02 سبتمبر 2019
دروس انقلابات فرعونية
مصر الفرعونية، كغيرها من الأمم، تعرضت لمؤامرات وانقلابات، إذ لا يكاد يخلو عصر من عصورها أو أسرة من أسرها من حدوث ذلك.
الملك "تتي" (2323 -2291 ق.م)، هو مؤسس الأسرة السادسة، ويعني اسمه "سحتب تاوي"، أي مهدئ الأرضين، أي أرض الدلتا وأرض الصعيد بمصر العليا. وقد تولى الحكم في ظروف شبه طبيعية، حيث كان يتولى بعض المناصب الدينية والمدنية قبل وصوله للحكم، وإن كان اسمه يدل على أنه عمل على استقرار الوضع في البلاد وتهدئته مما يوحي بأن بداية حكمه كانت تنتابها بعض القلاقل السياسية. ويُقال إنه لم يكن من أصل ملكي، وإنما جاء من مصر السفلى بالدلتا، وتزوج من ابنة الملك، ونيس، ما أكسبه شرعية سمحت له بتولي الحكم من بعده.
وقد حكم الملك تتي مصر ثلاثين عاماً، كان له فيها نشاط سياسي وعسكري واقتصادي كبير؛ فيُنسب إلى عهده ذلك النشاط التجاري مع الدول المجاورة، حيث وجد اسمه منقوشاً ببلاد النوبة وبلاد بونت. ولكن تم التآمر عليه وقتله. ويُقال إن السبب في ذلك يعود إلى أنه رفض تغول السلطة الدينية المتمثلة في كهنة "عين شمس"، مقر عبادة رع، في حين ناصر حركة دينية أخرى في منف، مقر عبادة "بتاح"، ما أدى إلى وقوع فتنة دينية كبيرة بين كهنة منف وكهنة عين شمس، الذين رفضوا التنازل عن الامتيازات الدينية والمدنية التي نالوها خلال عصر الأسرة الخامسة، فتآمروا عليه، وتعاونوا مع قادة الجيش وعدد من الأمراء، فدسوا للملك داخل قصره أحد حراسه فاغتالوه، ثم قام المتطرفون من كهنة آمون بالتمثيل بجثته داخل مقبرته، وكسر تابوته البازلتي وإلقاء ما تبقى من جسده، وهي الذراع والكتف، في حفرة داخل المقبرة التي تم العثور عليها داخل هرمه بسقارة على يد العالِم ماسبيرو عام 1907، وتمت هذه الإهانة، من أجل حرمانه من الراحة في العالم الآخر، ومنع روحه من التعرف على الجسد، ثم قام الكهنة بتنصيب أوسر كارع حاكماً جديداً، لكنه لم يستمر في الحكم أكثر من عامين، حيث استرد منه العرش الوريث الشرعي للملك تتي..
هناك محاولة انقلاب أخرى أيضا في الأسرة الفرعونية، فالملك "بيبي الأول" (2289 - 2255 ق.م) هو ابن الملك تتي من الملكة أبوت الأولى، وقد أبعده عن السلطة "أوسر كا رع"، مُغتصب عرش أبيه بعد اغتياله مباشرة، ولكنه استطاع أن يُعيد العرش خلال عامين فقط، وأصبح حاكماً قوياً؛ نجح في الدفاع عن حدود مصر بشكل عام، وحدودها الشرقية على الأخص، حيث خاض المعارك ضد قبائل "عامو حر يوشع" في فلسطين من خلال جيش عظيم جهزه من ربوع مصر كافة.
لم يسمح "بيبي الأول" لأمراء الأقاليم بزيادة نفوذهم، كما حدث في نهاية عهد والده، فعمل على توطيد مركزه عن طريق التقرب إليهم، فصاهر إحدى عائلات الصعيد القوية، وقد جاء هذا الزواج على أثر المؤامرة التي حيكت له وكانت بطلتها زوجته الأولى؛ حيث وصلت للملك أنباء تُفيد بأن زوجته الملكة إمتس قد أتت أمراً خطيراً، ولم تحدد النصوص والمصادر هذا الأمر. ويبدو أن الملك لم يشأ أن يأخذ زوجته بالظن ويُدينها، فعهد إلى أحد المقربين منه المدعو وني، والذي كان يشغل وظيفة الإشراف على الضياع، بأن يتولى التحقيق معها. وبالفعل تم التحقيق ورُفعت نتيجته إلى الملك، وإن كانت النصوص لم تذكر لنا نتيجة هذا التحقيق، ولا قرار الملك تجاهه، إلا أن المصادر الأخرى بيّنت أن الملك قد حرمها وذريتها من الوصول للمُلك، فتزوج من المرأة الأخرى التي هي ابنة أمير أبيدوس في مصر العليا، فأنجبت له ولده وخليفته على العرش "مري إن رع".
وعلى الرغم من أن النصوص لم تُشر أيضاً إلى تهمة الملكة، إلا أن باحثين اتجهوا إلى احتمال تورط الملكة مع الوزير "رع - ور" في مؤامرة للقضاء على الملك، بسبب زواجه من المرأة الأخرى، كما أن هذا الوزير حاول الانقلاب على الملك مرة أخرى في نهاية حكمه، ولكن هذه المحاولات فشلت، بل وآل الحكم من بعد الملك بيبي الأول لابنه "مرى إن رع" من زوجته الأخرى.
وهكذا يبدو لنا أن بيبي الأول (الملك الابن) استفاد من الانقلاب الناجح على والده، الملك تتي، فبدأ بأخذ الحيطة والحذر، ما أفشل كل محاولات الانقلاب التي تعرّض لها.
وقد حكم الملك تتي مصر ثلاثين عاماً، كان له فيها نشاط سياسي وعسكري واقتصادي كبير؛ فيُنسب إلى عهده ذلك النشاط التجاري مع الدول المجاورة، حيث وجد اسمه منقوشاً ببلاد النوبة وبلاد بونت. ولكن تم التآمر عليه وقتله. ويُقال إن السبب في ذلك يعود إلى أنه رفض تغول السلطة الدينية المتمثلة في كهنة "عين شمس"، مقر عبادة رع، في حين ناصر حركة دينية أخرى في منف، مقر عبادة "بتاح"، ما أدى إلى وقوع فتنة دينية كبيرة بين كهنة منف وكهنة عين شمس، الذين رفضوا التنازل عن الامتيازات الدينية والمدنية التي نالوها خلال عصر الأسرة الخامسة، فتآمروا عليه، وتعاونوا مع قادة الجيش وعدد من الأمراء، فدسوا للملك داخل قصره أحد حراسه فاغتالوه، ثم قام المتطرفون من كهنة آمون بالتمثيل بجثته داخل مقبرته، وكسر تابوته البازلتي وإلقاء ما تبقى من جسده، وهي الذراع والكتف، في حفرة داخل المقبرة التي تم العثور عليها داخل هرمه بسقارة على يد العالِم ماسبيرو عام 1907، وتمت هذه الإهانة، من أجل حرمانه من الراحة في العالم الآخر، ومنع روحه من التعرف على الجسد، ثم قام الكهنة بتنصيب أوسر كارع حاكماً جديداً، لكنه لم يستمر في الحكم أكثر من عامين، حيث استرد منه العرش الوريث الشرعي للملك تتي..
هناك محاولة انقلاب أخرى أيضا في الأسرة الفرعونية، فالملك "بيبي الأول" (2289 - 2255 ق.م) هو ابن الملك تتي من الملكة أبوت الأولى، وقد أبعده عن السلطة "أوسر كا رع"، مُغتصب عرش أبيه بعد اغتياله مباشرة، ولكنه استطاع أن يُعيد العرش خلال عامين فقط، وأصبح حاكماً قوياً؛ نجح في الدفاع عن حدود مصر بشكل عام، وحدودها الشرقية على الأخص، حيث خاض المعارك ضد قبائل "عامو حر يوشع" في فلسطين من خلال جيش عظيم جهزه من ربوع مصر كافة.
لم يسمح "بيبي الأول" لأمراء الأقاليم بزيادة نفوذهم، كما حدث في نهاية عهد والده، فعمل على توطيد مركزه عن طريق التقرب إليهم، فصاهر إحدى عائلات الصعيد القوية، وقد جاء هذا الزواج على أثر المؤامرة التي حيكت له وكانت بطلتها زوجته الأولى؛ حيث وصلت للملك أنباء تُفيد بأن زوجته الملكة إمتس قد أتت أمراً خطيراً، ولم تحدد النصوص والمصادر هذا الأمر. ويبدو أن الملك لم يشأ أن يأخذ زوجته بالظن ويُدينها، فعهد إلى أحد المقربين منه المدعو وني، والذي كان يشغل وظيفة الإشراف على الضياع، بأن يتولى التحقيق معها. وبالفعل تم التحقيق ورُفعت نتيجته إلى الملك، وإن كانت النصوص لم تذكر لنا نتيجة هذا التحقيق، ولا قرار الملك تجاهه، إلا أن المصادر الأخرى بيّنت أن الملك قد حرمها وذريتها من الوصول للمُلك، فتزوج من المرأة الأخرى التي هي ابنة أمير أبيدوس في مصر العليا، فأنجبت له ولده وخليفته على العرش "مري إن رع".
وعلى الرغم من أن النصوص لم تُشر أيضاً إلى تهمة الملكة، إلا أن باحثين اتجهوا إلى احتمال تورط الملكة مع الوزير "رع - ور" في مؤامرة للقضاء على الملك، بسبب زواجه من المرأة الأخرى، كما أن هذا الوزير حاول الانقلاب على الملك مرة أخرى في نهاية حكمه، ولكن هذه المحاولات فشلت، بل وآل الحكم من بعد الملك بيبي الأول لابنه "مرى إن رع" من زوجته الأخرى.
وهكذا يبدو لنا أن بيبي الأول (الملك الابن) استفاد من الانقلاب الناجح على والده، الملك تتي، فبدأ بأخذ الحيطة والحذر، ما أفشل كل محاولات الانقلاب التي تعرّض لها.
حسين دقيل
باحث متخصّص في الآثار، دكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية في مصر. العبارة المفضّلة لديه "من لم يهتم بتراثه ويحافظ عليه فلا مستقبل له".
حسين دقيل
مقالات أخرى
13 يونيو 2019
07 يونيو 2019
16 ابريل 2019