02 سبتمبر 2019
مسلة إسطنبول ليست الوحيدة
بمجرد أن نزلت بساحتها هفا قلبي نحوها فلم أرَ غيرها، وشعرت حينها أنني بجوار الكرنك، وها هي معشوقتي التي سلبت عقلي وقلبي، منصوبة بالصرح السابع من صروحه. ياااه... كم هي لحظات جميلة تلك التي قضيتها وأنا أتجول حولها وأتوقف مشدوها أمام جوانبها الأربعة؛ حتى كادت عيني أن تدمع، وصوتي أن يُسمع لولا خوفي أن أُتهم بالجنون.
إنها المسلة المصرية المقامة في ميدان السلطان أحمد في إسطنبول، وهي ترجع إلى عصر الملك تحتمس الثالث (1481-1425 ق.م)، وقد ظلّت في مكانها في معبد الكرنك عدة قرون حتى نقلها ملك روما، قسطنطين الثاني (337-316 م)، إلى الإسكندرية، تخليدًا للذكرى العشرين لجلوسه على العرش؛ ثم نُقلت من الإسكندرية إلى القسطنطينية في عهد الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول عام 390 بعد الميلاد.
والمسلة من الغرانيت الأحمر، طولها الحقيقي 30 مترا، غير أنها تعرّضت للضرر في أثناء نقلها من مصر، فأصبح طولها الحالي 18.45 مترا، وكان وزنها الفعلي في البداية 380 طنا.
ومسلتنا الرائعة التي لا تزال سليمة، على الرغم من مرور أكثر من 3500 عام على إنشائها، تحمل جوانبها الأربعة نقوشا هيروغليفية واضحة؛ تبدأ باسم الملك تحتمس الثالث، وتتحدث عن انتصاراته في معركة الفرات في سورية، كما يظهر على جوانبها أيضا المعبود آمون، وهو يقدم علامة الحياة (عنخ) للملك تحتمس الثالث، في حين نرى الملك يقدم القرابين للمعبود آمون.
أما قاعدة المسلة، فهي بيزنطية، أنشئت في عصر ثيودوسيوس الأول؛ وقد نُقشت بمناظر تحمل صورة الإمبراطور وعائلته وجنوده، وهو يراقب الأنشطة الرياضية كسباق الخيل والمصارعة، وظلت المسلة، على الرغم من كلّ الزلازل والاضطرابات التي تعرّضت لها إسطنبول 16 قرنًا، ثابتة، وها نحن الآن نرى العازفين والمغنين يلتفون حولها ليقدموا عروضهم أمام جموع السائحين الذين يقبلون عليها من شتى بقاع الأرض.
أما الملك تحتمس الثالث، مُنشئ المسلة، فهو سادس حكام الأسرة الثامنة عشرة، ويُعد من أعظم الملوك المحاربين خلال عصر الدولة الحديثة، فهو مؤسس أول إمبراطورية يشهدها العالم، وقد اشتهر بشخصيته القوية، وعبقريته العسكرية الفذة؛ فاهتم بالجيش، وزوده بالفرسان والعربات الحربية، فلم يكن كحتشبسوت التي سبقته على عرش مصر، واتصف عهدها بالهدوء والرخاء، والتي تعاملت مع جيرانها في فلسطين والنوبة بالمنهج السلمي؛ ما دفع بلدانا في سورية وغيرها إلى انتهاز هذا الهدوء للتمرّد على الحكم المصري ومعاداته، ولذا فقد غير تحتمس الثالث سياسة حتشبسوت عقب اعتلائه العرش، وأصر على أن يعيد السيطرة لمصر على المناطق المتمردة؛ فقام بنحو ست عشرة حملة عسكرية على فلسطين وسورية واستطاع خلالها أن يدعم نفوذه هناك، كما دعمه جنوبا في بلاد النوبة.
ومسلتنا هذه لم تكن الوحيدة التي أنشأها تحتمس الثالث، فقد أنشأ غيرها ستاً، معظمها موزّع الآن بين عواصم عالمية عدّة، فقد كانت مصر تضم ما يقرب من 30 مسلة فرعونية، لم يتبقَ منها الآن سوى ثماني، والباقي تم الاستيلاء عليها ونقلها إلى دول أجنبية عديدة، من خلال الرومان والفرنسيين الذين نهبوها عند مجيئهم إلى مصر. كما أنّ أسرة محمد علي أهدت عددا منها لكسب ولاء تلك الدول؛ وأهم تلك المسلات ما يوجد الآن في روما ونيويورك وفرنسا وبريطانيا؛ كمسلة كليوباترا بحديقة سنترال باراك بنيويورك، والتي أهدتها ابنة الخديوي إسماعيل للولايات المتحدة بعد افتتاح قناة السويس، ومسلة أخرى أهداها محمد علي لبريطانيا عام 1831، كما يوجد عدد آخر من المسلات المصرية في باريس، وأهمها التي أهداها محمد علي أيضا لملك فرنسا، وهي من عصر رمسيس الثاني، أما في روما فتوجد حاليا ثماني مسلات، تعود إلى عصور تحتمس الثالث وتحتمس الرابع ورمسيس الثاني وبسماتيك الأول وغيرهم، ومنها ما يرجع لعصر أمنحتب الثاني كتلك التي تنتصب الآن في ساحة الفاتيكان.
إنها المسلة المصرية المقامة في ميدان السلطان أحمد في إسطنبول، وهي ترجع إلى عصر الملك تحتمس الثالث (1481-1425 ق.م)، وقد ظلّت في مكانها في معبد الكرنك عدة قرون حتى نقلها ملك روما، قسطنطين الثاني (337-316 م)، إلى الإسكندرية، تخليدًا للذكرى العشرين لجلوسه على العرش؛ ثم نُقلت من الإسكندرية إلى القسطنطينية في عهد الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول عام 390 بعد الميلاد.
والمسلة من الغرانيت الأحمر، طولها الحقيقي 30 مترا، غير أنها تعرّضت للضرر في أثناء نقلها من مصر، فأصبح طولها الحالي 18.45 مترا، وكان وزنها الفعلي في البداية 380 طنا.
ومسلتنا الرائعة التي لا تزال سليمة، على الرغم من مرور أكثر من 3500 عام على إنشائها، تحمل جوانبها الأربعة نقوشا هيروغليفية واضحة؛ تبدأ باسم الملك تحتمس الثالث، وتتحدث عن انتصاراته في معركة الفرات في سورية، كما يظهر على جوانبها أيضا المعبود آمون، وهو يقدم علامة الحياة (عنخ) للملك تحتمس الثالث، في حين نرى الملك يقدم القرابين للمعبود آمون.
أما قاعدة المسلة، فهي بيزنطية، أنشئت في عصر ثيودوسيوس الأول؛ وقد نُقشت بمناظر تحمل صورة الإمبراطور وعائلته وجنوده، وهو يراقب الأنشطة الرياضية كسباق الخيل والمصارعة، وظلت المسلة، على الرغم من كلّ الزلازل والاضطرابات التي تعرّضت لها إسطنبول 16 قرنًا، ثابتة، وها نحن الآن نرى العازفين والمغنين يلتفون حولها ليقدموا عروضهم أمام جموع السائحين الذين يقبلون عليها من شتى بقاع الأرض.
أما الملك تحتمس الثالث، مُنشئ المسلة، فهو سادس حكام الأسرة الثامنة عشرة، ويُعد من أعظم الملوك المحاربين خلال عصر الدولة الحديثة، فهو مؤسس أول إمبراطورية يشهدها العالم، وقد اشتهر بشخصيته القوية، وعبقريته العسكرية الفذة؛ فاهتم بالجيش، وزوده بالفرسان والعربات الحربية، فلم يكن كحتشبسوت التي سبقته على عرش مصر، واتصف عهدها بالهدوء والرخاء، والتي تعاملت مع جيرانها في فلسطين والنوبة بالمنهج السلمي؛ ما دفع بلدانا في سورية وغيرها إلى انتهاز هذا الهدوء للتمرّد على الحكم المصري ومعاداته، ولذا فقد غير تحتمس الثالث سياسة حتشبسوت عقب اعتلائه العرش، وأصر على أن يعيد السيطرة لمصر على المناطق المتمردة؛ فقام بنحو ست عشرة حملة عسكرية على فلسطين وسورية واستطاع خلالها أن يدعم نفوذه هناك، كما دعمه جنوبا في بلاد النوبة.
ومسلتنا هذه لم تكن الوحيدة التي أنشأها تحتمس الثالث، فقد أنشأ غيرها ستاً، معظمها موزّع الآن بين عواصم عالمية عدّة، فقد كانت مصر تضم ما يقرب من 30 مسلة فرعونية، لم يتبقَ منها الآن سوى ثماني، والباقي تم الاستيلاء عليها ونقلها إلى دول أجنبية عديدة، من خلال الرومان والفرنسيين الذين نهبوها عند مجيئهم إلى مصر. كما أنّ أسرة محمد علي أهدت عددا منها لكسب ولاء تلك الدول؛ وأهم تلك المسلات ما يوجد الآن في روما ونيويورك وفرنسا وبريطانيا؛ كمسلة كليوباترا بحديقة سنترال باراك بنيويورك، والتي أهدتها ابنة الخديوي إسماعيل للولايات المتحدة بعد افتتاح قناة السويس، ومسلة أخرى أهداها محمد علي لبريطانيا عام 1831، كما يوجد عدد آخر من المسلات المصرية في باريس، وأهمها التي أهداها محمد علي أيضا لملك فرنسا، وهي من عصر رمسيس الثاني، أما في روما فتوجد حاليا ثماني مسلات، تعود إلى عصور تحتمس الثالث وتحتمس الرابع ورمسيس الثاني وبسماتيك الأول وغيرهم، ومنها ما يرجع لعصر أمنحتب الثاني كتلك التي تنتصب الآن في ساحة الفاتيكان.
حسين دقيل
باحث متخصّص في الآثار، دكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية في مصر. العبارة المفضّلة لديه "من لم يهتم بتراثه ويحافظ عليه فلا مستقبل له".
حسين دقيل
مقالات أخرى
13 يونيو 2019
02 مايو 2019
16 ابريل 2019