كل المعلومات التي نجدها على أكياس الخبز والمعجنات، إن وجدت، هي معلومات ناقصة تخفي خلفها حقائق غير مكتوبة. نحن المستهلكين العرب إجمالاً لا نطالب بمعرفة محتوى مأكولاتنا، ولا نشكل قوة ضغط تحاسب أو تراقب من يتلاعب بغذائها ومنها الخبز.
عندما نمعن التفكير بكميات الخبز الهائلة التي تنتجها الأفران الآلية يومياً لتكفي مليارات البشر حول العالم، وبالمخبوزات التي تعبر القارات لتصل بأحسن حال إلى موائدنا، وبإصرار المنتجين على تصنيع أصناف من المخبوزات والمعجنات بأشكال وألوان وروائح لا تقاوم، ترضي شهوات المستهلكين وأذواقهم ومتطلباتهم التي لا تقف عند حدود. ندرك أن عالم صناعة الخبز لم يعد بريئاً كبراءة خبزنا على الصاج والتنور، ولا نقياً نقاوة الكعك الذي كانت تعده جداتنا في الطابون.
من المسؤول عن تعريف المستهلك بمحتويات خبزه؟!
نتوقع كمستهلكين في البلدان العربية، الحصول على المعلومات الدقيقة عن مكونات الخبز من جمعيات حماية المستهلك، أو من وزارات الصحة، أو من مراكز الأبحاث المتخصصة بالشؤون الصحية والطبية، أو ربما من جمعيات خاصة تجد نفسها معنية بهذا الشأن، كون إحدى مهماتها الافتراضية مراقبة جودة خبزنا، ومدى صلاحية المواد الصناعية، المجبولة فيه، للاستهلاك الآدمي!
إلا أن المواد العربية المنشورة في هذا الخصوص قليلة جداً، وبعضها دعائي ترويجي، يخفي الحقائق التي تعلنها أغلبية المواقع الطبية ومراكز أبحاث الجامعات والمستشفيات في العالم.
صناعة الخبز التي تهتم بشكل الأرغفة الشهية، وألوان المعجنات الذهبية، وقوام الفطائر المقرمشة، استبدلت دورة العجن والتخمير والخبز الطبيعية بأخرى آلية وفائقة السرعة. لذلك تستعين بنحو 60 مادة صناعية، لكي تخرج المخبوزات من الأفران الآلية بأشكال وروائح لا تقاوم.
من المستحيل أن نعرف كل هذه المواد، ولكن من حقنا وواجبنا أن نكتشف مخاطرها المحتملة علينا، خصوصاً وأن دولاً كثيرة منعت استخدام بعضها لخطورتها على الصحة، وحددت معايير لاستخدام بعضها الآخر، كما أنها تلزم المنتجين على توضيح المكونات على أغلفة الخبز وأكياس المعجنات لأن المعرفة من حق المواطنين. ولكن أي منها ممنوع وأيها مسموح في بلداننا؟
هل المواد الصناعية ضرورية لخبزنا؟
صارت المواد الصناعية المعين الأساسي لإطالة عمر المخبوزات والعجائن وإبقائها صالحة شكلاً وطعماً أطول فترة ممكنة، ولمنح العجين مواصفات ليست من طبيعته أصلاً. هذه المواد تسمى محسنات الخبز والمعجنات منها: مواد مبيضة، مواد مؤكسدة، مستحلبات، فيتامينات ومواد مانعة للعفن.
تباع محسنات الخبز كمسحوق ناعم أو كمادة هلامية، ونراها ضمن المكونات بأسماء مختلفة منها مثلاً دقيق وزيت فول الصويا، لبن مجفف منزوع الدسم، أحادي فوسفات الصوديوم، بيكربونات الصوديوم، نشاء الذرة، حمض لاكتيك، حمض ستريك، نكهات طبيعية، خميرة غير نشطة، مسحوق مولت الشعير، دكستروز، غليسريد آحادي أو ثنائي، ليستين وغيرها الكثير.
المبيضات وكما يشير اسمها تجعل الدقيق أكثر بياضاً، والمستحلبات تعمل على مزج مواد لا يمكن مزجها معاً مثل الزيت والماء، ومنها مواد مثبتة، ومواد تعطي الرغوة فتمزج الغازات مع السوائل كما في المشروبات الغازية، ومواد مغلظة للقوام تستعمل في صنع الكيك والحلويات والآيس كريم تزيد من الحجم وتحسن المظهر.
وتخضع هذه الإضافات لتشريعات قانونية صارمة (ليس في كل الدول بالطبع) صادرة من الهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بصحة وسلامة المستهلك. تحدد نوعية وكمية الإضافات والغرض منها، بما يضمن سلامة المنتجات وخلوها من المخاطر الصحية على المستهلكين.
كيف نتأكد من صلاحية خبزنا؟
بعض المواد الصناعية صارت ذائعة الصيت في عالم صناعة الخبز، بعد أن أثبت مخبرياً أنها تضر بالصحة بدرجات متفاوتة. ورغم منعها في بعض البلدان، لا يزال استخدامها متاحاً في الكثير من الدول، ويتناولها الناس بجرعات يومية مع كل رغيف، دون رقيب أو حسيب. ومن المواد المحسنة الخطرة على الصحة نذكر:
-مادة (برومات البوتاسيوم E924) أعطيت براءة الاختراع في 1914. في العام 1982 نشر باحثون في اليابان أول دراسة بينت أن برومات البوتاسيوم تسبب سرطان الغدد الدرقية والكلى وأعضاء أخرى من أجسام الفئران والجرذان.
بعد اختبارات لاحقة اعتبرت المادة محظورة في الكثير من الدول. لكن الغريب أن إدارة الأغذية والدواء الأميركية تركت للخبازين أمر استخدامها أو عدمه مسألة طوعية. وحددت الكمية المسموح بها بأقل من 750 جزءاً لكل مليون جزء من الدقيق.
-حمض أسكوربيك، رموزها E300-E301-E302-E303-E304))، هي مجموعة حوامض حافظة ومثبتة للون. تضر من لديه حساسية على الذرة، وتسبب اضطراباً في المعدة، وإسهالاً وغازات عند زيادة كمياتها عن المسموح.
-مادة Azodicarbonamide) E927-) محظورة في دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا وسنغافورة. تبقي على جودة وقوام العجين، وتستخدم في إنتاج البلاستيك الرغوي مثل حصائر اليوغا والأحذية ذات القوام الاسفنجي. المادة موجودة في نحو 500 منتج غذائي على رأسها الخبز والمعجنات والكعك وفطائر البيتزا، تعتبر كمحسس للجهاز التنفسي.
-أميليز (E1100)، مساعدات أنزيمية لتخمير العجين. مع تعرض الخبازين لهذه المادة لفترات طويلة تسبب لهم التهابات الجلد. كما تستخدم المادة في صناعة الملابس ومنظفات جلايات الصحون.
-حمض بروبيونيك (E280) أشارت بعض التخمينات إلى أنها سببت التوحد لدى الفئران. وتظهر المادة على أغلفة الخبز والمخبوزات تحت مسمى مستنبت نشاء القمح أو مصل اللبن.
-شراب الذرة عالي الفركتوز يعتبر من أخطر المحليات. يستخدم في صناعة الخبز والمعجنات والفطائر المحلاة والكثير من الأطعمة، والعصائر والمشروبات الغازية. يسبب السرطان وأمراض القلب ويقاوم الأنسولين، يزيد الدهون عند البطن ويسبب السمنة.
-ليستين E920-E921، حمض أميني مليّن للعجين، مستخرج من الشعر البشري وشعر الخنازير وريش البط، تسمح به الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي بمعدل 0,009 جزء منه لكل 100 جزء من الدقيق، شرط عدم تضليل المستهلك.
-كلوريد الأمونيوم E510 (النشادر). يعطي نسيجاً هشاً للمخبوزات خصوصاً الكوكيز، الفطائر والخبز والحلويات. يسبب جفاف الحلق والمريء حسب الكميات، وقد تزيد الأعراض إلى غثيان وقيء.
وأشارت مواقع إلكترونية متخصصة إلى مواد أخرى مضرة مثل حمض البوريك (E284)، تارترات الستياريل (E483)، كرباميد (E927)، كبريتات الألومنيوم(517 E)، حمض الطرطريك (334 E )، غليسريدات أحادية و ثنائية، بروبيونات الكالسيوم(E282)، وغيرها الكثير.
بانتظار أن تصبح صحة الناس من أولويات المراقبين والمسؤولين. وأن توضع القيود الصارمة على تصنيع الخبز وفق معايير واضحة ودقيقة. وأن يُلزم المنتجون بتوضيح محتويات الخبز وكل أنواع المخبوزات على الأغلفة. وأن يتاح للمستهلك الاطلاع على المكونات والمحتويات بكل شفافية. يبقى على كل فرد أن يتابع بمفرده المسائل المتعلقة بصحة وسلامة غذائه، ومنها الخبز.
اقرأ أيضاً: الطابون.. أو الحنين إلى خبز الجدّات