"يموتون غرباء"، رواية تستحق إعادة قراءة في هذه الفترة المفصلية في التاريخ اليمني الحديث. وهي الرواية التي كتبها محمّد عبد الولي (1939-1973) المولود في إثيوبيا لأب يمني وأم إثيوبية. عمل يسرد أحزان أهل اليمن الذين أجبرتهم قسوة الحياة على الانتقال إلى المهجر، وهناك أعادوا بناء وطنهم عبر استعادة الطقوس التي كانوا يحيونها في بلدهم الأصلي، من ممارسات دينية واحتفالات وصنع أكلات خاصة بكلّ مناسبة ومنها أطباق شهر رمضان.
وتدور الدوائر لتعاود السيرة رواية نفسها. شباب أهل اليمن يتركون بلادهم هرباً من قسوة الحرب الدائرة هناك. ومنهم من رحل بحثاً عن فرصة عمل أو مقعد دراسي لاستكمال دراسته العليا. كلّها إشارات إلى أنّ الحياة صارت مستحيلة في "اليمن السعيد".
لكنّ المصائب لا تأتي فرادى. فمع بداية الحرب في البلاد، أقفلت معظم الدول العربية أبوابها أمام اليمنيين ومُنعوا من دخولها بدون تأشيرة مُسبقة. لبنان بين قلة من الدول، وقف إلى جانبهم، وراحوا يحصلون على ختم الدخول من على بوابة مطار بيروت. لبنان قال لهم: تعالوا.
هكذا، وعلى الرغم من غلاء المعيشة في بلد السيّدة فيروز، فإنّه صار مساحة كثُر فيها شباب اليمن الذي صاروا اليوم جالية كبيرة توزّعت على الجامعات ودخلت مجال الإعلام وكذلك الأعمال الخاصة. خلال كل هذا، نجحوا في اختراع بيئة يمنية خاصة بهم في داخل البيئة الاجتماعية اللبنانية، تبرز خصوصاً في شهر رمضان، وسط الحنين إلى اليمن وأجواء الحياة الاجتماعية فيه.
اقــرأ أيضاً
إبراهيم الأشول طالب في جامعة لبنانية خاصة في بيروت، يقول: "أحاول تصريف شهر رمضان بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية. هو الشهر الذي يحضر فيه اليمن بقوة في قلب أيّ يمني يعيش هنا". نسأله كيف، فيتحدث عن التواصل مع الشبان اليمنيين هنا، الأصحاب والرفاق، إذ تُقام تجمّعات وعندما يحين وقت الإفطار يلتقون وكلّ واحد منهم قد أعدّ وجبة يمنية خاصة. وعندما تتعذّر إقامة تلك اللقاءات، يخبر الأشول: "أقصد مطعماً يمنياً يقدّم أكلات يمنية، لكن هذا لا يحدث كل يوم. الميزانية لا تسمح". يضيف المعلومة الأخيرة وهو يضحك.
من جهتها، الإعلامية ماجدة طالب هي اليوم مقدمة برامج في قناة "الساحات" اليمنية التي تبثّ من بيروت، وتقول: "نحاول تمضية هذا الشهر الروحاني باللقاءات بين بعضنا بعضاً نحن اليمنيات المقيمات في بيروت. نقيم جلسات خاصة في انتظار موعد الإفطار، ولكل واحدة منّا مهمّة خاصة في شأن تحضير طبق يمني محدد. أمّا الطبق اليمني الرئيسي فتهتمّ به واحدة منّا". نسأل ماجدة عن كيفيّة جلب المواد الخاصة بالوجبات اليمنية غير المتوفرة في بيروت، فتجيب: "نحن نطلب من الناس الذين يأتون من صنعاء أن يجلبوها لنا". تضيف أنّه "من المستحيل مثلاً العثور على مواد حلقة العصيد والسلتة في بيروت".
تجدر الإشارة إلى أنّ "السلتة" طبق يُقال إنّه من أصول عثمانية، يُصار فيه إلى خلط لحم الدقة (اللحمة المفرومة) مع صلصة الطماطم والبصل والبطاطا مسلوقة والحلبة. والمكوّن الأخير غير متوفّر في الأسواق اللبنانية بالطريقة اليمنية.
ويرتبط طبق "الشفوت" بشهر رمضان. ويخبر عمّار الأشول (طالب جامعي) أنّ امرأة إثيوبية توفّر لهم اللحوح (رقاق الخبز) اللازم لصنع هذا الطبق الذي يُعَد رئيسياً على أيّ مائدة رمضانية في صنعاء. واللحوح يشبه إلى حدّ ما الرقاق الخاص بالكريب الفرنسي، غير أنّ مذاقه ليس حلواً. هو يكون بطعم حامض يشبه أيّام شباب اليمن في غربتهم. على اللحوح، يوضع مزيج من اللبن وصلصة السحاوق وكمّية غير قليلة من البسباس، وهذا غير متوفّر في الأسواق اللبنانية. ويشير الأشول إلى أنّ "في رمضان، يزداد الحنين إلى العائلة والمائدة والروحانيات. وهذا الثلاثي غائب في بيروت، لكنّنا نحاول تعويضه من خلال إفطارات جماعية في أكثر من مناسبة. ولحسن حظنا، تعرّفنا إلى سيّدة إثيوبية تجيد صنع اللحوح وتبيعه بسعر زهيد، وهو ما جعل الشفوت حاضراً على مائدتنا في كل إفطار، وبذلك استطعنا الحصول على صنف من المائدة اليمنية".
اقــرأ أيضاً
في السياق، يقول أحمد عدنان لاعب كرة القدم اليمني الشاب، إنّ "رمضان صنعاء مختلف" معبّراً عن اشتياقه إليه وإلى والدته وخبزها. يضيف عدنان وهو طالب في جامعة خاصة، أنّ "ثمّة شباناً أسكن معهم في البيت نفسه، فنتشارك الوجبات الرمضانية معاً". ويشير إلى أنّ "الشبان هم من اليمن ومن سورية، وقد صرنا جامعة دول عربية في هذه الشقة".
وتدور الدوائر لتعاود السيرة رواية نفسها. شباب أهل اليمن يتركون بلادهم هرباً من قسوة الحرب الدائرة هناك. ومنهم من رحل بحثاً عن فرصة عمل أو مقعد دراسي لاستكمال دراسته العليا. كلّها إشارات إلى أنّ الحياة صارت مستحيلة في "اليمن السعيد".
لكنّ المصائب لا تأتي فرادى. فمع بداية الحرب في البلاد، أقفلت معظم الدول العربية أبوابها أمام اليمنيين ومُنعوا من دخولها بدون تأشيرة مُسبقة. لبنان بين قلة من الدول، وقف إلى جانبهم، وراحوا يحصلون على ختم الدخول من على بوابة مطار بيروت. لبنان قال لهم: تعالوا.
هكذا، وعلى الرغم من غلاء المعيشة في بلد السيّدة فيروز، فإنّه صار مساحة كثُر فيها شباب اليمن الذي صاروا اليوم جالية كبيرة توزّعت على الجامعات ودخلت مجال الإعلام وكذلك الأعمال الخاصة. خلال كل هذا، نجحوا في اختراع بيئة يمنية خاصة بهم في داخل البيئة الاجتماعية اللبنانية، تبرز خصوصاً في شهر رمضان، وسط الحنين إلى اليمن وأجواء الحياة الاجتماعية فيه.
إبراهيم الأشول طالب في جامعة لبنانية خاصة في بيروت، يقول: "أحاول تصريف شهر رمضان بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية. هو الشهر الذي يحضر فيه اليمن بقوة في قلب أيّ يمني يعيش هنا". نسأله كيف، فيتحدث عن التواصل مع الشبان اليمنيين هنا، الأصحاب والرفاق، إذ تُقام تجمّعات وعندما يحين وقت الإفطار يلتقون وكلّ واحد منهم قد أعدّ وجبة يمنية خاصة. وعندما تتعذّر إقامة تلك اللقاءات، يخبر الأشول: "أقصد مطعماً يمنياً يقدّم أكلات يمنية، لكن هذا لا يحدث كل يوم. الميزانية لا تسمح". يضيف المعلومة الأخيرة وهو يضحك.
من جهتها، الإعلامية ماجدة طالب هي اليوم مقدمة برامج في قناة "الساحات" اليمنية التي تبثّ من بيروت، وتقول: "نحاول تمضية هذا الشهر الروحاني باللقاءات بين بعضنا بعضاً نحن اليمنيات المقيمات في بيروت. نقيم جلسات خاصة في انتظار موعد الإفطار، ولكل واحدة منّا مهمّة خاصة في شأن تحضير طبق يمني محدد. أمّا الطبق اليمني الرئيسي فتهتمّ به واحدة منّا". نسأل ماجدة عن كيفيّة جلب المواد الخاصة بالوجبات اليمنية غير المتوفرة في بيروت، فتجيب: "نحن نطلب من الناس الذين يأتون من صنعاء أن يجلبوها لنا". تضيف أنّه "من المستحيل مثلاً العثور على مواد حلقة العصيد والسلتة في بيروت".
تجدر الإشارة إلى أنّ "السلتة" طبق يُقال إنّه من أصول عثمانية، يُصار فيه إلى خلط لحم الدقة (اللحمة المفرومة) مع صلصة الطماطم والبصل والبطاطا مسلوقة والحلبة. والمكوّن الأخير غير متوفّر في الأسواق اللبنانية بالطريقة اليمنية.
ويرتبط طبق "الشفوت" بشهر رمضان. ويخبر عمّار الأشول (طالب جامعي) أنّ امرأة إثيوبية توفّر لهم اللحوح (رقاق الخبز) اللازم لصنع هذا الطبق الذي يُعَد رئيسياً على أيّ مائدة رمضانية في صنعاء. واللحوح يشبه إلى حدّ ما الرقاق الخاص بالكريب الفرنسي، غير أنّ مذاقه ليس حلواً. هو يكون بطعم حامض يشبه أيّام شباب اليمن في غربتهم. على اللحوح، يوضع مزيج من اللبن وصلصة السحاوق وكمّية غير قليلة من البسباس، وهذا غير متوفّر في الأسواق اللبنانية. ويشير الأشول إلى أنّ "في رمضان، يزداد الحنين إلى العائلة والمائدة والروحانيات. وهذا الثلاثي غائب في بيروت، لكنّنا نحاول تعويضه من خلال إفطارات جماعية في أكثر من مناسبة. ولحسن حظنا، تعرّفنا إلى سيّدة إثيوبية تجيد صنع اللحوح وتبيعه بسعر زهيد، وهو ما جعل الشفوت حاضراً على مائدتنا في كل إفطار، وبذلك استطعنا الحصول على صنف من المائدة اليمنية".
في السياق، يقول أحمد عدنان لاعب كرة القدم اليمني الشاب، إنّ "رمضان صنعاء مختلف" معبّراً عن اشتياقه إليه وإلى والدته وخبزها. يضيف عدنان وهو طالب في جامعة خاصة، أنّ "ثمّة شباناً أسكن معهم في البيت نفسه، فنتشارك الوجبات الرمضانية معاً". ويشير إلى أنّ "الشبان هم من اليمن ومن سورية، وقد صرنا جامعة دول عربية في هذه الشقة".
المساهمون
المزيد في مجتمع