من أمام جامعة صنعاء في العاصمة اليمنيّة، أطلق الشباب شرارة الثورة الأولى. وكانت حماستهم بمثابة الدافع الأقوى لاستمرار احتجاجاتهم، على الرغم من كل المثبطات والتحديات التي واجهوها. وكانت ساحة التغيير في صنعاء تعجّ بما يزيد على 500 ائتلاف شبابي بالإضافة إلى نحو 19 منسقية عليا، بعضها تابع لهذه الائتلافات وبعضها الآخر مستقل. أما مسميات هذه الائتلافات والمكوّنات الشبابيّة، فقد تنوّعت بحسب الهدف أو الجغرافيا أو حتى التخصّص المهني.
لكن بمجرّد التوقيع على المبادرة الخليجيّة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 التي قضت بتسليم الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، الحكم لنائبه، عبد ربه منصور هادي، (رئيس البلاد اليوم)، اختفت معظم هذه الائتلافات والتكتلات. لم يعد لها وجود ولا تأثير في الواقع المجتمعي اليمني. أين هم الشباب؟ أين اختفت مئات الائتلافات والتكتلات الشبابيّة التي ظهرت في عام 2011؟ يحاول المنسق الإعلامي للثورة الطالبية 15 يناير محمد الشرعبي الإجابة، فيقول لـ "العربي الجديد": "وجدت تكتلات شبابيّة كثيرة، منها المستقلّ ومنها الهلاميّ ومنها التابع لأحزاب سياسيّة. ونزول الأحزاب السياسية كان لإفساد الوجود الشبابي وتفكيكه، بهدف السيطرة على قرار الثورة وحركتها وصولاً إلى التفاوض باسم الثوار، بعدما قتلت روح المبادرة في نفوس الشباب الفاعلين الذين يمثلون قلب الثورة".
يضيف أن "الأحزاب استبدلت المكونات الشبابيّة الثوريّة المعبّرة عن خيارات الشعب، بمكوّنات حزبيّة هزيلة ومُسيّرة غير قادرة على مواكبة المتغيّرات المتسارعة في البلاد". وما يلبث الشرعبي أن يبدي تفاؤلاً إذ يقول: "على الرغم من أن الشباب تعرضوا لإقصاء ممنهج، إلا أن إرادتهم ما زالت صلبة تعبّر عن مطالب شعبيّة مشروعة". بالنسبة إلى الكاتب، محمد المقبلي، وهو ناشط في الثورة الشبابيّة، فقد "استحوذت الأحزاب عبر اللجنة التنظيميّة للساحة على مؤسسات الثورة، وهو الأمر الذي أدّى إلى عدم ظهور مشروع مؤسسي ثوري مدني ناضج يترجم أحلام الشباب وتطلعاتهم". يضيف: "مورِست سياسة إقصائيّة تمييزيّة تجاه الحركات الشبابيّة الحرّة من تلك التابعة للأحزاب. هو تمييز في التعامل وتمييز في الخطاب وتمييز حتى على مستوى الوجبات الغذائيّة المقدّمة للمعتصمين في الساحة".
من جهته، يؤكد هاشم الأبارة وهو من القيادات الشبابيّة في ثورة التغيير وأحد الذين أصيبوا في التحرّك، مقولة إن "ائتلافات شبابيّة كثيرة كانت منتجات حزبيّة وتفريخات ﻷطراف سياسيّة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة". ويشير إلى أن حركات 3 فبراير و15 يناير في صنعاء والثورة الطالبيّة، هي الوحيدة التي عبّرت عن الرغبة الحقيقيّة في التغيير. ويصف الأبارة تدخّل الأحزاب في العمل الشبابي بـ "اللعبة الخبيثة"، لافتاً إلى أنه يشعر "بالخديعة ومرّ خيانة الأحزاب السياسيّة ﻷحلام الجماهير وطموحاتها وتضحياتها". ويشدّد على أن الشباب إذا أحسنوا الظن بما ارتكبته الأحزاب، فإن ما حدث هو خطة فاشلة لإبراز التنوّع على الساحة الثوريّة".
ويتابع الأبارة أن "الأحزاب السياسيّة قاومت الفعل الثوري الشبابي في داخل الساحات، واغتصبت أدواته من إعلام وغيره وأعادت توجيهه مدّعية الخبرة والمسؤوليّة. فأنتجت هذه النسخة المشوهة من الثورة، وتحولت إلى مشكلة جديدة ضاعفت من المشاكل والاختلالات التي قامت ضدها".
إلى ذلك، يقول وليد العمّاري، وهو أحد القيادات الشبابيّة في ثورة التغيير إنه من غير الممكن إحصاء عدد تلك الائتلافات بدقّة لأن بعضها "مجرّد أسماء وهميّة". وعن اختفاء المكوّنات الشبابيّة الثوريّة في هذه المرحلة، يقول إن بعضها تحوّل إلى منظمات مجتمع مدني. أما كثير منها، فكان مبنيّاً على أشخاص. وعندما انشغل هؤلاء باهتماماتهم الخاصة، ذابت المكوّنات. ويوضح: "خلال ذروة ثورة التغيير، تفرّغ عدد كبير من الشباب للعمل الثوري في الساحات، وكانت المكوّنات الثورية شغلهم الشاغل. وبعد العودة إلى الحياة الطبيعيّة، لم تعد المكوّنات الثوريّة تلقى اهتمام هؤلاء".
ويلفت العمّاري إلى أسباب ماليّة كانت من بين أخرى وراء اختفاء المكوّنات الشبابيّة عن الساحة اليمنيّة، كونها قللت من إمكانيّة الاستمرار في العمل التنظيمي الثوري.
أما رياض الأحمدي وهو أحد أوائل الشباب الذين نزلوا إلى الشارع مطالبين برحيل النظام، فيشير إلى صعوبة تشكيل "مكوّن فعلي باسم الشباب في ظل أجواء الاستقطاب والاختراقات التي سعت إلى تمزيق الثورة، بالإضافة إلى تضارب الاقتراحات المصحوبة بفوران الشباب".
ويتحدّث الأحمدي عن صعوبة صمود مجموعات شبابيّة غير منظمة لأشهر طويلة، الأمر الذي "جعل المجموعات المنتمية إلى تنظيمات سياسيّة أو مكوّنات ثوريّة متماسكة هي التي تصمد إلى النهاية"، في إشارة منه إلى منسقيّة شباب الثورة وحركة 15 يناير.