08 نوفمبر 2024
دروس الانتخابات التونسية
حققت تونس الأهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت جولتها الأولى الأحد الماضي، وسط نسبة مشاركة متوسطة لم تتعدَّ 49%، فخطت خطوة أخرى على درب ترسيخ ديمقراطيتها الفتيّة وصيانة مقوماتها المؤسسية. وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يُثار بشأن هذه الانتخابات، بات التداول السلمي على السلطة مبدأ عاما يحظى بقبول معظم مكونات الطبقة السياسية التونسية، وهذا إنجاز حق للتونسيين أن يُباهوا به أشقاءهم في الأقطار العربية الأخرى. ولا يمنع ذلك من القول إن هذه الانتخابات أفرزت قضايا جديدة بشأن المشهد السياسي التونسي، في ظل المفاجأة المدوية التي حملها تصدرُ المرشحيْن، قيس سعيد ونبيل القروي، نتائجها، وهما الوافدان من خارج الطبقة السياسية التقليدية بكل رموزها المعروفة.
كشفت الانتخابات أزمةَ الأحزاب الكبرى، وعجزها عن إيجاد أجوبة واقعية وملموسة على تطلعات الشارع، ولم يشفع لها دورها التاريخي في تأمين المرحلة الانتقالية وإنجاح التحول الديمقراطي، فما جدوى الديمقراطية، بالنسبة لهذا الشارع، إذا لم ترافقها برامج اقتصادية واجتماعية تتوخّى حل معضلات البطالة، والفقر، وتردّي الخدمات الاجتماعية، والتفاوتات الجهوية والمجالية. يتعلق الأمر، إذن، بتصويتٍ عقابي ضد هذه الأحزاب التي احتلت المشهد السياسي منذ انتخابات 2014 من دون أن تفلح في حل هذه المعضلات، أو على الأقل التقليص من حدّتها على الحياة اليومية للتونسيين. يُضاف إلى ذلك ارتكانُ مرشحي هذه الأحزاب، في حملتهم الانتخابية، إلى أساليب دعائية تقليدية وافتقادهُم استراتيجية ناجعة في التواصل مع المواطنين.
نحن أمام تحوّل نوعي يُسائل بعض البديهيات، من قبيل انعدام أهلية الشعوب العربية لممارسة الديمقراطية واستيعاب آلياتها، فربما لأول مرة في تاريخ المنطقة يُصوت الناخبون بعدما لم يقتنعوا بـ''جردة الحساب'' التي قدّمتها النخب السياسية، على الرغم من جهود بذلتها هذه الأخيرة لإقناعهم ببرامجها الانتخابية المختلفة. ولعل هذا ما يُفسّر، إلى حد كبير، مخاوف محور الثورة المضادة من تفشّي ''عدوى الديمقراطية''، واكتساحها بلدان المنطقة، لأنها تفضي إلى تشكل قيمٍ وأنماطِ وعيٍ وتفكيرٍ جديدة.
وكشف الاستحقاق التونسي حجم البؤس الفكري والسياسي الذي بات يقيم عليه اليسار التونسي، والعربي عموما، في ظل إصرارٍ مرضيٍّ على جعل معاداة الإسلام السياسي، ممثلا في حركة النهضة، موردَ تعبئة رئيسيا في هذه الانتخابات. وفي المقابل، لا تبدو "النهضة" بعيدة عن نتائج هذا الاستحقاق ودلالاته، فقد ظن قادتها أن قواعدها لا يمكن أن تخذلها، ناسين أن الكتلة الناخبة، بطبيعتها، غير ثابتة، كما تُنبئنا أدبيات سوسيولوجيا الانتخابات، لا سيما في ظل الإخفاق المتواتر في معالجة مظاهر الاحتقان الاجتماعي التي واكبت المرحلة الانتقالية.
لا يرتبط تراجع الطبقة السياسية التونسية في هذه الانتخابات بضعف خطابها وعدم واقعيته، فقط، بقدر ما يرتبط، أيضا، بحصيلتها في الحكم طوال السنوات المنصرمة، فقد أخفقت في تنزيل سياساتٍ عموميةٍ تستجيب لتطلعات التونسيين في القطاعات الاجتماعية الحيوية، وظلت التفاوتات الجهوية والمجالية عائقا كبيرا أمام بناء رصيد اجتماعي وتنموي، يكون دعامة إضافية للتحول الديمقراطي.
وإذا كانت هذه الطبقة قد نجحت في عبور المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر، وسط محيط إقليمي مضطرب، بعد توافقٍ عسير بين العلمانيين والإسلاميين، وهو ما يُحسب لها، إلا أنها لم تنجح في تشكيل دينامية اقتصادية واجتماعية موازية لإنجازها السياسي، وظلت نقمة التونسيين على أداء هذه الطبقة عنوانا دالا لهذه الثغرة الدالّة، فمعظمهم يرى أن فشل الأحزاب الكبرى كان مدويّا في صياغة برامج اجتماعية عملية، تساعد على التخفيف من حدّة الاحتقان الاجتماعي وتداعياته.
مؤكّد أن نتائج الجولة الأولى للانتخابات التونسية تفتح باب السؤال بشأن ما سيكون عليه الأمر في جولتها الثانية، خصوصا في ما يتعلق بنسبة المشاركة التي لم ترق إلى الأهمية التي باتت تحوزها الديمقراطية التونسية عربيا، إذ من غير المستبعد أن تدفع هذه النتائجُ قواعدَ الأحزاب الكبرى إلى العزوف عن التصويت، ما قد يجعلنا إزاء اقتراعٍ لا يعكس الواقع السياسي، وهو ما قد يُلقي بثقله، لاحقا، على الانتخابات التشريعية المقبلة.
نحن أمام تحوّل نوعي يُسائل بعض البديهيات، من قبيل انعدام أهلية الشعوب العربية لممارسة الديمقراطية واستيعاب آلياتها، فربما لأول مرة في تاريخ المنطقة يُصوت الناخبون بعدما لم يقتنعوا بـ''جردة الحساب'' التي قدّمتها النخب السياسية، على الرغم من جهود بذلتها هذه الأخيرة لإقناعهم ببرامجها الانتخابية المختلفة. ولعل هذا ما يُفسّر، إلى حد كبير، مخاوف محور الثورة المضادة من تفشّي ''عدوى الديمقراطية''، واكتساحها بلدان المنطقة، لأنها تفضي إلى تشكل قيمٍ وأنماطِ وعيٍ وتفكيرٍ جديدة.
وكشف الاستحقاق التونسي حجم البؤس الفكري والسياسي الذي بات يقيم عليه اليسار التونسي، والعربي عموما، في ظل إصرارٍ مرضيٍّ على جعل معاداة الإسلام السياسي، ممثلا في حركة النهضة، موردَ تعبئة رئيسيا في هذه الانتخابات. وفي المقابل، لا تبدو "النهضة" بعيدة عن نتائج هذا الاستحقاق ودلالاته، فقد ظن قادتها أن قواعدها لا يمكن أن تخذلها، ناسين أن الكتلة الناخبة، بطبيعتها، غير ثابتة، كما تُنبئنا أدبيات سوسيولوجيا الانتخابات، لا سيما في ظل الإخفاق المتواتر في معالجة مظاهر الاحتقان الاجتماعي التي واكبت المرحلة الانتقالية.
لا يرتبط تراجع الطبقة السياسية التونسية في هذه الانتخابات بضعف خطابها وعدم واقعيته، فقط، بقدر ما يرتبط، أيضا، بحصيلتها في الحكم طوال السنوات المنصرمة، فقد أخفقت في تنزيل سياساتٍ عموميةٍ تستجيب لتطلعات التونسيين في القطاعات الاجتماعية الحيوية، وظلت التفاوتات الجهوية والمجالية عائقا كبيرا أمام بناء رصيد اجتماعي وتنموي، يكون دعامة إضافية للتحول الديمقراطي.
وإذا كانت هذه الطبقة قد نجحت في عبور المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر، وسط محيط إقليمي مضطرب، بعد توافقٍ عسير بين العلمانيين والإسلاميين، وهو ما يُحسب لها، إلا أنها لم تنجح في تشكيل دينامية اقتصادية واجتماعية موازية لإنجازها السياسي، وظلت نقمة التونسيين على أداء هذه الطبقة عنوانا دالا لهذه الثغرة الدالّة، فمعظمهم يرى أن فشل الأحزاب الكبرى كان مدويّا في صياغة برامج اجتماعية عملية، تساعد على التخفيف من حدّة الاحتقان الاجتماعي وتداعياته.
مؤكّد أن نتائج الجولة الأولى للانتخابات التونسية تفتح باب السؤال بشأن ما سيكون عليه الأمر في جولتها الثانية، خصوصا في ما يتعلق بنسبة المشاركة التي لم ترق إلى الأهمية التي باتت تحوزها الديمقراطية التونسية عربيا، إذ من غير المستبعد أن تدفع هذه النتائجُ قواعدَ الأحزاب الكبرى إلى العزوف عن التصويت، ما قد يجعلنا إزاء اقتراعٍ لا يعكس الواقع السياسي، وهو ما قد يُلقي بثقله، لاحقا، على الانتخابات التشريعية المقبلة.