قد يكون مفهوماً، إلى حد ما، أن يقوم شاعر بتمويل إصداره الأول، أما أن تكون هذه العملية لازمة كلّما أراد الشاعر طبع كتاب جديد، فهذا يدلّ على خلل في الثقافة العربية وعالم النشر فيها.
يفترض أن الشعر الذي يدفع صاحبه مالاً من أجل نشره، هو في الغالب شعر مشكوك في قيمته، هذا هو التفسير المنطقي. فالناشر لا يرغب عادةً في المغامرة بنص لن يجد أدنى إقبال من لدن القارئ.
لكنّ ما يروّج له الناشرون، ومن خلفهم النقّاد وأهل الإعلام، هو أن القارئ لم يعد يُقبل على الشعر، سواء كان جيداً أو ضعيفاً، وأن الزمن صار "زمن رواية"، هو مجرد خدعة صدّقها الجميع، وكانت النتيجة، هي ما نراه اليوم من تهافت على الرواية.
هذا التهافت الذي لم ينعكس على مستوى القراءة والنقد والتأمل الواعي، وإنما على مستويات سطحية، لعلّ أبرزها كثرة الجوائز المالية التي تناسلت في السنوات الأخيرة لتنتصر لصنف أدبي على حساب أصناف أخرى.
على الشعراء أن يتوقفوا عن دفع أموالهم (القليلة أصلاً) للناشرين، فهذا يسيء إلى الشعر والشاعر. إذا كان هذا الشعر لن يُنشر إلا إذا دفع صاحبه، فلا داعي لنشره أصلاً. ما الذي سيقع في هذا العالم إذا لم يُنشر ديوان شعر في نسخة ورقية؟ لا شيء. لكن على الأقل سيحافظ الشاعر على كرامته.