يعتبر الطبخ وتخزين المواد الغذائية منزليًا أحد أهم أنواع الإرث الاجتماعي الذي تنقله الأمهات لبناتهنّ جيلًا بعد جيل، لذلك تميل النسوة للتباهي بمهاراتهن في هذا المجال وكأنهن يتباهين بفساتين أعراسهن، وتجدهن يطبقن بدقة خطوات التقاليد التي حفظنها غيبًا منذ نعومة أظفارهن، من دون أن تدرك أغلبهن أسبابها أو مدى صحتها وخطئها من الناحية العلمية.
"العربي الجديد" يقدّم عبر سلسلة مقالات، عالم النساء الخفي في المطبخ، فاتحًا أبواب خزائنهن لفك شيفرة وصفاتهن السرية، ويفاجئهن بأساسها العلمي، بعيدًا عن حكايا الجدات وأساطيرهن.
1- طقس تناول اللحوم النيئة:
يعتبر تناول بعض أنواع أو أجزاء اللحوم النيئة طقسًا شهيرًا لدى معظم العائلات العربية، مثل تناول الكبة النيئة وكبد الغنم الطازج، كما تسود عادة تناول لحوم الأسماك الحية في بعض الثقافات الشرقية، إلا أن أمان هذا الأمر من الناحية الصحية ضمن شروط معينة قد يثير الدهشة.
وتعتبر لحوم الحيوانات السليمة في الحقيقة عقيمة ميكروبيولوجيًا بعد الذبح، أي أنها خالية من مسببات الأمراض لدى تناولها طازجة والحصول عليها من مصدر موثوق، ويقول الدكتور حسن عيسى، الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال تصنيع الأغذية من جامعة "نيوكاسل" ببريطانيا: "يعتمد هذا الأمر على سلامة الحيوانات قبل الذبح، ومعالجة لحومها بشكل صحي بعده، ويصبح الأمر خطيرًا إذا كانت هذه الحيوانات مريضة أو تلوثت لحومها أثناء الذبح أو التحضير".
ويؤكد الدكتور عيسى لـ"العربي الجديد"، على أن الطهي يساعد على القضاء على الأحياء الدقيقة الممرضة في حال عدم سلامة الحيوانات المذبوحة، مشيرًا إلى ضرورة الانتباه من احتواء لحوم الأبقار على الدودة الشريطية، ولحوم الطيور على السالمونيلا، وينصح بعدم تقديم اللحوم النيئة في كل الأحوال، للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام، بالإضافة إلى النساء الحوامل، كبار السن، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي.
2- هل يجب غسل اللحوم قبل طهيها؟
تظن أغلب ربات البيوت أن غسل اللحوم قبل طهيها، خطوة وقائية إضافية تضمن تقليل الأحياء الدقيقة التي قد يحملها هذا النوع من الغذاء، في حين تشير إجراءات السلامة الغذائية إلى أمر مختلف.
وتعلق بعض أنواع البكتيريا الضارة على اللحوم، بغض النظر عن عدد مرات غسلها، في حين يساعد الغسل على إزالة أنواع أخرى مع الماء، لذلك لا تنصح المهندسة الزراعية زهور إبراهيم، المختصة بمجال التصنيع الغذائي، بغسل اللحوم قبل طهيها، وتقول لـ"العربي الجديد": "يزيد الغسل إمكانية التسمم الغذائي والإصابة بالمرض، عن طريق زيادة احتمالية تلوث أسطح المطبخ، أو الأطباق، بعصارة اللحوم أو رذاذ الماء الحاوي على البكتيريا الضارة".
وتؤكد المهندسة إبراهيم أن الطهي السليم، إلى درجات الحرارة الآمنة، هو الأسلوب الصحيح للقضاء على البكتيريا، وتقول: "لا يعتبر لون اللحم دليلًا على نضجه أو عدمه، وإن الطريقة الوحيدة للتأكد من ذلك هي قياس درجة حرارة أجزاء اللحم الداخلية (مركز اللحم) بواسطة ميزان حرارة الطعام، والتي يجب أن تكون بين 62.7 وحتى 73.8 درجة مئوية كحد أدنى، لمدة 20 إلى 30 دقيقة بحسب أنواع اللحوم وطريقة تقطيعها".
3- سر طبق لحم مشوي آمن:
يعتبر شواء اللحوم في الهواء الطلق، من أكثر الطقوس حميمية في العديد من المجتمعات، إلا أن بعض الناس يبالغون في تعريض اللحوم للحرارة حتى تتفحم بعض أجزائها، بسبب تفضيلات ذوقية في النكهة، من دون الانتباه لما قد يسببه ذلك من ضرر على الصحة.
ويؤدي تعريض اللحوم لدرجات حرارة عالية، إلى تشكل الأمينات الحلقية غير المتجانسة (HCAs) والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، وهي مركبات قد تزيد احتمالية الإصابة بالسرطان، حيث تقول مهندسة التصنيع الغذائي رؤى جمال: "تتشكل الـ HCAs نتيجة تفاعل الأحماض الأمينية والسكريات والكرياتين في درجات الحرارة العالية، في حين تتواجد الـ PAHs في الدخان الناتج عن احتراق الدهون بعد أن تقطر على سطح ساخن معرض للهب، وتلتصق بسطح اللحوم".
لذلك تنصح المهندسة جمال، بإزالة قطع اللحم المحترق، لأنها تحتوي على كميات أكبر من هذه المركبات، وبتقليب قطع اللحم باستمرار أثناء شوائها، لتقليل إمكانية تشكل اللهب، بالإضافة إلى انتقاء اللحوم الأقل دسمًا، تقطيعها لشرائح أقل سماكة وعدم المبالغة بعملية الشواء، وتقول: "يمكنكم أيضًا استخدام فرن المايكرويف لطهي اللحم قبل شوائه، لتقليل الوقت اللازم للشواء، وبالتالي تقليل مدة تعرضه للهب المباشر".