خلال الأسابيع القليلة الماضية، لـ"العربي الجديد"، أنه وخلال اللقاءات التي عقدها، أبدى المبعوث الأممي جدية غير مسبوقة بالتأكيد على أنه حان الوقت للوصول إلى حل ينهي الحرب في البلاد، في الوقت الذي يتمتع فيه بدعم قوي من الجهات الدولية المعنية، سواء على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة، أو على مستوى الدول الكبرى الفاعلة، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول يمنيون ومصادر مطلعة إن غريفيث يحمل تشخيصاً ورؤية تقييمية للأزمة في اليمن، يؤهلانه إلى جانب الدعم الدولي القوي، لتحقيق اختراق، على الأقل على صعيد تحريك الجمود السياسي الذي يلفّ عملية السلام منذ شهور طويلة، على الرغم من وجود هوة واسعة بين الأطراف المعنية، يمنياً وإقليمياً، تقلّل حظوظ أي نقاط التقاء قبل اتضاح معالم الحلّ المدعوم دولياً، وجدية التوجه نحو إيقاف الحرب من عدمه، بالنسبة للقوى الإقليمية الفاعلة في الأزمة.
وعلى صعيد اللقاءات، سعى غريفيث في الأسابيع الأولى من عمله، إلى إبراز لمسته الخاصة، التي تجاوزت جدول الزيارات التقليدية لسلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إذ بدأ جولته من السعودية بلقاء مسؤولي الحكومة اليمنية، بمن فيهم الرئيس عبدربه منصور هادي، ثمّ انتقل إلى صنعاء، ليقضي أسبوعاً كاملاً فيها، ويكون أول دبلوماسي دولي يقضي هذه المدة في العاصمة اليمنية منذ تصاعد الحرب في البلاد مطلع العام 2015. وحرص المبعوث الأممي خلال الزيارة على الوصول إلى رأس الجماعة، عبد الملك الحوثي، الذي أعلن مسؤولون حوثيون أنه التقاه خلال الزيارة أواخر مارس/ آذار المنصرم، لكن مصادر أخرى أفادت بأنّ اللقاء كان عبر شاشة تلفزيونية تحدّث من خلالها كل منهما إلى الآخر، في ظلّ وجود زعيم الجماعة في معقله في محافظة صعدة.
ومنذ الجولة الأولى، تحوّلت زيارة غريفيث إلى صنعاء إلى قضية مثار جدلٍ، إذ كان قد أعلن أنه سيقوم بزيارة إلى كل من مدينة عدن التي تصفها الشرعية بـ"العاصمة المؤقتة"، ومدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت النفطية، شرقي البلاد. وبعد أن ألغى بدء الزيارة من عدن، أكمل أسبوعاً في صنعاء، وقال إنه سيزور عدن والمكلا الأسبوع المقبل (أي مطلع إبريل/ نيسان الماضي)، قبل أن يعلن تأجيل زيارة المدينتين لـ"دواعٍ أمنية ولوجستية"، وهو الإعلان الذي مثّل صدمة لأبوظبي وحلفائها في جنوب اليمن، إذ تتولى الإمارات الإشراف على الوضع الأمني والعسكري في المحافظات الجنوبية والشرقية إلى حدّ كبير، فضلاً عن كون الإعلان يمثّل إقراراً بأنّ المناطق التي توصف بـ"المحافظات المحررة"، أو الخاضعة شكلياً للحكومة الشرعية، غير آمنة، في مقابل أسبوع كامل في صنعاء انتهى في الـ31 من الشهر الماضي.
خارجياً، كانت العاصمة العُمانية مسقط، هي المحطة الثالثة بعد الرياض وصنعاء في خارطة زياراته الأولى، نظراً لما تمثّله سلطنة عُمان من دور محوري بالنسبة للجهود الدولية للسلام، منذ تصاعد الحرب قبل ثلاث سنوات. وفي مسقط، التقى غريفيث وفد الحوثيين المفاوض برئاسة محمد عبد السلام الذي يتواجد خارج البلاد منذ شهور، بالإضافة إلى قيادات من "حزب المؤتمر الشعبي العام"، قبل أن ينتقل إلى المحطة الرابعة وهي أبوظبي، التي التقى فيها القيادات الجنوبية الانفصالية المدعومة إماراتياً، والتي كان من المقرّر أن يلتقي بها في عدن، وتحديداً قيادة ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، في وقت يعزّز اختيار أبوظبي للقاء، واقع علاقتها بهذه القيادات.
وعلى الرغم من أنّ زيارته إلى صنعاء أثارت حفيظة مسؤولين في الحكومة الشرعية، ودفعت بعض وسائل الإعلام القريبة من "التحالف العربي" إلى مهاجمته، إلّا أنّ الانطباعات الغالبة حتى اليوم عن غريفيث، هي حرصه على الاستماع لمختلف الأطراف بمن فيهم سياسيون وممثلو أحزاب هامشية، لا يتمتعون بالتأثير اللازم بالأزمة بتجاذباتها وتحالفاتها الحالية، إلا أن المبعوث الأممي حرص على الاستماع لأكبر قدرٍ ممكن من الأطراف، للخروج بتصور من المقرر أن يقدمه في المرحلة المقبلة كخطة مقترحة للحل.
ومن المقرر أن يقدّم غريفيث خلال الأيام العشرة المقبلة، إحاطته الأولى إلى مجلس الأمن الدولي، التي سيسجّل فيها نتائج زيارته إلى المنطقة، والتي على ضوئها سيبني مقترحاته الخاصة بخطوات التوجه نحو السلام وإيقاف الحرب. ووفقاً للتصريح الذي أطلقه من مسقط، يوم الأحد الماضي، فقد لمس خلال زياراته "رغبة حقيقية لتحقيق السلام وبدء مفاوضات سياسية لوقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب"، مؤكداً اهتمام الأمم المتحدة بـ"تسوية الصراع بأقرب فرصة".
وعلى الرغم من أن المؤشرات الناتجة عن هذه الجهود واللقاءات تفيد بأن التوجه نحو السلام في اليمن بات أكثر جدية بوجود المبعوث الأممي الجديد، إلا أنّ الواقع يبقى شديد التعقيد، لا سيما بعدما تسبّبت تجارب ثلاث سنوات من المحطات السياسية والمشاورات التي رعتها الأمم المتحدة، بحالة من الإحباط والحذر بالنسبة للمتابعين والمهتمين بالشأن اليمني، تجاه أيّ حديث عن الحل، بعد أن فشلت مختلف الجهود في الوصول إلى حلّ ينهي الحرب الدائرة في البلاد.