حرب السيسي في ليبيا: عمليات محدودة بلا اجتياح بري

21 يونيو 2020
ترجيحات بتوجه السيسي للتخلي عن حفتر (فرانس برس)
+ الخط -


استبعدت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن ترسل مصر قوات برية أو بحرية إلى ليبيا لدعم مليشيات خليفة حفتر، بعد الحديث الذي أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس الأول السبت عن وجود غطاء من الشرعية الدولية لأي تدخل عسكري مصري مباشر في ليبيا، في إطار حق القاهرة في الدفاع عن النفس وحماية أمنها القومي وعمقها الاستراتيجي، مع التشديد على إمكانية تنفيذ "عمليات محدودة" داخل المنطقة الشرقية لإعلان بسط نفوذ مصر عليها لأهداف استراتيجية.
وأكدت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن تلك التصريحات لم تحمل جديداً يذكر سوى الطابع الرسمي والعلني، مشددة في الوقت ذاته على أن صانع القرار المصري يدرك تماماً استحالة خوض حرب واسعة في مسرح عمليات مثل ليبيا.

وبشأن ما قصده السيسي من التلويح بالتدخل العسكري، قالت المصادر إن "أقصى شيء يمكن فعله، توجيه ضربات جوية لمنع تقدم القوات المعادية"، وهذا ليس بجديد، وحدث خلال محاولة تقدم قوات حكومة الوفاق أخيراً نحو سرت بعد طردها مليشيات حفتر من مناطق الغرب الليبي، عندما عطلت القوات الجوية المصرية عبر طلعات لطائرات "رافال" تقدم القوات ودمرت عدداً من الآليات العسكرية.
وقالت المصادر إن صانع القرار المصري، يريد أن يجد لنفسه موضعاً في المعادلة الليبية بعدما فوجئ بأنه خارجها إثر الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حفتر. وأضافت المصادر أن رد الفعل التركي بشأن إعلان القاهرة وتجاهله بشكل كامل من جانب أنقرة وحكومة الوفاق كان سبباً رئيسياً في رد الفعل المصري.

وكشفت المصادر أن القاهرة تلقت رسائل تركية مهمة، لكنها ليست رسمية، بشأن التوافق على الأوضاع في ليبيا من جهة ومنطقة شرق المتوسط من جهة أخرى، لافتة إلى أن هناك اتجاهين، أحدهما يميل إلى تعلية المصالح المصرية على الخلافات السياسية، بينما الرأي الأصلب والرافض لأي توافق هو رأي المؤسسة العسكرية، مؤكدة أن الخلاف الشخصي بين السيسي ونظيره التركي رجب أردوغان هو العائق الأساسي في حدوث أي تفاهمات.

واستبعدت المصادر أن تعلن الدولة قريباً التعبئة العامة استعداداً للتدخل العسكري المباشر بالصورة التي أوحى بها حديث السيسي، مؤكدة أن ليس في مصلحة مصر فتح جبهة عسكرية قد يطول أمدها مع تركيا وقوات حكومة الوفاق في الوقت الحالي، ولا سيما أن الخطاب التركي والإشارات الواردة من حكومة الوفاق تعكس أولوية الرغبة في التفاهم مع مصر حول مستقبل الأوضاع في ليبيا، مع تأكيد ضرورة استبعاد حفتر من المعادلة السياسية والاستراتيجية.
وذكرت المصادر أن جهاز المخابرات العامة القائم على الملف الليبي في مصر قد التقط بالفعل تلك الإشارات في الآونة الأخيرة، ولا سيما خلال التعاون في عملية إعادة العمال المصريين الثلاثة والعشرين قبل أيام، وكذلك تصريحات الخارجية التركية المتواترة عن أهمية ليبيا الاستراتيجية لمصر، وإمكانية التنسيق بين الطرفين.

وذكرت المصادر أن الخطاب المصري الجديد يستهدف تغييرات عدة في طريقة التعامل مع الملف والمساهمة في فرض واقع جديد على الأرض، منها شرعنة وإعلان الضربات الجوية التي كانت تشنها مصر والمساعدات العسكرية التي كانت تقدمها لمليشيات شرق ليبيا طوال الأعوام الثلاثة الماضية، والتمهيد لتكثيف هذين النشاطين تحديداً، إلى جانب الإشراف على إعداد جيش جديد موالٍ لمصر في ليبيا تكون مليشيات حفتر الحالية نواته الأولى. وتسعى مصر من خلال هذا الخطاب وتكثيف الدعم العسكري المتوقع من دون التورط في التدخل البري، إلى تأمين المنطقة الممتدة من الحدود إلى محور سرت-الجفرة كمنطقة عازلة لا تدخلها قوات الوفاق أو تركيا إلى حين انتهاء الصراع في ليبيا، وبالتالي ضمان مشاركة مصر مع غيرها من الدول التي تسعى إلى تقاسم السيطرة على ليبيا المستقبل وجهود إعادة الإعمار، وعدم ترك المنطقة الشرقية لروسيا والقوى الغربية التي ظهرت نياتها في وقائع سابقة، ولا سيما بعيد مؤتمر برلين، لاستنساخ النموذج السوري في ليبيا، وأنها لا تمانع التنسيق مع تركيا على هذا الأساس، وبالتالي لن تقبل مصر خروجها من المعادلة بهذه الصورة.

وارتباطاً بتعقد حسابات إرسال قوات دائمة إلى ليبيا، كشفت المصادر أن الإمارات سبق أن طلبت من السيسي عدة مرات إرسال قوات مصرية بصورة مكثفة وأكثر فاعلية، ولا سيما بعد فشل حفتر مراراً في تحقيق الاستفادة المثلى من المساعدات المقدمة له منذ بضع سنوات، وكذلك بعد مخاطرته غير المحسوبة لغزو طرابلس ربيع العام الماضي، لكن السيسي كان ينصح دائماً بأخذ مسافة عمّا يحدث داخل ليبيا منعاً لتوريط الجيش المصري أو أي قوات عربية أخرى.


في السياق، كشف مصدر ليبي مقرب من معسكر الشرق لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعات جرت خلال الأيام الماضية في مقرّ جهاز المخابرات العامة المصرية في القاهرة، بحضور عدد من النواب التابعين للمنطقة الشرقية ومندوب عن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وعدد من مشايخ القبائل، حصلت خلالها مصر على خطاب رسمي موقّع من صالح يدعو مصر إلى التدخل العسكري لمواجهة ما سماها "المليشيات الإرهابية"، ووقّع مشايخ القبائل وثيقة أخرى حملت المضمون نفسه، مؤكداً أن الكلمة المكتوبة التي ألقاها ممثل القبائل الليبية في قاعدة سيدي براني أمام الرئيس المصري السبت جرى التوافق عليها وكتابتها خلال آخر اجتماع للقبائل بالجهاز.

وكشف المصدر عن أن عدداً من مشايخ قبائل إقليم برقة رفضوا المشاركة والحضور إلى مصر، معتبرين أن تلك الخطوة تمثل مزيداً من الانشقاق في وقت يحتاج الداخل الليبي فيه إلى دعوات للمّ الشمل والتهدئة ووقف دعوات الاقتتال والحرب. وأكد المصدر أن ما جرى خلال اجتماعات القاهرة التي سبقت خطاب السيسي، حمل رسائل عدة، أهمها انتهاء دور حفتر نهائياً، مشيرة إلى أنه كان هناك محاولات من جانبه لضمان مواقع متقدمة لأبنائه وبالتحديد نجله صدام، إلا أن ذلك قوبل برفض مصري شديد.

في المقابل، أشار مصدر دبلوماسي مصري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المفاوضات الروسية التركية بشأن ليبيا أخيراً ووصولها إلى نقاط تماس كبيرة تمسّ المصالح والمخاوف المصرية بشأن ليبيا، كانت سبباً رئيسياً في خطاب الرئيس المصري، لافتاً إلى أن التوجه التركي تجاوز إقامة قاعدة عسكرية في الوطية غرب ليبيا.
وقال المصدر إن القاهرة لديها معلومات بشأن ما جرى في زيارة الوفد التركي لطرابلس أخيراً، مضيفاً: كان هناك حديث بشأن استغلال أنقرة لقاعدة الجفرة عقب انسحاب المقاتلين الروس منها، وهو ما يمثل فعلياً خطاً أحمر بالنسبة إلى مصر، لأن الوجود في هذه المنطقة يمثل وجوداً على الحدود المصرية، لأن السيطرة على تلك المنطقة يفتح الطريق مباشراً للحدود المصرية. وأضاف أن الخطاب المصري رسالة ربما مفادها أن هذا التفكير خط أحمر وليس مسألة عبورها عسكرياً في الصراع الدائر.

ووفقاً للمادة 152 من الدستور الحالي، لا يملك رئيس الجمهورية إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء، فإذا كان مجلس النواب غير قائم (كما هو الوضع حالياً) يجب أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني.
ولا تبدو الإجراءات المطلوبة لإرسال القوات معقدة بالنسبة إلى السيسي المسيطر على كل مؤسسات الدولة، لكن مصدراً حكومياً قال إن هذه الخطوة لن تتخذ إلا في حالة إرسال قوات برية بصورة مستمرة، أما إذا بقي السيسي معتمداً فقط على تنفيذ عمليات جوية أو بحرية أو حتى برية بصورة مؤقتة، فلن يتبع أياً من تلك الإجراءات، باعتبار أن الجيش يقوم بعمليات لحماية حدود الدولة وليس خارجها، وفقاً لتفسير السيسي نفسه.
وفي المقابل، طرح مصدر دبلوماسي احتمال أن يستصدر السيسي قراراً بإرسال القوات لإكمال صورة تغير المقاربة المصرية للأزمة الليبية، وكردٍ على القرارات التركية، حتى إذا لم يرسل قوات بالفعل.