جلس صديقي مهموما يشاهد نشرة أخبار منتصف النهار، تعرض مشاهد لحروب وصراعات، وأخبار قتلى ودماء في أنحاء المنطقة، من العراق إلى سوريا إلى اليمن ومصر والسودان إلى ليبيا وتونس. قال بغضب: "العالم بدون العرب سيكون أفضل كثيرا. العرب لا يسببون إلا المشكلات".
لم يكن صديقي غاضبا من مشاهد الدمار التي يشاهدها فقط، رغم أنها جعلته على وشك الانهيار، كان غضبه الأكبر منصبا على الشعوب التي تقبل أن تتكرر تلك المصائب، وتنتقل من بلد لآخر، دون أن تحرك ساكنا.
يتذكر فجأة حوارا مع صديق عمره الذي يرى أن الشعوب العربية لا يمكن أن تحكم إلا بالحديد والنار. الصديق الآخر يرى أن ما يسميه الآخرون "الربيع العربي"، ويصر هو على تسميته "الخراب العربي"، ليس إلا وبالا على المنطقة، وأن الشعوب العربية لا تستحق الحرية، لأنها لن تستطيع دفع تكلفتها الباهظة، ولن تستطيع أن تتحمل مسؤولياتها بعد أن ظلت لقرون تترك تلك المسؤولية للحاكم وحده.
ظل صديقي معارضا لرأي صديقه طيلة السنوات الأربع الماضية، هو يرى أن الشعوب تستحق الحرية، وأنها تحتاج فقط للوقت لإدراك مزايا الحرية، وفهم كيفية استخدامها وتحمل المسؤوليات اللازمة لها. هو على النقيض لا يرى شعوب المنطقة المتطلعة للتحرر على خطأ، ويصب دوما غضبه على الحكام الذين قهروا شعوبهم، حتى تحولوا إلى ما يشبه مسوخا بلا عقل لا تفهم إلا ما يقوله الحاكم، حتى إن كان مخالفا للعقل والمنطق.
في وقت سابق كان صديقي حريصا على النقاش والجدال مع كثيرين، حريصا على إبداء وجهة نظره، يتأرجح بين التسامح والحسم، لكنه لم يتخل يوما عن المبدأ الأساس الخاص بضرورة إزالة حكم الفرد، ومنح الشعوب حرية اختيار من يحكمها وفق انتخابات حقيقية، والتعامل مع الحاكم باعتباره شخصاً يعمل لدى الشعب، مهمته الأصلية تنفيذ رغبات من يحكمهم وليس العكس. لكن بمرور الوقت بات صبره قليلا، وبات يغضب سريعا، وينزوي لأيام، حتى إنه بات يكره التواجد في تجمعات تضم آخرين يعبرون عن أراء لا تعجبه، أو بالأحرى لا توافق رأيه الخاص.
وبعدما كان حريصا على حرية الشعوب العربية، يناضل لجعل الآخرين يدركون أن حريتهم حق وليس منة من الحاكم، بدأ حماسه يخبو، وبدأ يكره هؤلاء الذين يراهم حريصين على البقاء في قيود العبودية، لمن يملك السلطة أو المال أو السلاح.
لاحقا بعدما زاد الدم المسال وانتشر في دول عربية أكثر، قرر أن يصب غضبه على العرب جميعا، وبات شعاره "العالم بدون عرب أفضل كثيرا". استفاق فجأة قائلا: ما زال حقنا في الحياة قائما. سنعيش. لا بد أن نعيش. وسنعيش أحرارا.