سياسة الردع الأميركية... من سليماني إلى روسيا والصين

15 يناير 2020
بومبيو: أميركا تحظى بأفضل موقع قوة (فيليب باشيكو/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن الهدف الأميركي في استهداف قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في 3 يناير/كانون الثاني الحالي، مجرّد ضربة موجّهة لإيران، بقدر "ما كانت تصبّ في إطار استراتيجية أوسع لردع التحديات التي يشكلها خصوم الولايات المتحدة والتي تنطبق أيضا على الصين وروسيا"، حسبما جاء في خطاب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، مساء الاثنين في معهد هوفر بجامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا. لكن العديد من الخبراء الاستراتيجيين، اعتبروا أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب تعمل بصورة عشوائية وغير محددة المعالم، بما يشرّع الأبواب أمام مخاطر عملية وتداعيات سلبية لتلك الخطوات غير المدروسة.

وفي سياق الخطاب لم يُشر بومبيو إلى خطر الهجمات الوشيكة التي خطط لها سليماني، بل ركّز في خطابه الذي حمل عنوان "استعادة الردع: المثال الإيراني"، على ما سمّاه استراتيجية الإدارة لبناء "ردع حقيقي" ضد إيران، بعد سياسات الجمهوريين والديمقراطيين السابقة التي شجعت طهران على "النشاط الخبيث". وقال بومبيو إن هناك "استراتيجية أكبر" وراء مقتل سليماني، مضيفاً أن "الرئيس (دونالد) ترامب والقادة منا في فريق الأمن القومي يعيدون بناء الردع، الردع الحقيقي، ضد الجمهورية الإيرانية". وشدّد على أنه "يجب أن يفهم خصمك أنك لا تملك القدرة على فرض التكلفة فحسب، بل أنك على استعداد للقيام بذلك". وتابع قائلاً إن الاتفاق النووي الإيراني الموقّع في عام 2015، الذي انسحب منه ترامب في عام 2018، زاد طهران جرأة. وقال إن "الولايات المتحدة تتمتع الآن بأفضل موقع قوة لم نكن فيه قط فيما يتعلق بإيران"، مشيراً إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأميركية التي أعاد ترامب فرضها بعد انسحابه من الاتفاق النووي.

ونوّه بومبيو إلى أن "أهمية الردع لا تقتصر على إيران. في جميع الحالات، يجب أن نردع الأعداء للدفاع عن الحرية. هذه هي النقطة الرئيسية لعمل الرئيس ترامب على جعل جيشنا أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى". وأعاد بومبيو التذكير باستئناف المساعدات العسكرية لأوكرانيا للتصدّي للانفصاليين الذين تدعمهم روسيا في الشرق الأوكراني، وانسحاب ترامب من اتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع روسيا، وإجراء اختبارات صواريخ كروز جديدة متوسطة المدى. كما تحدث عن زيادة المناورات البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي، رداً على عسكرة الصين للجزر المتنازع عليها، وفرض ترامب الضرائب الجمركية على الواردات الصينية كجوانب لاستراتيجية الردع التي تتبعها الإدارة. وأكد بومبيو "نحن نعيد المصداقية لقوة الردع".

كلام بومبيو عن استراتيجية الردع جاء في فترة رفض فيها الديمقراطيون وبعض المشرّعين الجمهوريين مبررات الإدارة، بأن الهجوم على سليماني، كان بهدف "الدفاع عن النفس" في ظلّ إعلانها عن وجود معلومات استخباراتية لم تكشف عنها بشأن هجمات إيرانية وشيكة. وقال ترامب إن الأهداف المحتملة تشمل أربع سفارات أميركية، علماً أن وزير الدفاع مارك إسبر، كشف أنه لم يطّلع على أي تحذير مسبق من الهجمات الوشيكة على السفارات.



في السياق، نقلت الكاتبة في موقع شبكة "سي أن بي سي"، ناتاشا توراك، عن الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بين عامي 2009 و2010، قوله إن سقوط النظام الإيراني اقترب خطوة في العام الأخير، بفعل العقوبات عليه وعزل النظام، فضلاً عما وصفها "القرارات الكارثية" في قضية اغتيال سليماني. وقال جونز "أعتقد أن من الواضح أن النظام في إيران مرّ بأسبوعين سيئين للغاية"، في إشارة للاحتجاجات الشعبية واغتيال سليماني والردّ الإيراني عبر قصف القواعد الأميركية في العراق، وإسقاط طائرة مدنية أوكرانية خطأ.

من جهته، ذكر الأمين العالم السابق لحلف شمال الأطلسي، خافيير سولانا، أن اغتيال سليماني كان خطوة متهورة وقصيرة النظر واستفزازية، معتبراً أن لا استراتيجية أميركية واضحة في الشرق الأوسط. وفي مقال كتبه في "ماركت ووتش"، يوم الاثنين الماضي، رأى سولانا أن "لا خطة ولا استراتيجية واضحة لترامب والولايات المتحدة تجاه إيران". واعتبر أن ترامب تجاهل عبارة الإمبراطور الفرنسي، نابوليون بونابرت "لا تقاطع عدوك حين يرتكب خطأ"، لافتاً إلى أن الأميركيين تعاملوا بشكل فوضوي مع قرار البرلمان العراقي، بانسحاب القوات الأجنبية من العراق. وقارن سولانا بين تعامل ترامب إزاء الملف النووي لكوريا الشمالية، والتي كانت إيجابية مقارنة مع ضغطه على الإيرانيين، الذين أبدوا رغبتهم في البقاء في الاتفاق النووي مراراً، معتبراً أن ترامب أخطأ في شأن إيران.

بدوره، رأى البروفسور في جامعة هارفرد، ستيفن وولت، أن "إدارة ترامب لا تملك استراتيجية حقيقية، بل سياسة الإكراه بالقوة الوحشية، ينفّذها رئيس جاهل مع سيطرة ضعيفة"، مضيفاً أنه "بعد نحو ثلاث سنوات من ولايته، زاد الرئيس دونالد ترامب من مخاطر الحروب، ودفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي تدريجياً، واستفز العراق للمطالبة بخروج القوات الأميركية منه". ورأى وولت أن "قصر النظر الاستراتيجي هذا يتجاوز الشرق الأوسط نحو الصين"، أي عكس ما قاله بومبيو في ستانفورد.

وشرح وولت "إذا فكرت استراتيجياً، فستبدأ في البحث عن طرق للحد من النفوذ الصيني بأقل تكلفة ومخاطر على الولايات المتحدة نفسها. عليك أن تفهم أن الولايات المتحدة لا يمكنها إيقاف أو عكس النمو الاقتصادي الصيني. وستعمل على محاولة منع الصين من الوصول إلى موقع مهيمن في التقنيات التي يحتمل أن تغير اللعبة مثل الحوسبة الكمومية والذكاء الصناعي"، ليخلص إلى السؤال "ماذا فعلت الولايات المتحدة بدلاً من ذلك؟"، مجيباً "تخلى ترامب عن شراكة عبر المحيط الهادئ، وهي صفعة في وجه بلدان آسيا والمحيط الهادئ الـ 11، التي عملت بجد للتوصل إلى اتفاق كان من شأنه أن يوفر بعض المزايا الاقتصادية المتواضعة ويبقيها أكثر ارتباطاً بالاقتصاد الأميركي". ورأى أن ترامب لم يجذب باقي القوى الاقتصادية المحيطة بالصين نحوه، في حربه التجارية مع بكين، بل هدد بشنّ حروب تجارية مع معظمهم أيضاً".
(العربي الجديد، رويترز)