05 نوفمبر 2024
شمعة الثورة الأولى
اليوم، حيث تنكتب هذه المقالة، مساء 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، نطفئ، نحن اللبنانيين، بفرح عظيم، الشمعة الأولى لمرور شهر على ولادة الثورة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. شهرٌ كأنّه دهرٌ في نظرنا، نحن الذين لسنا نصدّق، إلى الآن، انبعاثنا وقيامتنا بعد مواتٍ دام أكثر من أربعين عاما. أجل، كلُّ يومِ صمودٍ وانتفاضٍ ومقاومةٍ في ثورتنا هذه يوازي عامًا كاملا من استباحتنا وإذلالنا وسرقة لقمة عيشنا ومصادرة إرادتنا والمتاجرة بأرواح أبنائنا وإفساد هوائنا ومياهنا وعقولنا. بل إنّ كلّ يومٍ في الثورة القائمة هو بمثابة أعوام تزيدنا يقينا من أننا لن نتراجع مهما ناوروا وتآمروا وحاولوا ودبّروا، ولن نترك الساحات والشوارع لنعود إلى عيشنا السابق، مهما رهّبوا وتوعّدوا وهدّدوا، ولن نطأطئ الرؤوس مستسلمين، أو مُقرّين بأننا حتما خاسرون في مواجهة طغمةٍ غاشمةٍ شرسةٍ لن توفّر جهداً لإجهاض ثورتنا ودحرها. اليوم، وبعد مضيّ 32 يوماً على بدئها، تأكّد لنا أننا أزيد عدداً، وأكثر قوة، وأشدّ صلابة منهم، وأننا أكثر من محقّين ومتّحدين في مقاومة شرّهم وجشعهم وسرطانهم الذي تمدّد بطيئا، وانتشر طويلا ليطاول البلاد بأسرها. واليوم، بات واضحا لنا، وضوح الشمس، أنّ هناك "نحن" وهنالك "هم"، أنّ هناك شعبا وهنالك "هم"، وأن ثمّة أسوارا منيعة بنتها الثورة فسيّجتنا وفصلتنا نهائيا عنهم.
ترتفع الشعارات، وتشتدّ الأيدي، وترفرف الأعلام، وتعلو الهتافات، من أقصى شمال لبنان إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه، نهارا وليلا، صحوا وشتاء، والـ"هم" تتحرّك كبهيمة خرافيّةٍ متعدّدة الأطراف، وقد استشعرت الخطر، فمضت تردّد الخطابَ نفسه، وتعيد اللازمة نفسها، وتستعيد المنطق ذاته، مرسلة أبواقها لتحرّف الخبر، وتسمّم الجو، وتسرّي الإشاعة، وتنفي الواقع وتعترض. فيا أيها الـ"هم"، افهموا أنه لم يعد سهلا التعاطي معنا، لأننا لم نكتشف فسادَكم اليوم فجأة، بل إننا نحفظه ونتقنه، وقد رعيناه فكبر من عرق جبيننا، ودموع أعيننا ولحم فلذات أكبادنا. عدا عن أن ما كان يقلقنا ويخيفنا لا يُقلق أولادنا ولا يخيفهم، لأنهم من طينةٍ أخرى، من زمن آخر، وهم لا يُدينون لكم بشيء اللّهم سوى بقهرنا وإذلالنا. أجل، بلادُهم ليست بلادكم، ولغتهم ليست لغتكم. وهم، كلّما اجتمعوا واتحدوا عابرين للطوائف والأحزاب والشيع والمذاهب، انفصلوا عنكم ونأوا. والحال أننا ما عدنا ندري كيف نخاطبكم أو نفهمكم أو نقنعكم بهذا، وبأننا، بمعيّتهم، ما عدنا نسمعكم أو نراكم أو نعتبركم، أنكم قد خرجتم أخيراً من جلودنا وعقولنا وأفئدتنا، كما تخرج جرثومة لعينة اكتشفنا أخيرا لها لُقاحاً ودواء...
اثنان وثلاثون يوماً، ونحن نتقدّم خطوة تلو الأخرى، ونحققّ فوزاً تلو الآخر، على ذواتنا، على خوفنا، على تورّطنا وورطتنا التي هي أنتم. يومًا إثر آخر، ساعة تلو الأخرى، بالدقائق والثواني نصنع زمنَ الثورة، نحبكه، نخيطه، نرتُقه، ننسجه، ننحته، نحفره، بما يقع تحت أيدينا، بما نجده في قعر جيوبنا، بما تسرّه لنا أفكارنا. وإذ يأتي الصباح التالي ليذكّرنا بما يؤرقنا، بما ينقصنا، نستعير لضيقنا وعوزنا لحنا وورقا وسكّرا، ثم نسارع إلى أنفسنا لنجدها في الساحات، وقد سبقتنا إليها ووقفت هناك تنتظرنا...
واليوم أخيرا، فاز المحامي ملحم خلف، الناشط والمستقلّ، في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، على مرشّحي أحزاب السلطة، وقد اعتبر فوزه انتصاراً للثورة، وخطوة أولى على طريق استرداد النقابات كلّها استقلاليّتها وفاعليتها. وبعد أيام، سوف يجري الاحتفال بذكرى استقلال لبنان الـ76، وهو سيكون الأول في نظرنا ولا ريب، إذ سيكون أخيراً، بفضل الثورة، ميعاد إعلان ميلادنا الجديد، شعبا واعيا موحّدا، في البلد الجميل الذي اسمه لبنان.
اثنان وثلاثون يوماً، ونحن نتقدّم خطوة تلو الأخرى، ونحققّ فوزاً تلو الآخر، على ذواتنا، على خوفنا، على تورّطنا وورطتنا التي هي أنتم. يومًا إثر آخر، ساعة تلو الأخرى، بالدقائق والثواني نصنع زمنَ الثورة، نحبكه، نخيطه، نرتُقه، ننسجه، ننحته، نحفره، بما يقع تحت أيدينا، بما نجده في قعر جيوبنا، بما تسرّه لنا أفكارنا. وإذ يأتي الصباح التالي ليذكّرنا بما يؤرقنا، بما ينقصنا، نستعير لضيقنا وعوزنا لحنا وورقا وسكّرا، ثم نسارع إلى أنفسنا لنجدها في الساحات، وقد سبقتنا إليها ووقفت هناك تنتظرنا...
واليوم أخيرا، فاز المحامي ملحم خلف، الناشط والمستقلّ، في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، على مرشّحي أحزاب السلطة، وقد اعتبر فوزه انتصاراً للثورة، وخطوة أولى على طريق استرداد النقابات كلّها استقلاليّتها وفاعليتها. وبعد أيام، سوف يجري الاحتفال بذكرى استقلال لبنان الـ76، وهو سيكون الأول في نظرنا ولا ريب، إذ سيكون أخيراً، بفضل الثورة، ميعاد إعلان ميلادنا الجديد، شعبا واعيا موحّدا، في البلد الجميل الذي اسمه لبنان.