قتال عنيف داخل الموصل
"لا يمكننا إيقاف القتال أو حتى الاستراحة قليلاً، ومنذ يومين نربط الليل بالنهار في القتال، فالتوقف يعني أنك قد تُقتل"، هكذا وصف الجندي خليل حسين من قوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب ما يجري من قتال في أحياء الموصل الشرقية منذ يومين، في حديث مع "العربي الجديد". ولفت إلى أن "المعركة باتت أصعب، والاشتباكات أكثر شراسة، والمنازل هي مواقع تحصينات للطرفين، واليوم (الخميس) دارت معركة قريبة جداً استُخدمت فيها القنابل والمسدسات". وأضاف: "لم يعد بالإمكان الانسحاب، وصلنا إلى منتصف الطريق، لذا لا خيار سوى مواصلة القتال ولدينا أفضلية بوفرة العتاد والغطاء الجوي وسلاح الدروع والدبابات". وشرح: "إننا نقاتل بالتناوب، فكل ست ساعات تأتي مجموعة لتذهب أخرى ترتاح أو تغتسل أو تأكل في منازل باتت آمنة بالنسبة لنا". وتستمر أصوات الانفجارات الناجمة عن القصف الأميركي والفرنسي لأحياء الموصل وسط وجنوب وغرب المدينة، محدثة ألسنةَ لهب كبيرة يمكن رؤيتها بوضوح، ونيراناً في بعض الأحيان.
وقال العقيد الركن محمد الحسني من قيادة الفرقة 16 في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك تزداد حدة وعنفاً كلما حاولنا التوغّل أكثر في الموصل"، واصفاً ذلك بالقول "بات الذراع من ذهب"، في إشارة إلى أن التقدّم ولو لمساحة صغيرة مهم جداً. وأوضح أن "المعارك ما تزال دائرة في أحياء القادسية وعربجية والبكر والمثنى والخضراء وعدن، وهناك أحياء سبق أن حسمنا فيها المعارك، لكن المواجهات عادت إليها بسبب الأنفاق التي مكّنت داعش من التسلل إليها مرة أخرى، فيما تستمر المعارك من المحور الجنوبي في منطقة البو يوسف قرب مطار الموصل الدولي من دون أن تحقق أي تقدّم ملحوظ".
وفيما بدا الانهاك على أغلب الجنود والضباط الذين يشاركون في المعارك، والتقتهم "العربي الجديد"، أكد نقيب في الجيش العراقي، يدعى فراس عبد الرحمن، أن "أية بوادر لانسحاب داعش من الموصل غير متوفرة، لكن نعول على الشهر المقبل بحسم المعركة في الموصل"، معلناً أنه "من المفترض أن يكون الأسبوع المقبل بداية لانطلاق عمليات التوغل للوصول إلى نهر دجلة". ولفت إلى أن "المدنيين هم الورقة التي يستخدمها داعش في وجوهنا، ومئات الآلاف منهم مختبئون في المنازل من أطفال ونساء ورجال، ولا يمكن المخاطرة بزخم ناري كثيف بين الأزقة والطرقات".
مليشيات متعددة الجنسيات
أما في المحور الغربي، فأكدت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد" عدم صحة الإعلان الصادر عن مليشيات "الحشد" بالسيطرة على مطار تلعفر الواقع إلى الشمال الشرقي من المدينة على بعد نحو 10 كيلومترات من مركز مدينة تلعفر ذات الغالبية التركمانية. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن المليشيات سيطرت على مجمّع سكني مهجور يعود لموظفي المطار، فيما تدور المعارك على أسوار المطار وتحديدا في قريتي العبرة وتل الرمج، ويعتمد كلا الطرفين على القصف الصاروخي والمدفعي. وبحسب المصادر ذاتها، فإن التنظيم قد ينسحب من المطار بسبب الكثافة العددية للمهاجمين.
وأفادت المصادر بأن مليشيات "حزب الله" العراقية و"العصائب" و"بدر" و"النجباء" و"البدلاء" و"كتائب الإمام علي"، أبرز المليشيات المشاركة، ترافقها وحدات من الحرس الثوري الإيراني ونحو 200 عنصر من مليشيا "فاطميون"، فضلاً عن بضعة مستشارين عسكريين من "حزب الله اللبناني". هذا الأمر أكده عضو حزب "الدعوة" عن محافظة بابل والمشارك في المعارك مع مليشيا "كتائب الإمام علي" الشيخ كريم الأزيرجاوي، موضحاً أن "مشاركة الإخوة اللبنانيين من حزب الله هو لحشد الهمم، كون القضية واحدة" على حد وصفه.
ووصف برلماني عراقي عن "التحالف الوطني" الحاكم، رفض ذكر اسمه، ذلك بالقول إنها "مشاركة سياسية عكس مشاركة الإيرانيين التي تُعتبر مفصلية في المعركة". في السياق نفسه، كشف العميد مالك المطلبي من قيادة عمليات تحرير نينوى لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف الدولي رفض بشكل قاطع ليلة الثلاثاء الماضي تغطية معارك تلعفر"، موضحاً أن الدعم يقتصر حالياً على طائرات السوخوي التابعة لسلاح الجو العراقي.
في غضون ذلك، تسببت تصريحات لرئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، في مشاكل مع بغداد تنبئ بخلافات جديدة أكثر خطورة من السابق، إذ قال إن "قواته لن تنسحب من المدن التي تم تحريرها في نينوى"، واصفاً إياها بأنها "مدن كردستانية دفع ثمنها من دمائنا". ورد مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على تلك التصريحات بالقول إن الاتفاق يتضمن بنداً صريحاً بانسحاب قوات البشمركة من المناطق المحررة، بعد تحرير الموصل إلى أماكنها السابقة، التي كانت تمسكها قبل انطلاق عمليات التحرير. وأضاف إن "قواتنا البطلة، تواصل انتصاراتها وتقدّمها في جميع محاور القتال في عمليات (قادمون يا نينوى) لتحرير أهلها من بطش عصابات داعش الإرهابية"، مؤكداً أن "الاتفاق بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان حول تحرير محافظة نينوى، ما زال ثابتاً ولا يوجد أي تغيير فيه، إذ تقاتل قوات البشمركة جنباً إلى جنب مع القوات العسكرية الاتحادية لتحرير محافظة نينوى من داعش". وأضاف: "في ما يخص المناطق التي كانت تتواجد فيها قوات البشمركة في مدة الحكومات السابقة، والتي تم تحرير بعضها قبل بدء عمليات (قادمون يا نينوى) فلم يتم أي اتفاق جديد بشأنها، وهي خاضعة للنصوص الدستورية في تحديد عائديتها".
في غضون ذلك، ذكر مصدر مطلع في مكتب العبادي لـ"العربي الجديد" أن الأخير أجرى اتصالات مع الأميركيين وطالبهم بأن يحترم الأكراد الاتفاق وعدم الإخلال به، مؤكداً أن "العبادي طالب بأن يتولى الأميركيون الموضوع كونهم كانوا الضامن والكفيل لكل أطراف الاتفاق على خطة الهجوم على الموصل"، مضيفاً أن" العبادي طلب من قيادات في مليشيات الحشد معروفة بمواقفها الحادة بعدم التعليق على تصريحات البرزاني حرصاً على استمرارية المعركة".