حتى أبقى مبتسماً
لا تبعد عني هذه الكأس
ولا تلك أو تلك أو تلك
زدها اقتراباً من قلبي
حتى لا أعود ذلك اليتيم الدائم
زدها اقتراباً
حتى أعرف أنني لست مخلوقاً من وهم
ولا جالساً على الأرض وحيداً
في الساحة المهجورة
دع السائل يتدفق
من فمي إلى حنجرتي فرأسي
حتى أصبح المارد
الخارج للتو من المصباح
دع الكأس تزداد اقتراباً
حتى لا أنسى أبداً أنني المارد المحبوب
وأيقن أنني
لم أشرد يوماً
ولم أهرب
ولم يقفل باب في وجهي
زدها اقتراباً حتى يبقى وجهي مبتسماً.
■ ■ ■
تعالي نتبادل الأدوار
مالي ومالك والطريق قصير
كلما خطوت خطوة
أنزلق
وكلما تراجعت خطوة
أتدحرج نحو القاع
لم يعد الوقت يكفي لأحصي دقات قلبي
منذ اللحظة التي
كنت فيها على الرصيف المؤدي إلى المدينة
أخذت بيدي وحملتني خارج الماء
أنا السمكة البرية
عاجز عن التنفس خارجك
ما كانت أمواجك لتتركني سالماً
يوم أرغمت على الهبوط من الرصيف الضيّق
حيث أردت أن أعلق مرساتي في الرمال المتحركة.
هل فعلاً تراني
ذلك الفتى الذي احتضنته بابتسامك لتنقذيه من الموج
أم تراني تائهاً بين تلك المجرة المحتملة
وذلك الكوكب المستحيل؟
لم تعودي تشاهدين أحداً
لم تعودي ترينني
التهمتني الممحاة
في ذاكرتك التي اعشوشبت
وعادت غابة عذراء.
تعالي نتبادل الأدوار
أغريك بالتفاحة الممنوعة
ثم أنسى.
■ ■ ■
خذ الشِّعرَ بقوة
في فمي علقم المساء
وفي قلبي مرارة
أقوى مني
البحث عن وقت آخر
يبتسم لي من بعيد ويهرب
فيما الخطوة نحوه لا تتوقف
يعيد الكرة
لاعباً بي كقطع الخفة
وأتطاير شظايا
أريده بقوة
بالخفة
بالسحر
بالنرد والقمار
يريدني عند تخوم العالم
لا جاذبية ولا مدار أو حبيبة
أحضنه بيدي
سعيداً باستسلامه أخيراً
فيخرج مسرعاً من الجهة الأخرى
أنا التائهَ الدائم
على بوابة الكلام
أراقب الناس بالخروج والدخول
والجموح في أوجه
وفي أوج انطفائه
لو
كان
الشعر امرأة
لاختطفتها
■ ■ ■
مع إطلالة على البحر
أبحث عن مستقبل
مع إطلالة على البحر
أكون فيه سعيداً
الهواء فيه نقي
والطبيعة تبتسم للمارة
أتنقل على دراجة
ويحبّني كل من أحب
أشتاق فيه إلى كل من عرفت
ويشتاقون إلي.
أبحث عن مستقبل
مع إطلالة على البحر
لا حرب فيه ولا داعش
لا تتلفت الناس وراءها خوفاً
ولا تهرب كالقطعان الشاردة
بل يسيرون كأنهم بنزهة
دروبه مسوّرة بالزهور
وعيناي تدمعان حنيناً للأيام التي تمر وفرحاً بالأيام الآتية.
وإذا حصل خطأ ما
كحرب أو قنبلة أو محرقة
أقف عند رصيف الوقت
أعود إلى الوراء لأصلح ما تعطل
أغيّر المسار في اتجاه آخر
أمحو الرماد عن الأرض وأعيد للشجر رونقه الأخضر
وأمحو الدموع اليائسة للأمهات
والدماء المراقة بحجم المحيط من نهر إلى بحر
أطفئ نحيب النادبات
وأشعل الزغاريد.
أبحث عن مستقبل
مع إطلالة على البحر وحديقة
تكون فيه فلسطين حرة
وجميع المشردين من أبنائها عادوا
ومعهم ما تبقى من رفات الذين دفنوهم في الغربة
ناسين مخيّماتهم الأليفة
لا يرموك ولا بارد أو تل الزعتر
في أيديهم مفاتيح بيوتهم القديمة
سعداء بحريتهم المستعادة
يصنعون أبواباً ليفتحوها بمفاتيحهم المفطومة.
* شاعر لبناني، والقصائد مختارة من مجموعته الجديدة "يكفي أن تعبر الليل"، الصادرة حديثاً عن "دار النهضة العربية".