وتقوم الأجهزة الفرنسية حالياً بتحقيق دقيق ومعمّق في المحيط العائلي والاجتماعي لغلام، للتأكد مما إذا أحد أفراد شبكة أو "خلية إرهابية نائمة"، كانت بصدد التحضير لاعتداءات في فرنسا. وهذه المرة الأولى التي يواجه فيها المحققون مشروعَ عمليات إرهابية يُنفّذ تعليمات من الخارج. وقد اعتقلت الشرطة صديقة سيد أحمد غلام، وهي شابة تبلغ من العمر 25 عاماً، وتقطن في بلدة سان ديزييه، في ضاحية هوت مارن، مكان إقامة عائلة غلام في الضاحية الباريسية.
وتدور شكوك قوية حول هذه الشابة، لكونها صاحبة السيارة التي كان يستعملها المشتبه فيه، والتي عُثر فيها على أسلحة. ووفق معلومات غير مؤكدة، نقلتها بعض المصادر الإعلامية، فإن المحققين "عثروا على أسلحة في بيت الشابة"، مما قد يعزز فرضية وجود شبكة منظمة، كانت تستعد في الخفاء لتنفيذ اعتداءات. وكانت شرطة مكافحة الإرهاب قد تأكدت يوم الأربعاء، أن الشاب الجزائري كان على علاقة منتظمة بشخص مجهول في سورية، بحسب التدقيق الذي قام به المحققون لهاتفه وحاسوبه الشخصيين. وأعلن رئيس الوزراء مانويل فالس، أن هذا الشخص "هو من أعطى غلام الأوامر باستهداف الكنائس، وأرشده إلى طريقة تنفيذ العملية".
وعدا عن الأسلحة، كانت الشرطة قد عثرت على وثائق ومخطوطات في شقة الشاب، بعضها يعود لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، والآخر لتنظيم "القاعدة". وتؤشر المخطوطات إلى أن غلام كان على وشك تنفيذ اعتداء ضد "كنيسة أو كنيستين" في ضاحية "فيل جويف" الباريسية.
وما يؤرق المحققين الفرنسيين، حالياً، هو معرفة كيفية حصول غلام على الكميات الهائلة من الأسلحة في سيارته وشقته، والتحقق من مصدرها. وعلى الرغم من محاولات المحققين استنطاق غلام في جناح خاص بمستشفى "أوتيل ديو" في باريس، حيث يتلقى العلاج من جراحه، إلا أنه لا يزال يلتزم الصمت ويرفض التعاون والإجابة عن أسئلة المحققين. وذكرت مصادر مقرّبة من التحقيق، أن "غلام في حالة غريبة ويبدو أنه مرعوب من فكرة الحديث إلى المحققين".
ودخل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، على الخط، يوم الخميس، وحيّا نجاح الأجهزة الفرنسية في اعتقال غلام و"إحباط المخطط الإرهابي الذي كان على وشك تنفيذه". وأكد هولاند أن "فرنسا لا تزال هدفاً للتهديدات الإرهابية، وعليها أن تعزز من قدراتها الاستخباراتية الوقائية". وكان فالس قد اعتبر أن "الإرهابيين يستهدفون فرنسا لزعزعتها وتقسيمها"، مشدداً على "ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والحزم الأمني في مواجهة التهديدات الإرهابية".
اقرأ أيضاً: فرنسا تنسحب "جزئياً" من الحرب على "داعش" بانسحاب "ديغول"
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، أن "المشتبه فيه كان مراقباً من طرف أجهزة الاستخبارات، التي كانت على علم بمحاولاته الذهاب إلى سورية، وأنه زار تركيا لفترة وجيزة خلال العام الحالي، في محاولة للالتحاق بصفوف الجهاديين في سورية".
وتأكدت الأجهزة الفرنسية من ضلوع سيد أحمد غلام في قتل شابة فرنسية، تدعى أوريلي شاتلان، في ضاحية "فيل جويف" الباريسية، السبت 18 أبريل/نيسان، بعد أن عثرت على بصماته في السيارة التي وُجدت فيها الضحية مقتولة بطلق ناري، من مسدس عُثر عليه في شقته. ورجّحت الشرطة أن يكون هدف القاتل سرقة سيارة الضحية لاستخدامها في تنفيذ خطته في الاعتداء على الكنائس، وأن الصدفة وحدها ساقت الشابة إلى التواجد في طريق غلام، الذي لم يتردد في قتلها بعد مقاومته.
واللافت أن الشرطة توصلت إلى المشتبه فيه بالصدفة تقريباً حين عمدت، يوم الأحد، لمعاينة شخص جريح، زعم أنه تعرض لاعتداء بالرصاص في الدائرة 13 بباريس، وتعلّق الأمر بغلام الذي قال للشرطة إنه أطلق النار على ساقه عن طريق الخطأ.
وبفضل آثار الدماء، اهتدت الشرطة إلى سيارة المشتبه فيه والتي كانت مركونة قرب مسرح الجريمة، وعندما اكتشفت وجود أسلحة بداخلها تم إعلام شرطة مكافحة الإرهاب، التي باشرت تحقيقاتها مع المشتبه فيه. وفي وقت لاحق داهم المحققون شقته وعثروا على الأسلحة والوثائق.
وفور الإعلان عن اعتقال غلام، عززت السلطات الفرنسية الإجراءات الأمنية لحماية الكنائس في فرنسا بعد أن كانت الحراسة مشددة تحديداً على المساجد ودور العبادة اليهودية. إلا أن المراقبين أشاروا إلى استحالة حماية كل الكنائس في فرنسا نظراً لعددها الكبير ولانشغال الآلاف من قوات الشرطة والجيش في حماية المنشآت الحساسة والمؤسسات المهمة.
وتعيش فرنسا منذ يناير/كانون الثاني الماضي حالة استنفار أمنية قصوى على كل المستويات منذ سلسلة الهجمات الجهادية، التي هزت باريس ونفذها الأخوان سعيد وشريف كواشي، ضد أسرة تحرير مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، وأيضاً الهجوم الذي نفذه آميدي كوبالي ضد متجر يهودي، وأسفرت هذه الهجمات عن سقوط 17 قتيلاً وتصفية المهاجمين على يد قوات الأمن الفرنسية.
اقرأ أيضاً فرنسا: تكثيف الإجراءات الأمنية بعد كشف مخطط لاستهداف الكنائس