على مستوى أسواق اليمن الإلكترونية، تحوّلت اليمن إلى سوق مفتوحة للهواتف المستعملة والمقلّدة، ولم يعد هناك شيء اسمه "وكالة" أو "جديد"، ولكن ظروف الناس الاقتصادية المتردّية ربما هي من جعلت من الهواتف والإلكترونيات المستعملة أسواقًا مفتوحة وتجارة مزدهرة ولكنها مليئة بالاستغلال.
ربّما انتشرت في جميع أنحاء العالم تجارة إعادة بيع أجهزة الموبايل المستعملة وشرائها بسبب الكميّات الضخمة من الأجهزة التي تضخّها مصانع شركات الموبايل العالمية للأسواق، سواء كانت من الشركات التجارية المعروفة ذات الماركات العالمية، أو تلك الشركات التي انتشرت بكثرة في بعض دول العالم الثالث تتزعمها الصين كدولة كبرى وهي تعيد صناعة أجهزة الموبايل بترخيص من الشركة الأم او بإنتاج أجهزة مقلّدة بتكلفة بسيطة.
الشاب خالد أحمد (30 سنة)، يرى انتشار هذه التجارة، ضاعف من الطلب على منتجاتها، حتى أن عائلات كثيرة أصبح كل أفرادها يمتلكون جهازًا خاصًا بهم حتى أصغرهم سنًا، معتبرًا أن الموبايل صار بالفعل جهازًا مهمّاً لمن يحتاجه لإنجاز مهامه والتواصل مع أفراد أسرته وأصدقائه والآخرين بكل سهولة ويسر على حدّ تعبيره.
في اليمن ارتفع عدد المشتركين في شركات الاتصالات (الموبايل) إلى أكثر من أربعة ملايين مشترك، وحقّقت السوق اليمنية لأجهزة بيع وشراء أجهزة الموبايل طفرة نوعية نظرًا للإقبال الكبير على تلك الأجهزة الجديدة المتطوّرة، وعلى بيع وشراء الأجهزة القديمة المستعملة.
البيع بأسعار الأجهزة الجديدة
المشكلة طبقا لمهندس الإلكترونيات معمر أحمد، هي أن بعض أصحاب المحلّات الخاصة ببيع الهواتف يتلاعبون بأسعار الجوالات المستخدمة إلى أقصى ما يستطيعون، ضاربين بجهل المستهلك السعر عرض الحائط، ولا يقتصر "الضرر" على أن يدفع المشتري قيمة عالية لجهاز لا يستحق ذلك السعر فحسب، بل حين يدفع الزبون لقاء جهاز مستعمل مبلغًا يضاهي سعر الجهاز الجديد نفسه، ويُفاجأ بعدها بعطل يصيب الجهاز بعد ساعات من شرائه، بعد أن تمت صيانته بأوفر طريقة لكي يشتغل أمام الزبون الباحث عن جهاز مطابق للجديد، دون أن يعلم عمّا يحاك له من قبل بعض البائعين.
من جهته يقول الطالب الجامعي، عصام القدسي، في حديث مع "جيل": "أصبحت السوق الإلكترونية في اليمن أكثر المرافق حيوية، آلاف الأجهزة المستخدمة تصل إلى التجّار، وتتم إعادة صيانتها، وتحسين مظهرها الخارجي، وبيعها للمواطن مع عيوبها ومشاكلها، دون ضمانات للمواطن، أي يصبح المواطن هو الضحيّة، لكن يمكن إرجاع الأمر إلى عدم وجود قوانين وضوابط أو بالأحرى غياب رقابة فاعلة على هذه الأسواق وفحص كل الأجهزة الإلكترونية التي تدخل إلى البلد".
ويضيف المتحدّث أن ارتفاع عدد التجّار والمستوردين للهواتف وبقيّة الأجهزة الإلكترونية كسر الهيمنة للوكالات التي كانت تسيطر على السوق وتفرض أسعارًا باهظة الثمن، اليوم، بحسبه، أصبح الشعب بكل فئاته يمتلك أجهزة الموبايل، كما أنه وسّع من مشاريع الدخل المحدود وتشغيل فئة من الشباب وهذه تحدّ من نسب البطالة ولو بقدر ضئيل".
كسر هيمنة الوكالات
الوكالات التي كانت تستحوذ على السوق تأثرت بشكل كبير، ولم تعد تعمل كما كانت في السابق. يظهر هذا التأثير واضحًا ربما من خلال التحذيرات التي تطلقها الوكالات ما بين وقت وآخر.
ومن بين تلك التحذيرات التي رصدها "جيل"، تحذير شركة "سام إلكترونكس" (وكيل سامسونغ الحصري في اليمن) والذي يقول: "تمثّل الهواتف المزيّفة وغير الأصلية الكمية الأكبر في السوق اليمنية، هناك منها ما هو مشابه لهواتف سامسونغ، ومنها ما هو مطابق للشكل الخارجي، ومختلف في النظام الذي يُعتبر أهمّ عنصر في أي هاتف (نظام التشغيل)، أيضًا منها ما يُسمّى بالأميركي ويدّعي أصحابها أنها وكالة، بينما هي مجدّدة ونظامها غير أصلي، وقطعها مبدّلة، ولا يُمكن اكتشافها سوى من قبل مهندسين متخصّصين، وهذا يشكّل خطرًا على المستخدم من ناحية المعلومات والبيانات داخل الهاتف، وأيضًا فإنك لا تأمن على هذه البيانات من عدم نشرها وتداولها من قبل القراصنة، كما أنّها معرّضة للتعليق والانطفاء المفاجئ، والمشكلة الكبرى أنها تباع بدون ضمان ولو لأسبوع واحد".
غش وإنكار
الكثير من أصحاب المحال التجارية الخاصّة في بيع الأجهزة المستخدمة، تقوم ببيع أجهزة مجهولة المصدر بدون كرتون وشاحن وضمان، وعادة - إذا توفّر- لا يتجاوز الضمان 24ساعة.
يؤكد الشاب محمد الحمادي، على أنه تعرّض للنصب، بعد أن أقنعه بائع بشراء جهاز مستعمل، وذكر له أنه "نظيف" ويعمل بشكل جيّد، إلاّ أنه عندما عاد إلى منزله وحاول أن يجري اتصالًا هاتفيًا بواسطة الجوّال المستخدم، فإذا به لا يتصل لوجود مشكلة هاتفية في أبراج الجهاز، ويقول إنه عندما عاد إلى المحل ذاته وعرض عليه المشكلة ردّ عليه البائع نفسه "أنا أوّل مرّة أشوفك. ولم أبع لك أي جوّال".
ضمان يومين وتشغيل مؤقت
الكثير من الأجهزة وطبقا لكثيرين من المستخدمين صارت مقلّدة، أو أنها أجهزة تتمّ إعادة تصنيعها بشكل لا يلبّي طموحات المستخدمين، ولا تخدم طويلًا. والدليل هو أن أغلبيّة المحال التجارية لا تمنح الزبون ضمانات أثناء شراء الجهاز سوى ساعات، الأمر الذي يجعل كثيرين عاجزين عن استعادة أموالهم أو استبدال أجهزتهم بأخرى.
ويشير الشاب حمزة أحمد في حديثه مع "جيل"إلى أنه اشترى جهاز جوال مستعملاً، ومنحه المحل ضمانًا لمدّة يومين فقط، وبعد أسبوع تقريبًا أصبحت شاشة الجوال غير واضحة، وبطارية الجوال تتطلّب شحنًا كل ساعتين، وعندما عاد إلى صاحب المحل كان جوابه "أنا ضمنته لك يومين بس".
غياب الرقابة
ومن وجهة نظر الصحافي مفيد الغيلاني، فإن "ركيزة الاقتصاد التجارية في اليمن لم تقف يومًا على قدميها، فمنذ أكثر من ثلاثة عقود والمافيا وحدها من تدير هذا المجال بعيدًا عن الدولة والقانون، إن لم تكن الدولة هي من تقف في صف المافيا ضدّ القانون".
ويقول في حديث مع "جيل": "ما نلاحظه من تكدّس السوق المحليّة بمنتجات مستعملة أقرب إلى التلف منها للاستخدام، باعتقادي أن السبب في ذلك مشترك بين الهيئة العامة للمقاييس والمواصفات وجمعية حماية المستهلك، فالتاجر يذهب لجلب بضاعة لا تنطبق عليها أدنى معايير الجودة والمواصفات الدولية وهنا يأتي دور الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، التي تسمح لمثل هؤلاء المستثمرين باستيراد هذه الأجهزة غير القابلة للاستخدام أو القريبة للتلف فيضطر المستهلك إلى أن يأخذ هذا المنتج إما جهلًا منه بسبب غياب دور جمعية حماية المستهلك بتوعيته، أو أنه لا يجد البديل المناسب".