داعش ورقة ابتزاز علنية

08 يوليو 2014
+ الخط -


أخيراً، ظهر الخليفة أبو بكر البغدادي في الموصل، يخطب بالأمة خطبة الولاية والخلافة، تكلم فيها مرتجلاً، متناولاً فضائل شهر رمضان، وفضائل خلافته التي تمت بإجماع أهل الحل والعقد، وعلى الرغم من أن الإمام لم يسمّ لنا أهل الحل والعقد، ولم يعرّفهم، أو يبين لنا آلية اختيارهم له، ليس لنا أن نعترض، ولله الأمر، من قبل ومن وبعد.

في معرض حديثه، طلب منا الإمام السمع والطاعة، على الرغم من أننا بالكاد نعرف شكله، ارتدى إمامنا اللباس الأسود، على الرغم من أننا، وعلى مر التاريخ، عُرفنا ببياض اللون، حتى أن رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، حدد الأبيض لوناً لأكفاننا.

قال البغدادي، في خطبته: "إذا أخطأت فانصحوني"، بمعنى، ننصحه فقط، ولا نقوّمه، أما مفاهيم الشفافية ومكافحة الفساد والمحاسبة، فهي مفاهيم غربية كافرة، والعياذ بالله منها ومن متبعيها، فلا يجوز التشبه بها، أو الاقتراب منها في دولة خليفة العصر.

المشهد برمته يدعو للحزن، والخوف، والألم على حال هذه الأمة، طقوس الخطبة تبعث على البكاء، فنحن في مأزق حضاري وديني وأخلاقي، مثّله وقوفُ أمير المؤمنين على المنبر، وخلفه مروحة صينية الصنع، تخفف عنه قيظ الصيف، وكان خليفتنا يخاطبنا عبر مايكرفون تايواني، أما صوته فكان يصل إلى المصلين عبر سمّاعات يابانية!

أصلح الله الأمير، جاء ليحارب ويقاتل لتحرير الأمة، لكن سلاحه، رشاش الكلاشنكوف، صنعه ملحد روسي، فما بالك بسلاحه الثقيل، أما السيارة التي أوصلت مولانا إلى المنبر، فعلى الأغلب هي من فئة "كيا موتورز" كورية الصنع، تسير خلفها همرات أميركية، اغتنمها المجاهدون في إحدى المعارك، ولو تعطلت إحداهن لما عرفوا كيف يصلحونها!

حتى السواك، وسجادة الصلاة، والسبحة، وعمامة أمير المؤمنين، هي، أيضاً، من مصانع الصين، الكاميرا التي صوّرت الخطبة صناعة سويدية أو ألمانية، وعلى ما يبدو، أن الإخوة المجاهدين استخدموا برامج أدوبي لمنتجة الفيديو وإخراجه، ثم نشروه في موقع يوتيوب الأميركي، عبر هاتف الثريا المتصل بالقمر الصناعي الفرنسي، ليشاهد الخطبة العصماء جياع الصومال وحفاة أفغانستان، بعدما حلت عليهم، من قبل، بركات رفاق الأمير الراحلين.

حتى شفرة الحلاقة التي شذّب بها مولانا لحيته، فهي صناعة ألمانية أو صينية، هذه حال الأمير ولباسه وسلاحه، فكيف ولّى نفسه علينا، ومن أقنعه بأن هذا هو الانتصار، هذا المشهد برمته يمثل خيبتنا، وفشل مشروع نهضة أمتنا، ويبيّن أن جهل بعض المسلمين هو أول وأكبر عدو للإسلام.

في المشهد الميداني، مولانا وجماعته، لا ينشطون في مراكز الثقل الاستراتيجي لخصومهم المزعومين، فدمشق آمنة، وتحت سيطرة النظام السوري، وبغداد آمنة، وتحت سيطرة المالكي، وطهران غارقة في الزلابية، وحدها المناطق المناوئة لمحور طهران تدفع الثمن، موتاً ودماراً وجوعاً، ونقصاً في الغذاء والماء والدواء، وداعش تحتلها وتحارب أهلها، وكأن محور طهران يعاقب أهل هذه المناطق، بتسليط ذراعه الاستخبارية عليهم، وهو "داعش".

السماح للبغدادي بالسيطرة على هذه المناطق مجرد ورقة ابتزاز إيرانية للعالم، تلعبها وقت ما تريد، وتسحبها وقت ما تريد، وانسحاب قوات المالكي من المراكز الحدودية مع السعودية ومع الأردن، مجرد ورقة ابتزاز لتلك الدول، حيث ستحاول طهران الحصول منها على مكاسب، في الملف السوري أو الملف النووي، أو حتى ابتلاع جنوب العراق، وتحويل وسطه السني إلى لبنان جديد، تشعله إيران وقتما شاءت، وتطفئه وقتما أرادت.

غنم البغدادي من الموصل، كما أشيع، دبابات ومصفحات وصواريخ، فزحف أول ما زحف، ناحية دير الزور ليشتبك مع العشائر والثوار، ويجبر أهل المنطقة على تسليم سلاحهم له ومبايعته، ثم أرسل إمامنا جحافله إلى حلب، لتشتبك مع قوات المعارضة، في وقت يستعيد فيه النظام السوري وحليفه الإيراني أجزاء من حلب.

وحدها الأيام ستثبت أن البغدادي وتنظيمه أكبر مشروع استخباري لأعداء هذه الأمة، ووحدها الأيام ستثبت أنه، وتنظيمه، أكبر عقوبة لشعوب هذه المنطقة، وأن لهذا الخليفة دوراً مرسوماً، سينفذه، ثم يتم قتله على يد أحد مرافقيه، أو يرحل، أو يحرمنا متعة مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل الداعشي باختفائه.

0318F4A2-63C4-46B1-A66F-EAAA865E79DE
0318F4A2-63C4-46B1-A66F-EAAA865E79DE
إبراهيم الزايد (سورية)
إبراهيم الزايد (سورية)