حكمة حلبية

20 أكتوبر 2015
(حسين نصير/الأناضول)
+ الخط -
يقول صديق حلبي من أوائل الثوار الذين خرجوا في التظاهرات السلمية ثم حمل السلاح في وجه النظام: "العالم كلّه يكرهنا". يغصّ كلّ مرة يتحدّث فيها شارحاً الواقع الميداني. يُحمّل المعارضة مسؤوليّة كبيرة عن الفشل. يعرف الرجل الكثير من الخبايا في الصراعات الداخليّة للمعارضة في حلب. "نحن خرجنا في سبيل نصرة المظلوم لا لنتحوّل إلى ظالم". خسر هذا الصديق كثيراً من القريبين له في المعارك مع النظام. وخسر أصدقاء في معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

يمكنه الحديث لساعات عن الوضع الإنساني المتدهور، وعن تجار الثورة، وعن المتخاذلين في قتال النظام، وعن الإسلاميين المتشددين الذين حوّلوا الثورة إلى ساحة تصفية حسابات وتحقيق مآرب وأهداف ضيقة. لكنه لا ييأس. في كل مرة يُنهي الاتصال بالقول "ما إلنا إلا بعض، ونحتاج لمساعدة الناس المؤمنين بثورتنا. لا خيار لنا سوى قتال جميع الظالمين أو الموت". يؤكّد مراراً وتكراراً أنه لن يُغادر ريف حلب. منذ أيّام، استهدف الطيران الحربي الروسي مخازن "صقور الجبل". سأل الرجل: لماذا يُريد الروس القضاء على الجيش الحرّ؟ لماذا يُريدون إخلاء الساحة لـ"داعش" و"جبهة النصرة؟". هو يملك الجواب عن هذا السؤال: إنها المصالح. يُدرك أن سورية وأهلها تُركا. لكن هذا لا يدفعه إلى اليأس. يُراقب الهجرة، ويشرح مآل توقف جيل بكامله عن الدراسة وتدمير البنى التحتية. لكنه لا ييأس. "نريد دولة لكلّ السوريين" يُردد في كلّ اتصال. عام 2013، حوصرت مع صديق لبناني، في حلب. ساعدَنا شاب سوري اسمه خالد، في الخروج من الحصار. قتل خالد برصاص النظام بعد ساعات على إخراجنا من حلب. كان يُمكن أن نموت معه. ترك خالد أربعة أطفال. يتولى هذا المعارض السوري تربيتهم مع أولاده. ولا ييأس.

قد تكون أحوال الثورة السورية تدفع بالسوريين وغيرهم إلى اليأس. مئات الآلاف هربوا من إجرام النظام. لا يُمكن الجزم، أن وصفها اليوم بالثورة دقيق. هي أقرب لحرب أهلية ــ طائفية. لكن الأكيد أن وجود معارضين كهذا الشاب الحلبي، يُبقي خيطا رفيعاً من الأمل. ويتركنا نحن، المراقبين عن بُعد، نعيش في عذاب ضمير، كوننا غير قادرين على دعم السوريين إلا ببعض الكلمات.
المساهمون