ذكرى ثورة اليمن: "الحلم" يتجدّد في الشوارع

11 فبراير 2014
+ الخط -
في الحادي عشر من فبراير/ شباط ٢٠١١، كان اليمنيون يعلنون عن أول اعتصام في ساحة الحرية في محافظة تعز، حتى رحيل الرئيس علي عبد الله صالح. كبرت كرة الثلج لتصبح تظاهرات تعمّ مختلف المدن، ولاحقاً ثورة، وذلك بعد أيام من تحركات احتجاجية استلهمت الحراك الشعبي في تونس ومصر.

الزخم الثوري في ذلك اليوم، كان في أوجِه على وقع إعلان الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، تنحّيه. لكن على عكس مبارك، استغرق إسقاط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح شهوراً طوال بموجب تسوية سياسية لا يزال اليمنيون، الذين تحلّ، اليوم، الذكرى الثالثة لثورتهم، يعيشون وفق أحكامها.

لا يملك اليمنيون موقفاً موحداً مما آلت إليه هذه الثورة. هناك مَن يرى أن في مجريات الأوضاع في البلاد، منذ الثورة الشبابية إلى اليوم، ما يدعو إلى اعتبار الذكرى الثالثة مناسبةً للاحتفال بما تحقّق. يتحدثون عن أهمية إسقاط علي عبد الله صالح وانتهاء الحوار الوطني الذي تحوّل بموجبه اليمن إلى بلد فيدرالي من ٦ أقاليم. يرون أن المستقبل أفضل بكثير مما كان عليه في عهد صالح الذي قبض على السلطة لأكثر من ٣٣ عاماً، وحوّلها إلى مشاع لعائلته.

هؤلاء يقرّون بوجود مشاكل هائلة، لكنها، بالنسبة إليهم، لا تحتاج إلى أكثر من تصحيح من داخل مؤسسات الدولة، وبالتالي شعارات العودة إلى الشارع للاحتجاج واسقاط الحكومة ليست في محلها.
والأهم، بالنسبة إليهم، أن كل ما تحقق منذ ٢٠١١، جاء بأقل قدر من الدماء، على عكس العديد من البلدان العربية، فلا تطلّب الأمر تدخلاً خارجياً عسكرياً مثل لبيبا، ولا حرباً أهلية ومئات آلاف القتلى كسوريا، ولا انقلاباً عسكرياً كما في مصر.

على المقلب الآخر، يرى التيار الثاني أن الثورة لم تحقق معظم أهدافها، وبالتالي فإنّ استكمالها واجب. أما الوسيلة فليست سوى الشارع، ولذلك فإن أنصار هذا الرأي وضعوا هدفاً واضحاً لتظاهراتهم اليوم: إسقاط الحكومة ومحاولة استرجاع ثورة سُرقت في وقت مبكر.

وإن لم يكن الناشطون إبّان الثورة على وعي كامل بما كان يُحاك للالتفاف على ثورتهم بفعل تسارع وتيرة الأحداث، ومحدودية الخبرة في العمل السياسي، فهم اليوم باتوا يدركونها جيداً ولا يتوانون عن تعدادها.

يروون كيف أنهم اكتفوا بإسقاط صالح، وتغاضوا عن الكثيرين من أركان حكمه، سواء من السياسيين أو رجال القبائل أو القادة العسكريين الذين نجحوا مبكراً في القفز من سفينته. يشيرون إلى أنهم راقبوا التحاق حلفاء "الراقص على رؤوس الثعابين" (صالح) بركب الثورة، واحتفوا بهم قبل أن يكتشفوا أنهم وقعوا في فخ مَن أراد فرض الوصاية السياسية والقبلية على الثورة، ما مهّد لتقييدها بمبادرة خليجية ومن ثم تسوية سياسية.

يرى هؤلاء أيضاً، أنه حان الوقت لإسقاط التسوية السياسية التي تم بموجبها تنحي صالح وانتخاب عبد ربه منصور هادي رئيساً لعامين وتشكيل حكومة وفاق وطني لم تحلّ أيٍ من مشاكل البلاد، بل تكتفي بجرّ اليمن إلى مزيد من الاقتتال والتدهور الأمني.

بالنسبة إليهم، الفيصل في كلامهم يبقى حقيقة الأوضاع على الأرض وليس العواطف. وهنا تحديداً يكفي التساؤل عمّا تحقق منذ الثورة الشبابية، أو بشكل أدق، مَن انتصر بموجب التسوية السياسية التي تلت الاحتجاجات؟

هل انتصرت التسوية لدماء الشهداء الذين قضوا في الاحتجاجات؟ الجواب أنه، باستثناء عائلة صالح التي تم تقليم أظافرها من المؤسسات الأمنية والعسكرية، فإن معظم قادة الأجهزة الأمنية، المتورطين في قمع الثورة وفي ارتكاب الانتهاكات قبلها، لا يزالون في مناصبهم. حتى أن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، نال حصانة عمّا ارتكب في سنوات حكمه، ليحتفظ لنفسه أيضاً بحق الاستمرار في الحياة السياسية عبر استمرار رئاسته لحزب "المؤتمر الشعبي".

ماذا عن جرحى الثورة؟ هؤلاء تحديداً يتسوّلون إلى اليوم ثمن العلاج من "حكومة الوفاق الوطني"، ويموتون واحداً تلو الآخر دون أن يجدوا مَن يلتفت إليهم. آخر هؤلاء كان الجريح عبد الجبار النمر، الذي توفي قبل يومين، بعدما تم تحويل صندوق مساعدات الجرحى إلى صندوق "للاستثمار السياسي" من قبل الأحزاب.
اذاً، لا بد أن الانتصار كان على الأقل لمعتقلي الثورة! وضْع هؤلاء بالتأكيد ليس أفضل حالاً من وضع الجرحى، إذ يقبع بعضهم حتى هذه اللحظة في السجون، من دون أن تكون الحكومة أو القضاء على استعداد لإطلاق سراحهم، بعدما تم تلفيق مجموعة من التهم إليهم انتقاماً من مشاركتهم في الثورة، فيما لا يزال عدد آخر من الناشطين الذين تم اختطافهم إبان الثورة مجهول المصير.

فشل ينسحب على قضايا أكثر خطورة؛ في الملف الأمني، تتّسع رقعة التدهور يوماً تلو الآخر. لا يكاد يمر يوم إلا يسمع اليمنيون عن اغتيال ضابط أو تفجير أو جبهة اقتتال جديدة في الشمال أو الجنوب. وفي الخدمات، ضرْب منظّم للكهرباء جعلها تتحول إلى عملة مفقودة في اليمن، وتفجير متكرر لخطوط النفط، وشح في المياه من دون أي خطط حكومية طارئة للمعالجة.
أما محاسبة المقصّرين، فهي غائبة، اذ تقتضي التسوية الاحتفاظ بالوزراء على أخطائهم، بعدما كُرّس مبدأ المحاصصة في توزيع المناصب.
ومَن يبحث في تصحيح الأوضاع، لا يمكنه التعويل على رئيس حكومة الوفاق الوطني، محمد باسندوة، الذي سبق أن خرج في مقابلة تلفزيونية، العام الماضي، ليؤكد انه "لا يدري في ما يجري داخل وزارات حكومته". كذلك، لا يمكن التعويل على رئيس يُمعن منذ مجيئه في خرق القوانين.
الرئيس الانتقالي، الذي تنتهي ولايته بعد أيام (في 21 من الشهر الجاري)، سبق أن أبطل القضاء اليمني أكثر من قرار له بسبب "عدم التزامه القوانين"، من بينها قرارات بتعيين موظفين لا تنطبق عليهم المعايير، في هيئة مكافحة الفساد.

جميع هذه المعطيات تعزّز من اعتقاد فئة كبيرة من الشعب أن الثورة لم تستكمل أهدافها، وأن العودة إلى الشارع حتمية، غير آبهين بحسابات القوى السياسية التي أعلنت عن المشاركة في احتجاجات اليوم، موحيةً أنها تريد التغيير أيضاً، بينما هي في حقيقة الأمر تريد تصفية حسابات سياسية في ما بينها.
كذلك، لا تأبه هذه الفئة لاحتمال فشل تحركها في إحداث أي تغيير في المشهد القائم اليوم، وتحديداً لجهة إسقاط التسوية السياسية المدعومة دولياً واقليمياً، واستعادة الزخم الثوري على غرار ما حدث طوال العامين ٢٠١١ و٢٠١٢، فيكفي بالنسبة إليها رفع الصوت اعتراضاً على كل ما يجري تحت شعار "سرق سرق سرق ... ثورة على كل مَن سرق"... وهو الشعار المركزي لتحركات شوارع اليمن اليوم.

المساهمون