ترامب وملفّاتُ الإقليم الملتهبة
تستجدّ الأسئلة بشأن ملفّات الإقليم الملتهبة بعد فوز دونالد ترامب بولاية ثانية. ومن غير الوارد أن تعرف سياسته تحوّلاً ما، خاصّة فيما يرتبط بدعم إسرائيل، وإنجاز التطبيع السعودي، ونهج سياسة متشدّدة تجاه إيران. بيد أن ما شهده الإقليم، خلال السنوات الأربع المنصرمة من وقائع، بات بعضها في حكم الأحداث التاريخية المفصلية، وفي مقدّمتها ''طوفان الأقصى'' بتداعياته الدراماتيكية كلّها، يُنذر بتغيير توازنات القوّة والنفوذ في ظلّ المخاوف الرسمية والشعبية من انتقال مخطّطات الإبادة والتطهير العرقي والتهجير الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، وغياب استراتيجية عربية للتعاطي مع ذلك، جرّاء تآكل النظام الرسمي العربي، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والتحدّيات الأمنية، في أكثر من بلد عربي.
لخصّت القمة العربية الإسلامية، التي التأمت أشغالها في الرياض مستهلّ الأسبوع الجاري، هذا الوضع العربي المزري، بعدم خروجها عن المألوف، لمّا طالب بيانُها الختامي ''مجلسَ الأمن الدولي بقرار ملزم لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة... وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود 1967''. هذا في وقت تدرك القيادات العربية أن النظام الدولي، في تركيبته الحالية، غير مؤهلّ ليكون طرفاً محايداً في إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، ولو في الحدود الدنيا، بسبب ارتهانه لإرادات الدول الغربية الكبرى ومصالحها.
قد يرى بعضهم في ما تضمّنه البيان الختامي للقمّة خطوة استباقية، تربط توسيع دائرة التطبيع العربي الإسرائيلي بحلّ القضية الفلسطينية، أو بمعنى أصحّ؛ وضع التطبيع السعودي الإسرائيلي في كفّة، وإقامة الدولة الفلسطينية في كفّة أخرى. غير أن الشروط الموضوعية (الميدانية)، التي يُفترَض أن ينهض عليها الربط بين الأمرَين، لا تبدو ترجّح إمكانية إنجاز هذا التطبيع في المدى القريب، بعد أن بات أكثر كلفة بسبب التوحّش الإسرائيلي والانحياز الأميركي السافر لدولة الاحتلال. يُضاف إلى ذلك، أن هناك مخاوف من أن تفضي النزعة التوسّعية لدولة الاحتلال إلى الإتيان على الأخضر واليابس في الإقليم على المدى البعيد، بدعوى الدفاع عن النفس و''محاربة الإرهاب''.
صحيحٌ أن التمدّد الإيراني كان دائماً (ولا يزال) مصدرَ قلق بالنسبة للدول العربية السنّية، وفي مقدّمتها السعودية، إلّا أن انعطاف النُّخْبَة الإسرائيلية (بمختلف مكوّناتها) نحو مزيد من التطرّف والعنصرية في سياساتها، يطرح تحدّياً استراتيجياً على هذه الدول في رؤيتها للنظام الإقليمي، وما قد يشهده من متغيّرات في السنوات المقبلة. وبدورها تجد إيران نفسها بحاجة إلى أوراق، في ظلّ مخاطرَ انجرارها إلى مواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال، بما لذلك من تبعات غير محسوبة على استقرارها الداخلي. ومع الخسائر الكبيرة التي تكبّدها حليفها حزب الله، التي بلغت ذروتها باستشهاد أمينه العام حسن نصر الله، وصفوة من قياداته السياسية والعسكرية، وتبدو معنيّة بالتعاطي مع هذه المتغيّرات، والتي سيزيد انتخاب ترامب لولاية ثانية من حدّتها، على اعتبار أنه يرى في السياسات الإيرانية في الإقليم مصدراً لعدم الاستقرار وإثارة الاضطرابات، من دون السهو عن موقفه المتشدّد بشأن تطلّعات طهران النووية، فقد كان انسحابه من الاتفاق النووي (2018)، وفرضه عقوبات اقتصادية قاسية عليها أكثر ما طبع سياسته حيال الملفّ الإيراني أهمّية.
بالنسبة لإسرائيل، يشكلّ انتخاب ترامب فرصة، ليس للذهاب بعيداً في تنفيذ مخطّطات التطهير العرقي والتهجير والاستيطان في قطاع غزّة فقط، بل أيضاً لإعادة صياغة خريطة المنطقة بما يضمن تفوّقها العسكري والاستراتيجي، بالتوازي مع ضرب مصادر التهديد الإيراني، في حلقة أخيرة في حربها التوسّعية على دول المنطقة وشعوبها. ومن هنا، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستعزّز التحالف الإسرائيلي الأميركي، وتوسّع هامش الحركة أمام اليمين المتطرّف الإسرائيلي للمضي قدماً في سياساته العنصرية تجاه الفلسطينيين. وقد كان دالّاً للغاية ما صرّح به وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش (الاثنين الماضي) بشّأن "التحضير لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية''. وهو ما يُرجِّح أن تعزيز العلاقات مع دولة الاحتلال سيتصدّر أولويات ترامب، بما لذلك من تأثير في استقرار الإقليم.