يعتمد الأردن بشكل رئيسي على المساعدات الخارجية من أجل مواجهة تحديات اقتصادية عديدة، أبرزها تراجع أداء العديد من القطاعات الإيرادية، ومنها الصناعة والصادرات والسياحة، بالإضافة إلى استضافة 1.4 مليون لاجئ سوري، إلا أن حصيلة المساعدات لم تسعف الحكومة والشارع الأردني.
وانتهى مؤتمر لندن لدعم الأردن إلى مخرجات أقل من المتوقع على صعيد الدعم المرتقب من الدول والجهات المانحة والتي كان يأمل في أن تخفّف أزماته الاقتصادية الخانقة التي يواجهها، وجاء مؤتمر لندن بعد لجوء الأردن في وقت سابق إلى الدول الخليجية للحصول على مساعدات ومنح مالية أخرى.
وفي تقديرات خبراء فإن الأردن ذهب إلى مؤتمر لندن وأعد له جيدا متوقعا أن تبادر الدول والجهات المانحة لتقديم مساعدات على شكل منح لتمكينه من تجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها، وبخاصة الانعكاسات السلبية للأزمة السورية ومتطلبات الإنفاق على البنى والخدمات الأساسية اللازمة للاجئين.
وأقرت الحكومة الأردنية والمجتمع الدولي الشهر الماضي خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية للعام 2019 التي أعدت بجهد تشاركي بين ممثلي كافة الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، ومنظمات الأمم المتحدة، والدول المانحة والمنظمات غير الحكومية بحجم إجمالي بلغ حوالي 2.4 مليار دولار أميركي.
وحسب الخبراء، فإن الشارع الأردني كان ينتظر على الأقل دعما دوليا مباشرا للموازنة بهدف الإنفاق على البنى التحتية والخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والمياه وغيرها، والتي زادت الضغوطات عليها بسب اللاجئين السوريين، كما أن الحكومة لم تستطع جذب استثمارات أجنبية جديدة من خلال المؤتمر.
ويرى الخبراء أن المنح الجديدة التي أعلن عنها المؤتمر، الذي انعقد الخميس الماضي، معظمها متفق عليه بين الأردن والدول والجهات المانحة سابقا، وإن بعض المنح ستدفع على مدار السنوات الخمس المقبلة.
وانتقد الخبراء تصريحات وزير المالية عزالدين كناكرية، التي قال فيها إن القروض التي أعلن عنها خلال المؤتمر لن تؤدي إلى زيادة المديونية.
وحسب ما أعلنته وزيرة التخطيط والتعاون الدولي ماري قعوار، فإن الأردن سيحصل على منح بمقدار 840 مليون دولار من بريطانيا و100 مليون دولار منحة يابانية و150 مليون يورو منح من فرنسا، فيما المبالغ الأخرى التي تقدر بأكثر من ملياري دولار عبارة عن قروض بشروط ميسرة وأسعار فائدة مخفضة.
وزير المالية الأردني قال في تصريحات صحافية، الجمعة الماضي، إن القروض الميسرة التي حصل عليها الأردن خلال مبادرة لندن تسهم بتوفير الاحتياجات التمويلية المقررة ضمن قانون الموازنة بكلف أقل دون زيادة حجم الدين عن المدرج في الموازنة والمستهدف فيها.
وأضاف أن القروض الميسرة التي حصل عليها الأردن خلال مبادرة لندن تسهم في تحقيق أهداف استراتيجية إدارة الدين العام التي تسعى إلى تخفيض كلف الاقتراض بما يسهم في تخفيض عجز الموازنة وبالتالي تخفيض المديونية.
وأضاف الوزير أن القروض المشار إليها لن تؤدي إلى زيادة إضافية في حجم المديونية المستهدفة، بل تندرج ضمن خطة الحكومة الهادفة إلى تخفيض نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي المقابل، أكد الخبير الاقتصادي مازن مرجي أن الأردن كان يستطيع الحصول على القروض الخارجية بأسعار فائدة مخفضة وشروط ميسرة ولكن ما خرج به المؤتمر يزيد من حجم مديونية البلاد.
وأضاف مرجي لـ"العربي الجديد"، أن الأردن يحتاج إلى روافع حقيقية للنمو الاقتصادي، ذلك أن نسبة النمو المتحققة العام الماضي والتي بلغت 2.2% هي متدنية جدا، وفي حال احتساب مؤشرات النمو السكاني والتضخم، فإن نسبة النمو تصبح أقل من الصفر.
وأشار إلى مخاطر ارتفاع التضخم والمديونية وتراجع القدرات الشرائية والفرص الاستثمارية وفقدان الأسواق الرئيسية على الاقتصاد الأردني.
ورأى أن تصريحات وزير المالية في غير محلها عندما قال إن القروض لا ترفع المديونية، ذلك أن الحكومة في كل عام تتحدث عن نسبة المديونية التي تشكل حاليا 94% من الناتج المحلي الإجمالي ولكنها تُضخم الناتج للإبقاء على النسبة عند الحدود التي تراها هي إيجابية ولكن الواقع بخلاف ذلك تماما.
وفي السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد"، إن حجم المساعدات التي تشمل القروض والمنح التي أعلن عنها في مؤتمر لندن لصالح الأردن تراوح بين 3.3 و3.6 مليارات دولار، ومعظمها عبارة عن قروض وتسهيلات بشروط ميسرة، وبعض المنح ليست بالجديدة وإنما متفق عليها في أوقات سابقة ولكن تم الإعلان عنها في المؤتمر.
وأضاف أن حجم التوقعات من المؤتمر كانت أعلى بكثير من المخرجات، وعلى الأقل كان الشارع الأردني يتوقع الحصول على 7 مليارات دولار معظمها منح لدعم الاقتصاد الذي يعاني من أعباء اللاجئين وإغلاقات الحدود مع كل من سورية والعراق.
وبين عايش أن الدول والجهات المانحة مطالبة أصلا بدعم الأردن اقتصاديا لضمان استمراراه بتقديم الخدمات للاجئين السوريين والذين يتوقع بقاؤهم في الأراضي الأردنية لفترة ربما تصل إلى 10 سنوات، وليس ببعيد احتمال توطينهم لاحقا.
وقال إنه "كان يفترض تخفيض الديون والفوائد المترتبة على الأردن والتي تصل إلى حوالي 40 مليار دولار، وللأسف لم تخرج عن المؤتمر أي تعهدات بإلغاء أو تخفيض مديونية الدول والجهات المانحة أو على الأقل إعادة جدولتها".
وخلال المؤتمر تم توقيع اتفاقية بين الحكومة الأردنية وبنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 65 مليون يورو لتمويل مشروع تحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي لما يقرب من 85 ألف مواطن في منطقتي دير علا والكرامة بمنطقة وادي الأردن.
وسيتم توفير منحة مبادرة المنعة الاقتصادية للبنك بقيمة 16.3 مليون يورو للمساهمة في تنفيذ المشروع.
كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة الأردنية والوكالة الفرنسية للإنماء AFD لأربعة أعوام (2019/ 2022)، وبموجب المذكرة ستوفر الوكالة الفرنسية للإنماء حزمة تمويلية بسقف قيمته مليار يورو تُمكن الأردن من الاستفادة منها من خلال تمويل مشاريع تنموية وخدمية ذات أولوية. وأعلنت وزيرة التخطيط عن تعهدات جديدة للدول المانحة "سيتم الاتفاق لاحقا على تفاصيلها وتوقيع اتفاقياتها مستقبلا".