14 نوفمبر 2024
صادق خان... جدل الهويات والديمقراطية
يعيد انتخاب صادق خان عمدةً لمدينة لندن إلى الواجهة قضايا الهوية والهجرة والتعدّدية الثقافية والديمقراطية في تفاعلاتها المختلفة داخل المجتمعات الأوروبية. ومؤكد أن هذا الحدث سيدفع الجاليات العربية والمسلمة إلى دائرة نقاشٍ واسع، ليس أقل عناوينه أهميةً مدى قدرتها على الاندماج السلس والمُثري في هذه المجتمعات، من دون توتراتٍ مكلفةٍ، تكون لها تبعات على تماسكها الاجتماعي.
في هذا السياق، يشير فوز خان بمنصب عمدة مدينةٍ في حجم لندن وأهميتها إلى أن سياسات الهجرة والاندماج في أوروبا تختلف من بلد إلى آخر. وبسماحها بانتخاب عمدة مسلم لعاصمتها العريقة، تكون بريطانيا قد انعطفت بسياسة التعددية الثقافية التي تنهجها، منذ سنوات، صوب آفاق جديدة، تنبئ بتحوّل نوعي، تُصبح معه الهويات الدينية والإثنية المختلفة التي تشكل جزءاً من نسيجها المجتمعي رافداً ثقافياً وسياسياً، يُعزز البناء الديمقراطي، ويعطيه نكهةً مغايرةً، ويدفع به إلى الأمام. ويعني هذا الانتخاب، بشكل أو بآخر، أن اندماج المهاجرين، لا سيما الذين يتحدرون من أصولٍ عربية ومسلمة، يمكن أن يتم من دون تصدّعاتٍ هوياتيةٍ وثقافيةٍ كبيرة ومكلفة. فعلى الرغم من قوة اليمين البريطاني وجماعات الضغط والمصالح الاقتصادية والسياسية المرتبطة بشبكات نفوذه المتعددة والمتغلغلة داخل مراكز القرار، إلا أن ذلك لم يقف عثرةً أمام خوض صادق خان الانتخابات، وفوزه على منافسه 'غولد سميث' الذي يمثل قوى المحافظة التقليدية في بريطانيا. وكان دالاً الانقسام الواضح داخل حزب المحافظين، بعد ظهور النتائج والإعلان الرسمي عن فوز خان، حيث انتقد كثيرون من أنصاره أسلوب 'غولد سميث' في إدارة حملته الانتخابية، والتي ركّز فيها، بشكل مبالغ فيه، على الخلفية الدينية لخصمه، وعلاقته بمتشددين إسلاميين، تاركاً برنامجه الانتخابي الذي يرى كثيرون أنه لم يتضمن جديداً على المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.
ويجب ألا يحجب تركيز وسائل الإعلام والمحللين على عامل الهوية في فوز خان، والذي يستقي كثيراً من مبرراته من الظرفية الحالية المتسمة بصعود الفكر الجهادي والتكفيري وانتشار أعمال العنف والإرهاب وتزايد مظاهر الإسلاموفوبيـا والعنصرية وسوء الفهم المتبادل بين الغرب والإسلام، يجب ألا يحجب عوامل أخرى، لا تقل أهميةً في تفسير هذا الفوز، وأبرزها ما يتصل بالأزمة العميقة التي تعرفها الديمقراطيات الغربية منذ عقود. وهي أزمةٌ تعود، في بعض جوانبها، إلى التراجع الملحوظ لتأثير الطبقات الوسطى في الغرب على السياسيات العمومية والتوازنات الاجتماعية المرتبطة بها، واتساع الفجوات الطبقية، وتزايد الخوف من زحف الرأسمالية المتوحشة إلى مختلف مناحي الحياة، وعجز الإيديولوجيات والعقائد السياسية الكبرى عن مواكبة متغيرات السياسة والاجتماع في أوروبا، والتي تشكّل التحولات الديمغرافية وتزايد أعداد المهاجرين، بمختلف خلفياتهم الدينية والإثنية، أهم ملامحها الرئيسية.
من هنا، يضع فوز خان بمنصب عمدة لندن نموذجين متعارضين في مواجهة بعضهما؛ بريطانيا الجديدة المتطلعة إلى المستقبل، يقودها تعدّدُ روافدها الثقافية والاجتماعية وتنوع هذه الروافد، وقدرة المدينة على استيعاب هادئ ومنتج لإشكاليات الهجرة ضمن أفق ينتصر للمواطنة والتعايش المشترك والقبول بالاختلاف ومعايير الإنجاز والكفاءة، كما تتجسّد في المسارين، المهني والسياسي، لصادق خان المتحدر من عائلة باكستانية مهاجرة فقيرة، وبريطانيا التقليديةُ، المرتبطة بتاريخها وثقافتها الاجتماعية والسياسية المحافظة، والمنحازةُ لتغليب معايير الأصل الاجتماعي ''النبيل'' والمال والنفوذ والجاه العائلي، كما تتجسّد في 'غولد سميث' الذي ينتمي لعائلة بريطانية ثرية ومعروفة. لذلك، يبدو فوز صادق خان بمثابة إجابة سياسية وثقافية، في توقيتٍ دال للغاية، على تحولات مجتمعية عميقة، تبدو فيها الجالياتُ الوافدة من سياقاتٍ حضارية مغايرة قادرة على العمل والإنجاز والاندماج في النسيج الاجتماعي والسياسي.
وإذا كانت بعض الدول الأوروبية (فرنسا خصوصاً) لا تزال تجد صعوبةً بالغةً في التعاطي مع الجاليات، وإدماجها في منظومتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، فإن ما حدث في بريطانيا، قبل أيام، لا يؤشر فقط على بداية مرحلةٍ جديدةٍ في تدبير شؤون علاقتها بمواطنيها المنحدرين من أصولٍ مسلمة، بل يدفع بجدل الهويات والديمقراطية فيها صوب أفق ينتصر، بشكل حاسم، لقيم التعايش والتسامح والاختلاف وقبول الآخر شريكاً في المواطنة.
في هذا السياق، يشير فوز خان بمنصب عمدة مدينةٍ في حجم لندن وأهميتها إلى أن سياسات الهجرة والاندماج في أوروبا تختلف من بلد إلى آخر. وبسماحها بانتخاب عمدة مسلم لعاصمتها العريقة، تكون بريطانيا قد انعطفت بسياسة التعددية الثقافية التي تنهجها، منذ سنوات، صوب آفاق جديدة، تنبئ بتحوّل نوعي، تُصبح معه الهويات الدينية والإثنية المختلفة التي تشكل جزءاً من نسيجها المجتمعي رافداً ثقافياً وسياسياً، يُعزز البناء الديمقراطي، ويعطيه نكهةً مغايرةً، ويدفع به إلى الأمام. ويعني هذا الانتخاب، بشكل أو بآخر، أن اندماج المهاجرين، لا سيما الذين يتحدرون من أصولٍ عربية ومسلمة، يمكن أن يتم من دون تصدّعاتٍ هوياتيةٍ وثقافيةٍ كبيرة ومكلفة. فعلى الرغم من قوة اليمين البريطاني وجماعات الضغط والمصالح الاقتصادية والسياسية المرتبطة بشبكات نفوذه المتعددة والمتغلغلة داخل مراكز القرار، إلا أن ذلك لم يقف عثرةً أمام خوض صادق خان الانتخابات، وفوزه على منافسه 'غولد سميث' الذي يمثل قوى المحافظة التقليدية في بريطانيا. وكان دالاً الانقسام الواضح داخل حزب المحافظين، بعد ظهور النتائج والإعلان الرسمي عن فوز خان، حيث انتقد كثيرون من أنصاره أسلوب 'غولد سميث' في إدارة حملته الانتخابية، والتي ركّز فيها، بشكل مبالغ فيه، على الخلفية الدينية لخصمه، وعلاقته بمتشددين إسلاميين، تاركاً برنامجه الانتخابي الذي يرى كثيرون أنه لم يتضمن جديداً على المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.
ويجب ألا يحجب تركيز وسائل الإعلام والمحللين على عامل الهوية في فوز خان، والذي يستقي كثيراً من مبرراته من الظرفية الحالية المتسمة بصعود الفكر الجهادي والتكفيري وانتشار أعمال العنف والإرهاب وتزايد مظاهر الإسلاموفوبيـا والعنصرية وسوء الفهم المتبادل بين الغرب والإسلام، يجب ألا يحجب عوامل أخرى، لا تقل أهميةً في تفسير هذا الفوز، وأبرزها ما يتصل بالأزمة العميقة التي تعرفها الديمقراطيات الغربية منذ عقود. وهي أزمةٌ تعود، في بعض جوانبها، إلى التراجع الملحوظ لتأثير الطبقات الوسطى في الغرب على السياسيات العمومية والتوازنات الاجتماعية المرتبطة بها، واتساع الفجوات الطبقية، وتزايد الخوف من زحف الرأسمالية المتوحشة إلى مختلف مناحي الحياة، وعجز الإيديولوجيات والعقائد السياسية الكبرى عن مواكبة متغيرات السياسة والاجتماع في أوروبا، والتي تشكّل التحولات الديمغرافية وتزايد أعداد المهاجرين، بمختلف خلفياتهم الدينية والإثنية، أهم ملامحها الرئيسية.
من هنا، يضع فوز خان بمنصب عمدة لندن نموذجين متعارضين في مواجهة بعضهما؛ بريطانيا الجديدة المتطلعة إلى المستقبل، يقودها تعدّدُ روافدها الثقافية والاجتماعية وتنوع هذه الروافد، وقدرة المدينة على استيعاب هادئ ومنتج لإشكاليات الهجرة ضمن أفق ينتصر للمواطنة والتعايش المشترك والقبول بالاختلاف ومعايير الإنجاز والكفاءة، كما تتجسّد في المسارين، المهني والسياسي، لصادق خان المتحدر من عائلة باكستانية مهاجرة فقيرة، وبريطانيا التقليديةُ، المرتبطة بتاريخها وثقافتها الاجتماعية والسياسية المحافظة، والمنحازةُ لتغليب معايير الأصل الاجتماعي ''النبيل'' والمال والنفوذ والجاه العائلي، كما تتجسّد في 'غولد سميث' الذي ينتمي لعائلة بريطانية ثرية ومعروفة. لذلك، يبدو فوز صادق خان بمثابة إجابة سياسية وثقافية، في توقيتٍ دال للغاية، على تحولات مجتمعية عميقة، تبدو فيها الجالياتُ الوافدة من سياقاتٍ حضارية مغايرة قادرة على العمل والإنجاز والاندماج في النسيج الاجتماعي والسياسي.
وإذا كانت بعض الدول الأوروبية (فرنسا خصوصاً) لا تزال تجد صعوبةً بالغةً في التعاطي مع الجاليات، وإدماجها في منظومتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، فإن ما حدث في بريطانيا، قبل أيام، لا يؤشر فقط على بداية مرحلةٍ جديدةٍ في تدبير شؤون علاقتها بمواطنيها المنحدرين من أصولٍ مسلمة، بل يدفع بجدل الهويات والديمقراطية فيها صوب أفق ينتصر، بشكل حاسم، لقيم التعايش والتسامح والاختلاف وقبول الآخر شريكاً في المواطنة.