لكن هذه التحركات يبدو أنها غير مقنعة لأنقرة، إذ هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مرة أخرى، بسحق "وحدات حماية الشعب" الكردية في منطقة شرقي الفرات، مؤكداً أن بلاده ستقصم ظهر القوات الكردية إلى حد كبير، عبر خطوات ستتخذها شمالي وشمال شرقي سورية. وقال، في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول، السبت الماضي، قبيل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "استعداداتنا انتهت على طول حدودنا مع سورية"، مؤكداً أنه "لا يمكننا تجاهل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية في مكان لم تُدعَ إليه، فدعمها لتنظيمات مثل الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني، واضح للعيان". وأكد أن تركيا ستقيم منطقة آمنة على طول 422 كيلومتراً من حدودها مع سورية، وبعمق 20 ميلاً، مضيفاً أن "عمق المنطقة الآمنة مهم من أجل تطهيرها من الإرهابيين، وتسليم المنطقة إلى أصحابها الأصليين، مثل العرب الذين يشكلون 85 إلى 90 في المائة من السكان هناك". وجاءت تصريحات أردوغان بعد يوم من قول مصدرين أمنيين لوكالة "رويترز"، إنه تم إرسال أطباء من مدن كبرى في تركيا إلى إقليمين في جنوب البلاد استعداداً لتوغل محتمل في شمال سورية، وإن إجازات الأطباء في المنطقة ألغيت أيضاً. وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "فيلق الشام"، التابع إلى المعارضة السورية والمقرب من الجيش التركي والمتمركز في الشمال السوري، "وُضع السبت بحالة استنفار"، مرجحة دخول عناصر "الفيلق" إلى الشمال الشرقي من سورية في حال قرر الجيش التركي فرض المنطقة الآمنة بالقوة.
من جانبه، أكد القيادي في فصائل الجيش السوري الحر في شمال سورية مصطفى سيجري وجود حالة استنفار في هذه الفصائل تحسباً لعمل عسكري في شرق نهر الفرات. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "أنقرة وصلت إلى قناعة تامة بأن واشنطن لن تتعاون في تنفيذ المنطقة الآمنة في شرق نهر الفرات وفق الرؤية التركية وبما يتناسب مع المصلحة السورية، فإنها ستذهب باتجاه عملية عسكرية". واعترف أن التدخل العسكري في شرق الفرات تترتب عليه مخاطر داخلية وخارجية، إلا أنه أوضح أنه "بحسب الميزان التركي، سيكون هذا التدخل أقل كلفة من السماح للمجموعات الإرهابية بالتمدد ومواصلة فرض سيطرتها".
وكان الجانبان التركي والأميركي توصلا، في 7 أغسطس/آب الماضي، بعد مفاوضات وُصفت بـ"الصعبة"، إلى اتفاق يقضي بإنشاء "مركز عمليات مشترك" في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمال سورية.
إلى ذلك، أجرت القوات التركية والأميركية، جولة التحليق المروحي المشتركة السادسة، في إطار أنشطة المرحلة الأولى من إقامة المنطقة الآمنة. ومن المرجح أن يكون لقاء أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاسماً، فإما اتفاق على الإسراع بتنفيذ الاتفاق المبرم بإنشاء منطقة آمنة في شرق الفرات أو تصعيد عسكري من الجانب التركي ربما يتوج بتوغل محدود في الأراضي السورية. وذكرت وكالة "الأناضول" التركية أن "مركز العمليات المشترك" في قضاء أقجة قلعة بولاية شانلي أورفة التركية، شهد، السبت الماضي، تحركات جوية، مشيرة إلى إقلاع مروحيتين تابعتين للجيش التركي واثنتين للقوات الأميركية نحو الجانب السوري من الحدود. واستمرت أنشطة الدورية ثلاث ساعات، عادت بعدها المروحيتان التركيتان، فيما بقيت الأميركيتان في الجانب السوري من الحدود، وفق "الأناضول".
وفي 8 سبتمبر/أيلول الحالي، سيرت الولايات المتحدة وتركيا أول دورية عسكرية مشتركة في المنطقة الآمنة، وتحديداً في منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، في خطوة من الواضح أنها لم تكن على مستوى الطموح التركي. وتأتي تصريحات أردوغان لتؤكد تزايد القلق التركي من محاولة أميركا التحايل مرة أخرى والتنصل من الاتفاقات كما حدث في منطقة منبج غرب نهر الفرات، إذ لم تلتزم واشنطن بالاتفاق الخاص بالمدينة، متذرعة بـ"أسباب تقنية". ومن الواضح أن أنقرة ترفع سقف التهديدات بالقيام بعمل عسكري من جانب واحد لحث واشنطن على الالتزام بتعهداتها بإنشاء المنطقة الآمنة لتبديد مخاوفها من محاولات إقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، يعتبره الأتراك خطراً على أمنهم القومي. ومن غير المتوقع أن يقتحم الجيش التركي شرق نهر الفرات من دون ضوء أخضر أميركي لا يبدو أنه يلوح في الأفق القريب. ومن شأن خطوة تركية لفرض منطقة آمنة بالقوة توتير العلاقات التركية الأميركية، والتي تبدو باردة حالياً بسبب تقارب أنقرة وموسكو، وشراء الأتراك لأسلحة روسية، رغم كون تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي خطوة تؤكد استمرار دعم واشنطن لـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، دخلت قافلة تعزيزات عسكرية أميركية جديدة، مساء السبت، إلى شمال شرق سورية، وتوجهت إلى قواعد التحالف الدولي في المنطقة التي تسيطر عليها "قسد". وأكد موقع "بلدي نيوز" المعارض دخول عشرات الشاحنات المحملة بآليات هندسية متنوعة وكرفانات، إلى جانب صهاريج وقود، من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الحدودي مع سورية، باتجاه قواعد التحالف الدولي، برفقة دوريات من "قوات سورية الديمقراطية". وأشار إلى أن قافلة التعزيزات الأميركية هي الثانية من نوعها التي تدخل شمال شرقي سورية، خلال سبتمبر الحالي، لافتاً الى أن الشهر الماضي شهد دخول أربع قوافل من إقليم كردستان العراق.
في هذه الأثناء، اتهم عضو ممثلية "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" في باريس باقر كردو، في حديث مع "العربي الجديد"، تركيا بـ"خرق المواثيق الدولية ودعم الجماعات الجهادية". وقال "تدخلت (تركيا) في سورية، واحتلت مناطق عديدة"، معتبراً أن "قوات سورية الديمقراطية التزمت بالاتفاق بشأن الآلية الأمنية، وقامت بردم التحصينات العسكرية، وحلت مكانها قوات أمن الحدود، وهي قوات محلية"، معرباً عن اعتقاده بأن "تركيا تريد احتلال مناطق شرق الفرات"، معتبراً تهديد تركيا بعمل عسكري شرق الفرات "دليل فشلها في إدلب، بعدما قام النظام وحلفاؤه بالسيطرة على مناطق واسعة هناك".