عالم امتحانات... امتحانات

21 مايو 2014
+ الخط -
تعيش البيوت الفلسطينية، في هذه الأيام، أجواء من التوتر والاستنفار، هي أجواء الامتحانات النهائية لأبنائها في جميع المراحل التعليمية. ويتكرر المشهد الذي عشته، قبل سنوات بعيدة، حين كنت تلميذة صغيرة مع ابنتي، حين نجلس سوياً إلى مائدة الطعام، والتي نستخدمها للدراسة، مثل غيرنا من البيوت العربية المتوسطة الحال، فيما يمتد الظلام باكراً إلى شقتي، ونشعل الشموع وبطاريات اليد، لنستمر في المراجعة والحفظ، وتستمر الكهرباء في انقطاعها المعتاد في سنوات الحصار على غزة.
هذا العبء الملقى على الأمهات، خصوصاً فيما يقبع الآباء أمام البيوت، غالباً للحديث والثرثرة، هرباً من الجو الحار وضجيج الصغار، فيما يلتف الصغار حول الأمهات، كحبات الباذنجان والكوسا، وتحشو الأم رؤوسهم بالمعلومات التي سرعان ما ينسونها، بمجرد خروجهم من قاعة الامتحان. كل هذا جعل من تجربة الامتحانات النهائية في المنازل الفلسطينية تجربة عقيمة مريرة وحالة طوارئ، تستمر حتى انتهاء حالة (الحرب) المدرسية التي ابتدعت ابتداعاً تعجيزياً، اسمه الامتحانات الفصلية النهائية!
لم ننه، أنا وابنتي، مراجعة المنهج المقرر طبعاً، ما يدل على عقم أساليب التدريس المتبعة في المنهاج الفلسطيني الذي أصبح يخرّج أفواجاً من الطلبة، يصل معظمهم، وحسب الاحصائيات الرسمية، إلى مرحلة التعليم الثانوي، وهم لا يجيدون مبادئ القراءة والكتابة الأساسية.
تعرض التعليم في فلسطين عموماً، وغزة خصوصاً، لنكسةٍ لا زالت تترك آثارها على هذا الجيل، منذ انتفاضة الحجارة في العام 1987، حيث تم اعتماد سياسة الترفيع الآلي في المدارس، بذريعة مراعاة الوضع النفسي للطلاب، وبسبب عدم انتظام الدراسة، وإن كان تعطيل الدراسة في تلك المرحلة أحد أخطاء المرحلة، فلماذا أعيد تجديد القرار مع دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة، بتحديد نسبة الرسوب بـ 5% من مجموع عدد طلاب كل صف؟
يهمني توجيه دعوة إلى المسؤولين عن التعليم أن يعملوا لإبعاده، أولاً، عن الوضع السياسي الذي أدى إلى انحدار مستواه، بعد أن كان الشعب الفلسطيني يوصف بأنه أكثر الشعوب العربية حرصاً على التعليم، وبأن على أكتاف معلمي غزة خصوصاً نهض كثير من التعليم في دول الخليج، حين كانت غزة تصدّر الكفاءات البشرية إلى مدارس الخليج العربي، لكننا أصبحنا، الآن، نعاني من زيادة التسرب في المدارس وانخفاض المستوى التأهيلي لطلابنا. ما أرجوه، من هذه الدعوة التي تأتي في توقيت الامتحانات، ومع إصدار وزارة التربية والتعليم العالي قراراً بتغيير المنهاج الفلسطيني، وبدء تطبيق المرحلة الأولى منه مع مطلع العام المقبل، فإنني أهيب بكل القائمين على إعداد هذا المنهج الأخذ بعين الاعتبار أن الامتحان المعتمد أساليب تقليدية قديمة، والمنطلق من كتاب المنهاج التربوي الممتلئ بالمعلومات، يشكل كابوساً وإرهاباً للتلميذ في بلادنا.
ولنا أن نسأل، هنا، للتدليل: كم من طلبتنا يواصل عشق الكتاب، والتعامل معه والإيمان به وسيلة للمعرفة؟
كل شيء يتغير إلا أساليب التعليم والكتب المدرسية التي لا تقيم وزناً كثيراً للطفل في عالم متغير، فما زال القائمون على الكتاب المدرسي على قناعة بأنه الوسيلة الوحيدة للمعرفة، وليس إحدى الوسائل في عالم متفجّر بأساليب الحصول على المعلومة، ونشرها والتعامل معها، وبالتالي، فإن طفل اليوم ليس ذاك الطفل الذي كانه الجيل السابق، ولا الذي سبقه.
آن الأوان لإعادة النظر في أساليب التعليم، والكتب المدرسية، وأسلوب الامتحانات التي ما زالت تعتمد الحفظ وإعادة المحفوظ، بطريقة فيها من الغباء، والابتعاد عن الإبداع، الكثير. المطلوب اليوم أن نعلّم أبناءنا وبناتنا تعليماً إبداعياً يفجّر طاقاتهم، ويرغّبهم بالمدرسة والمعرفة والكتاب، فالمنهاج التربوي أحد الأسس الثابتة لبناء إنسان واع قادر على الإبداع والتكيف والحياة، فهل يحقق منهاجنا الجديد بعضاً من هذا، ولو على سبيل المثال، إدخال التقنيات الحديثة في معالجة النصوص، لأن مستقبل القلم بدأ ينحسر حالياً، ولنأخذ من تجربة اليابان وماليزيا في تطوير التعليم نموذجين حتى يبقى الشعب الفلسطيني رائداً لأمة إقرأ كما كان. 

 
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.