تقوم الجوائز العربية، والمصرية في القلب منها، على الخرافة كدعامة أساسية لها. خرافة أن هذه الجوائز حقيقية وأن الفوز بها يمنح المصداقية للكاتب أو للجائزة. بمعنى آخر: كأن هناك جائزة، وكأن هناك فائزين، وكأن هناك قراء يصدقون أن ما حدث فوز لعمل جيد. ذلك أن الجوائز العربية، لتكون جوائز حقيقية، لا يزال ينقصها الكثير لتستحق هذا الاسم، وليستحق الكاتب هذا التكريم.
لندع الكاتب جانباً، لأنه العنصر الدخيل على المعادلة، المستغَل لتمرير اللعبة، حتى ولو كان هو اللاعب الرئيسي، في الظاهر بالطبع. لنأتِ إلى السؤال الأساسي: هل أنشئت الجوائز الأدبية من أجل إعلاء قيمة الأدب والارتفاع بذوق القارئ والانتصار للكتابة المشغولة بالسؤال الإنساني؟ أم أنشئت لأسباب أخرى من بينها، ربما، تحقيق "الشّو" الإعلامي للجهة المانحة، وتوزيع حفنة جنيهات أو دولارات؟ هل يشعر الكاتب الفائز بالتكريم الحقيقي أو بحصوله على مجرّد مبلغ من المال يساعد في تحمل أعباء الحياة؟
لا تتضح المسائل إلا بالمقارنة، وربما بوضع مرجعية يتم الحديث على أساسها لمناقشة قضية متكررة كل عام، بل وفي العام عدة مرات مع ظهور نتائج الجوائز المتنوعة. لنتفق مبدئياً أننا لا نخترع العجلة، وأن العجلة تم اختراعها منذ زمن طويل.
ليس علينا أن نمر بكل محاولات الاختراع لنتوصل في النهاية لشكل العجلة المعروف. إذ يمكن أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، ونستفيد بتجاربهم لتجنب النقد الذي ينطلق من موقع المحب في معظم الأحيان، ومن منطلق الشعور المزيف بالظلم في أحيان أخرى، ولنمنح لجوائزنا صفة "الحقيقية"، حتى لا يستقبل العالم تقييماتنا بكثير من الاستخفاف، كما نتلقاها نحن أيضاً.
هناك في العالم نوعان من الأدب: الأدب الرفيع، وهو ما يسمى أيضاً بالأدب الجاد، المشغول بقضايا وجودية وفلسفية وإنسانية؛ والأدب "اللايت"، الذي يضم فئة أدب الرعب والتشويق والبوليسي. بناءً على وجود النوعين، ثمة نوعان من الجوائز، تمنح لكل من الأدبين على حدة دون خلط الأول بالثاني والعكس. هذا، في حالة وجوده في العالم العربي، سيوفر الكثير من الجهد وسيفك الكثير من اللبس، فكلا الأدبين موجود وسيظل للأبد طالما لكل منهما قراء ومكتبات وناشرين.
ثم نأتي بعد ذلك لشروط الجوائز. تنص الشروط عادةً على ألا يتقدم للجائزة العمل الفائز بجائزة من قبل. شرط غريب يحرم العمل الجيد من الفوز بأكثر من جائزة، رغم أن كثير من الأعمال الأوروبية، على سبيل المقارنة، تفوز بأكثر من جائزة دون أن يسبب ذلك أي احتقانات أو استياءات. بل إن فوز عمل بأكثر من جائزة يعزز شروط الجودة والجدية في الكتابة.
وربما يمكن استبدال هذا الشرط بشرط آخر: ألا يتقدم للجائزة نفسها من فاز بها إلا بعد مرور ثلاث سنوات، لإتاحة الفرص لأعمال أخرى.
على الجوائز العربية أيضاً النظر في فكرة أن يتقدّم الناشرون بالأعمال بدلاً من أن يتقدم الكاتب نفسه، فالمنطق ينص على أن الناشر يتقدم في جائزة الناشرين، أما في الجوائز الإبداعية فمن حق كل كاتب أن يتقدّم إن كان عمله مستوفياً للشروط، خصوصاً بعد أن أثبتت دور النشر أن لها انحيازات بعيدة عن الأدب في التقدّم لجائزة ما.
قد يكون مفيداً كذلك التوسع في منح جوائز لمخطوطات عمل أدبي، وهو الجزء الغائب في أغلب الجوائز، باستثناء جائزة "كتارا" التي استحدثت هذا الفرع، بجانب جائزة الطيب صالح.
في هذه الجوائز، يجب أن يتقدم المتسابق باسم مستعار، على أن تضم استمارة تقدّمه ورقةً منفصلة ببياناته التي لا يطلع عليها أي من أعضاء لجنة التحكيم، بذلك يكون الحكم على النص فقط بمعزل عن اسم الكاتب. كما يحق للمتسابق أن يتقدّم في أكثر من جائزة، بل والفوز بها إن رأت لجنة التحكيم أنه يستحق.
وبمناسبة الحديث عن لجنة التحكيم، ساد العرف في الجوائز الأجنبية أن يكون أعضاؤها من الأكاديميين أو النقاد، ومن كبار الكُتّاب، ومن الكُتّاب الفائزين بها في دورات سابقة، دون دخول صحافيين أو شخصيات عامة أو متخصصين في مجالات أخرى بعيدة عن الأدب، حتى لو كانوا فنانين.
في سياق آخر، يجب أن تعيد الجوائز الأدبية النظر في ما يخص إقصاء القصة القصيرة والشعر، خصوصاً قصيدة النثر، وليتسع صدرها للفن بأنواعه المختلفة دون الانحياز لفن على حساب آخر، إذ إن الفنون، على اختلاف أنواعها، تسعى للارتقاء بالروح الإنسانية، وهو ما لا يمكن أن يحدث بالانتصار للرواية وحدها على حساب أنواع أخرى.
هذه فقط مجرد ملاحظات واقتراحات، ربما تنتقل الجوائز الأدبية من خلالها من خانة "كأن" إلى خانة "حقيقية".
* روائي ومترجم من مصر