02 نوفمبر 2024
صوت المعركة الصامت
انتقدت مجلة "لانست" العلمية استخدام الحكومة البريطانية تعبير "الحرب ضد عدو خفي" في خطاب التواصل مع المواطنين، لحثهم على التزام سياسات الحجْر المنزلي التي يبدو، في كل الأحوال، أنها ليست متّبعة على نطاق واسع، ولا مطبقة بحزم في البلاد. تقول المقالة إن تعبير الحرب على العدو اللئيم الخفي قد ينجح في بث شعور الخوف والخطر الطارئ، وتلك من العدة السياسية في إثارة المشاعر الوطنية لإحداث تضامن مجتمعي. إلا أن الفيروس ليس عدواً تقليدياً ولسنا في حالة حرب. تنتقد المجلة هذا الاستخدام المجازي للجائحة التي حصدت آلاف الأرواح، إذ إن استخدام خطاب الحرب يعني أن المواجهة، عبر العلاج، أهم من الوقاية، عبر الحجر المنزلي وغيره، كما يعني أن انتقاد الحكومة قد يعتبر فعلاً غير وطني. في ظل تخبّط تام من الحكومة في مواجهة الأزمة، ثمّة خواء في الخطاب سوى الإرشادات اليومية حول ممارسة الرياضة اليومية أو التسوق أو غيرها من تقاليد يومياتنا الجديدة. الكلمة الخاصة التي وجهتها ملكة إنكلترا إلى شعبها استخدمت أيضاً خطاب الحرب العالمية الثانية، وتضحيات جيلها، داعية الجيل الجديد إلى إثبات قدرته على النضال، مستعيرة عبارة "سوف نلتقي مجدّداً" من الأغنية الشهيرة التي طبعت ذاكرة الحرب.
لا صوت يفترض أن يعلو على صوت المعركة إذن، خصوصاً في انتقاد الخطة الحكومية المتعثرة بامتياز. في الأسابيع الأخيرة، خرج الإعلام البريطاني (بعضه لتفادي التعميم) بمشهد كاد يكون من حواضر الإعلام التطبيلي في عالمنا. كاتبة في صحيفة ديلي تلغراف تشيد برئيس الوزراء، بوريس جونسون، معتبرة إصابته بالفيروس ودخوله العناية الفائقة مناسبة لإظهار كمّ الحب الشعبي للسياسي المكروه من الإعلام المديني، غير القادر على فهم مشاعر البريطانيين. مقالة أخرى اعتبرت أن صحة "الأمة" من صحة رئيس الوزراء. تناقلت الصحافة الصفراء
رسائل الحب والتضامن بين جونسون وشريكته الحامل منه، والتي أصيبت أيضاً بالفيروس. تناقلت رسائل الحب والدعم الصحف الكبرى ووسائل الإعلام التقليدية. كل هذه العواطف تدفقت، في حين أن معدّل الوفيات المعلن عنه من فيروس كورونا كان جاوز حد 900 ضحية في اليوم نفسه. لم تثر الأرقام الصادمة أي ردة فعل أو متابعة فعلية. لا وقت للتحرّي عن مصير هؤلاء العامة، في حين يبدو مصير "الزعيم" مجهولاً: هل تم وضع بوريس في وحدة الإمداد بالأوكسيجين؟ هل هو غائب عن الوعي؟ هل يشاهد التلفاز؟ هل بات في استطاعته أن يجلس في سريره؟
في الوقت نفسه، تناولت وسائل إعلام تسريباتٍ من عاملين في القطاع الصحي عن ضغوط يتعرّضون لها للعمل من دون وقاية وتهديدات، لمنعهم من نقل معاناتهم إلى وسائل الإعلام تحت طائلة اتخاذ إجراءات تأديبية في حقهم. نقلت المحطة الرابعة (تشانيل فور) عن عاملين في القطاع الصحي ضغوطاً لحثّهم على تسجيل بعض وفيات الفيروس أنها ناتجة عن أسباب مختلفة من أجل خفض أرقام الوفيات من الفيروس المتصاعد بوتيرة مخيفة. لاقت مقالة نشرتها صحيفة صاندي تايمز عن تغيب رئيس الوزراء عن خمسة اجتماعات للجنة الأمنية الأبرز في البلاد التي تُعقد في حالات الطوارئ (كوبرا) رد فعل متبايناً. المقالة التي نقلت عن مصدر مطلع لم تتم تسميته أن رئيس الوزراء يرفض العمل في عطلة الأسبوع، حتى في حالات الطوارئ، أثارت موجة من الغضب في وسائل التواصل، من دون أن تثني النخب الإعلامية والسياسية اليمينية من الدفاع المستميت عن رئيس الوزراء، بحجة أنه ليس ملزماً حضور هذه الاجتماعات، وأن ثمّة غرفة سوداء في الإعلام تحيك المؤامرات لرئيس الوزراء. الصحافة الصفراء أخرجت العناوين البرّاقة في الدفاع عن جونسون: "ديلي إكسبرس" عنونت في صفحتها الأولى: "نحتاج بوريس". واختارت "ذي صن" الأوسع انتشاراً لصفحتها الأولى تحذيراً أن البارات لن تفتح أبوابها مجدّداً قبل أعياد الميلاد المقبلة، مع إشارة صغيرة إلى عدد وفيات اليوم من كورونا.. في الصفحة الرابعة فقط، في وقت بلغ عدد الوفيات من الطاقم الطبي من كورونا ما يزيد على المائة ضحية، غالبيتهم العظمى من أصول اغترابية. وفي وقتٍ توقعت الأرقام الرسمية ألا تزيد الوفيات عن عشرين ألفاً، نشرت "فايننشال تايمز" تحليلاً، بالاستناد إلى أرقام مكتب الإحصاء الوطني، توقع أن يكون العدد الإجمالي للوفيات جاوز 41 ألفاً، بما في ذلك خارج المستشفيات.
مشهد مألوف من تقاليد الإعلام التطبيلي، وإنْ لم يكن مطابقاً، إذ لا صوت واحد في الإعلام
البريطاني، على الرغم من أن هذا الإعلام في مجمله بقي خجولاً في مقارعة الفشل الحكومي العارم، ومشاكسة صانعي السياسات الفاشلة. لا حاجة لتدخل السلطة السياسية أو المموّل (في حال لم يأخذ هذا التدخل بالفعل أشكالاً ملطفة)، إذ إن ثقافة الغرور الشعبوية ورفض الخبرة العلمية التي انتصرت في أزمة "بريكسيت" سهّلت للحكومة توجيه الرأي العام من دون منافس في واحدةٍ من أصعب الأزمات التي تواجهها البلاد. قد يجد بعضهم فرصة للشماتة بالسلطة الرابعة كما يدّعيها الغرب، إلا أن تراجع هذه السلطة لن يفيدنا في وضعنا المتخبط أساساً، بل سيزيد الأصوات الداعية إلى قمع الصحافة نفوذاً، كما كانت الحال في تأثير خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في دعم جهابذة القمع في المنطقة.
لا صوت يعلو على صوت المعركة. اختار الإعلام البريطاني الشرس تقليداً في غالبيته أن يشذّب أظافره بحجة الأزمة وضرورات التضامن الوطني. ما الذي يدور في دوائر القرار التحريري المغلقة؟ هل يضبط المموّل إيقاع الحملات الإعلامية، دفاعاً عن الحكومة أو انتقاداً لأدائها؟ هل ثمّة اتفاق ضمني غير معلن بين الساسة ومستشاريهم العلميين والمراسلين السياسيين الذين يسيطرون على التغطية الإعلامية للأزمة، عبر التسريبات والاجتماعات المغلقة؟ قال الزعيم الجديد المنتخب لحزب العمال، كير ستارمر، إن الوقت ليس لوم الحكومة على خياراتها. وكذا ارتأى أيضاً إعلام المعركة.
في الوقت نفسه، تناولت وسائل إعلام تسريباتٍ من عاملين في القطاع الصحي عن ضغوط يتعرّضون لها للعمل من دون وقاية وتهديدات، لمنعهم من نقل معاناتهم إلى وسائل الإعلام تحت طائلة اتخاذ إجراءات تأديبية في حقهم. نقلت المحطة الرابعة (تشانيل فور) عن عاملين في القطاع الصحي ضغوطاً لحثّهم على تسجيل بعض وفيات الفيروس أنها ناتجة عن أسباب مختلفة من أجل خفض أرقام الوفيات من الفيروس المتصاعد بوتيرة مخيفة. لاقت مقالة نشرتها صحيفة صاندي تايمز عن تغيب رئيس الوزراء عن خمسة اجتماعات للجنة الأمنية الأبرز في البلاد التي تُعقد في حالات الطوارئ (كوبرا) رد فعل متبايناً. المقالة التي نقلت عن مصدر مطلع لم تتم تسميته أن رئيس الوزراء يرفض العمل في عطلة الأسبوع، حتى في حالات الطوارئ، أثارت موجة من الغضب في وسائل التواصل، من دون أن تثني النخب الإعلامية والسياسية اليمينية من الدفاع المستميت عن رئيس الوزراء، بحجة أنه ليس ملزماً حضور هذه الاجتماعات، وأن ثمّة غرفة سوداء في الإعلام تحيك المؤامرات لرئيس الوزراء. الصحافة الصفراء أخرجت العناوين البرّاقة في الدفاع عن جونسون: "ديلي إكسبرس" عنونت في صفحتها الأولى: "نحتاج بوريس". واختارت "ذي صن" الأوسع انتشاراً لصفحتها الأولى تحذيراً أن البارات لن تفتح أبوابها مجدّداً قبل أعياد الميلاد المقبلة، مع إشارة صغيرة إلى عدد وفيات اليوم من كورونا.. في الصفحة الرابعة فقط، في وقت بلغ عدد الوفيات من الطاقم الطبي من كورونا ما يزيد على المائة ضحية، غالبيتهم العظمى من أصول اغترابية. وفي وقتٍ توقعت الأرقام الرسمية ألا تزيد الوفيات عن عشرين ألفاً، نشرت "فايننشال تايمز" تحليلاً، بالاستناد إلى أرقام مكتب الإحصاء الوطني، توقع أن يكون العدد الإجمالي للوفيات جاوز 41 ألفاً، بما في ذلك خارج المستشفيات.
مشهد مألوف من تقاليد الإعلام التطبيلي، وإنْ لم يكن مطابقاً، إذ لا صوت واحد في الإعلام
لا صوت يعلو على صوت المعركة. اختار الإعلام البريطاني الشرس تقليداً في غالبيته أن يشذّب أظافره بحجة الأزمة وضرورات التضامن الوطني. ما الذي يدور في دوائر القرار التحريري المغلقة؟ هل يضبط المموّل إيقاع الحملات الإعلامية، دفاعاً عن الحكومة أو انتقاداً لأدائها؟ هل ثمّة اتفاق ضمني غير معلن بين الساسة ومستشاريهم العلميين والمراسلين السياسيين الذين يسيطرون على التغطية الإعلامية للأزمة، عبر التسريبات والاجتماعات المغلقة؟ قال الزعيم الجديد المنتخب لحزب العمال، كير ستارمر، إن الوقت ليس لوم الحكومة على خياراتها. وكذا ارتأى أيضاً إعلام المعركة.