عندما اختار الشباب المغربي أن يصنع "ربيعه"، في 20 فبراير/ شباط 2011، كان شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط، فضاءً للمطالبة بالإصلاح. الشعار الذي وحّد معظم أطياف الشباب المغربي.
والشارع ليس حديث عهد بالاحتجاجات الشبابية، فقد ظل منذ أكثر من عقدين رمزاً للاحتجاج في المغرب. ويكاد لا يمر يوم واحد دون أن يصادف المارّون أو المقيمون بهذا الشارع مسيرة احتجاجية أو وقفة رمزية أو حتى وصلة فنية شبابية.
"محمد الخامس"، الشارع الأشهر في المملكة، يقع في قلب العاصمة المغربية، ويضم بنايات حكومية مهمة لعا ثقل رمزي، منها البرلمان، بل عنه يتفرّع شارع فرعي يوجد فيه مقر القصر الملكي.
هو عند معظم الشباب "الشارع" الذي لا يُعرّف إلا هو. فكل الشوارع نكرة تُعرّف بأسمائها إلا شارع محمد الخامس. فيكفي أن يقول أحد شباب الرباط للآخر إن مكان موعدنا الشارع، حتى يعرف الآخر أن المقصود طبعاً شارع محمد الخامس.
"ثوار" في الشارع
في صباح ذلك الأحد الماطر من شهر فبراير/شباط 2011، لبى الشباب المغربي نداء "الربيع"، في إطار حركة 20 فبراير، وخرجوا إلى شوارع المغرب مطالبين بالاصلاح. الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثالوث شعارات الحركة ردّدها الشباب المغربي، الذي أراد أن يصنع لنفسه "ربيعاً"، لكن على طريقته. فكان شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط رمزاً لكل شوارع المملكة المغربية في أكثر من 70 مدينة وقرية مغربية، خرج الشباب فيها في ذلك اليوم.
أنظار المغاربة وكاميرات القنوات العالمية وعدسات المصورين اتجهت صوب ما ستسفر عنه نهاية مسيرة شارع يقود إلى القصر الملكي. انتهى يوم 20 فبراير بسلام، لكن حكاية رسائل شارع محمد الخامس بدأت، فبعد 18 يوماً، جاء الرد من عاهل المغرب، الملك محمد السادس، بخطاب أعلن فيه تعديل الدستور والدعوة لانتخابات جديدة.
متواعدون وعابرون
لم يكن شارع محمد الخامس في يوم من أيامه "شارع نضال" شبابي فقط. هو شارع للعابرين من الشباب الذين لا تحلو مساءاتهم إلا بالتجوّل فيه جيئةً وذهاباً. فيه يلتقي الشباب والشابات. هو أول ما يصادفه زوار الرباط على متن القطار، حيث المحطة الرئيسية في وسط الشارع، وبوابتها ملتقى المتواعدين.
هو أيضاً "شارع فن"، فقد تصادف مرور مجموعات فنية، بهذا الشارع، تعزف ألحاناً موسيقية، في معظم الأحيان شبابية، خصوصاً في المناسبات أو المهرجانات التي تقام في الرباط، فضلاً عن تجمعات صغيرة لتلاميذ قرب ثانوية مولاي يوسف الشهيرة في رأس الشارع أو في الحديقة المقابلة للمتحف الوطني للفنون المعاصرة، حيث يجتمعون لأداء بعض المقاطع الموسيقية التي يهوونها أو بعض الرقصات الغريبة يؤدونها بإتقان، تزيد من غرابتها أشكال تسريحات شعر بعضهم ولباس بعضهن، مع الخطوات الأولى لتدخين بعض السجائر خلسة.
وله دكاترة
منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، ومع ارتفاع عدد الشباب الحاصلين على شهادات جامعية عليا والعاطلين عن العمل، حل "وافد جديد" بشارع محمد الخامس. إنهم "المعطلون"، الذين لا يزالون يؤثثون فضاء الشارع بمجموعاتهم شديدة التنظيم والمتمايزة بزيٍ موحّد لكل مجموعة. يختار هؤلاء الشباب الحاصلون على شهادات الدراسات العليا والباكالوريوس، والقادمون من مختلف مناطق المغرب، الطواف بشارع محمد الخامس في مسيرات شبه يومية للمطالبة بالإدماج المباشر في الوظيفة العمومية دون غيرها.
ولا تكاد أصوات "المعطلين" تهدأ في الشارع، حتى تلتحق مجموعات أخرى حديثة التخرّج بركب سابقيها في "درب النضال من أجل الوظيفة العمومية".
العراق أولاً.. فلسطين دائماً
في ذاكرة شارع محمد الخامس وكل المغاربة ذكرى "أضخم مسيرة تضامنية مع العراق"، إثر القصف الأميركي لهذا البلد سنة 1991، عمودها الشباب المغربي المتضامن مع الشعب العراقي. يومها لاحت بوادر الانفراج الحقوقي في المغرب، وأصبحت السلطات المغربية تسمح للمتضامنين والمحتجين بـ"احتلال الشارع". منذ ذلك التاريخ الذي ناهز الربع قرن، والمغاربة يخرجون في مسيرات في شارع محمد الخامس والشوارع المحيطة والمتفرعة عنه، وكانت فلسطين عنواناً دائماً لهذه المسيرات.
ولا تغيب فلسطين عن شارع محمد الخامس، وعن شباب المغرب، فلا تمر ذكرى من ذكريات الجرح الفلسطيني: نداء من أجل النصرة، أو حدث من الأحداث الأليمة التي لا تنتهي، حتى يتنادى الشباب المغربي إلى اللقاء في شارع محمد الخامس، على أمل أن يلتقي الفلسطينيون على أرض اللقاء، هناك في فلسطين.