13 سبتمبر 2015
عن التضامن والباندا
نعيش منذ سنوات في عصر "التضامن"، والكلمة، على الرغم من هشاشتها الطاغية، تبدو ملاذاً حصيناً يتسع للملايين، والتضامن الذي يبدو وليد حالة التواصل الافتراضي المحموم خاض تحولات مستمرة، يمكن هنا رصد مجموعة منها.
معضلة التضامن، اليوم، أن غايته وأثره متصل بالمتضامن نفسه، وليس مع المتضامَن معهم، أو القضية المقصودة بالتضامن. هنا التضامن حاجة نفسية بالدرجة الأولى لمعالجة هواجس ضميرية ونفسية، قد تباغت المتضامن، حين يتعرض لسيل الصور والأخبار والمواقف، ويجد نفسه تحت ضغط الإعلام والعامة، مطالباً بفعل شيء. هنا، يأتي التضامن حلاً نفسياً مريحاً، وتتوفر كل أساليب إشهاره اليوم، بل بالأحرى حصره في هذه المساحات العمومية الافتراضية.
ومما ألمّ بالتضامن من تحولات في الفترة الأخيرة، تحوّله إلى نوعٍ ما من "البرستيج" في القضايا ذات الزخم الإعلامي حول العالم، أو تلك المحيلة إلى مجموعات من النخب أو الجماعات العابرة للقارات. وهنا، يصبح إشهار التضامن مع قضية ما، أو مع المنخرطين فيها، إشارة إلى الانتماء إلى ثقافة معينة أو وعي معين. وهنا، تمكن ملاحظة ظهور "حزمة التضامن"، أو التضامن بالحزمة، فهنالك قضايا ونضالات تبدو متصلة بشكل أوتوماتيكي، ما يعني التضامن معها مجتمعة، ويجد المتضامن مع هذه القضايا عن بعد أنه يتضامن مع الحزمة مجتمعة.
ومع تعقد آليات إنتاج التضامن وأشكاله، والطفرة الإعلامية التي جعلت من تضامن "المشاهير، أو نجوم السوشيال ميديا" مكسباً لصالح قضايا، ويحيطها بزخم إعلامي، ويسلط الضوء عليها، بدأ التضامن، والذي كان في البداية "أضعف الإيمان"، يشهد تحولاً في مواقع القوة داخله، فبعد أن كانت القضية وأصحابها الطرف الأقوى، والذي يكسب وده، أو يعتذر إليه عبر التضامن، أصبحنا اليوم أمام حالةٍ، يغدو فيها المتضامِن صاحب موقع القوة، ويتمنّن ويتفضل بتوزيع تضامنه على الناس وقضاياهم. وهذا الواقع جعل المتضامنين الكبار منتجي حالة تضامن عامة، يمكن استثمارها أو تجييرها بطرق عديدة. وهنا، تتسع مساحات التلاعب والاستخدام.
الأكثر لفتا للانتباه، أخيراً، هو التقاط مواضيع التضامن المصنعة في الآلة الإعلامية العالمية وتبنيها والدفاع عنها وإعلان التضامن معها. مثلاً، يبرز هنا موضوع الأقليات، والانسحاب الأعمى للتضامن معها على وقع الزخم الإعلامي. ويحدث أن يتضامن الناس مع أقليةٍ في مكان ما وينشغلون بها كأقلية مهددة، وهم يعيشون ظروفاً شبيهة في مجتمعهم من دون الانتباه إلى حقيقة ساطعة كهذه، لأن آلة إنتاج قضايا التضامن هي من تقرر أي قضية، وأي بشر يستحقون التضامن والحملات. فالقضية، إذن، صناعة، وليست عفوية مرسلة.
هنا يظهر الباندا، الحيوان المهدد بالانقراض، والذي تملأ العالم حملات المطالبة بحمايته، حرصاً على تنوع هذا الكوكب وعدم القضاء على هذا الصنف. ويبدو الباندا، إذا ما قورن بما يحصل لملايين الخراف حول العالم، وهي تنقل عبر البحار في أسوأ ظروف، حيواناً مدللاً ذا حظوة، هنا ليست مهمة الروح الحيوانية الواحدة، فهذه ليست هي موضوع التضامن أو القلق، بل فكرة عامة عن التنوع البيئي في العالم، ومن قرر هذا المحدد هم صناع آليات التضامن والمناصرة حول العالم، وحسمت رؤيتهم لهذا العالم خيارات التضامن ومجالاته. المهم، هنا، أن الباندا والتضامن معه يكشف الكثير من منطق التضامن حول العالم، حتى مع أكثر القضايا قدسية، مثل إبادة أقلية في مكان ما، فالنظر إلى العالم من موقع منتجي آليات التضامن يظهر انحيازات خاصة متصلة بالمصالح والوعي الجمعي الخاص بهم، وهذا ما يجعل استنساخه في بقية العالم عبثياً، بل ومضحكا أحيانا، وارتباط كثيرين من مشاهير التضامن بالحالة المعولمة من إنتاج التضامن تجعلهم دائماً محل ريبة أو سوء فهم.
معضلة التضامن، اليوم، أن غايته وأثره متصل بالمتضامن نفسه، وليس مع المتضامَن معهم، أو القضية المقصودة بالتضامن. هنا التضامن حاجة نفسية بالدرجة الأولى لمعالجة هواجس ضميرية ونفسية، قد تباغت المتضامن، حين يتعرض لسيل الصور والأخبار والمواقف، ويجد نفسه تحت ضغط الإعلام والعامة، مطالباً بفعل شيء. هنا، يأتي التضامن حلاً نفسياً مريحاً، وتتوفر كل أساليب إشهاره اليوم، بل بالأحرى حصره في هذه المساحات العمومية الافتراضية.
ومما ألمّ بالتضامن من تحولات في الفترة الأخيرة، تحوّله إلى نوعٍ ما من "البرستيج" في القضايا ذات الزخم الإعلامي حول العالم، أو تلك المحيلة إلى مجموعات من النخب أو الجماعات العابرة للقارات. وهنا، يصبح إشهار التضامن مع قضية ما، أو مع المنخرطين فيها، إشارة إلى الانتماء إلى ثقافة معينة أو وعي معين. وهنا، تمكن ملاحظة ظهور "حزمة التضامن"، أو التضامن بالحزمة، فهنالك قضايا ونضالات تبدو متصلة بشكل أوتوماتيكي، ما يعني التضامن معها مجتمعة، ويجد المتضامن مع هذه القضايا عن بعد أنه يتضامن مع الحزمة مجتمعة.
ومع تعقد آليات إنتاج التضامن وأشكاله، والطفرة الإعلامية التي جعلت من تضامن "المشاهير، أو نجوم السوشيال ميديا" مكسباً لصالح قضايا، ويحيطها بزخم إعلامي، ويسلط الضوء عليها، بدأ التضامن، والذي كان في البداية "أضعف الإيمان"، يشهد تحولاً في مواقع القوة داخله، فبعد أن كانت القضية وأصحابها الطرف الأقوى، والذي يكسب وده، أو يعتذر إليه عبر التضامن، أصبحنا اليوم أمام حالةٍ، يغدو فيها المتضامِن صاحب موقع القوة، ويتمنّن ويتفضل بتوزيع تضامنه على الناس وقضاياهم. وهذا الواقع جعل المتضامنين الكبار منتجي حالة تضامن عامة، يمكن استثمارها أو تجييرها بطرق عديدة. وهنا، تتسع مساحات التلاعب والاستخدام.
الأكثر لفتا للانتباه، أخيراً، هو التقاط مواضيع التضامن المصنعة في الآلة الإعلامية العالمية وتبنيها والدفاع عنها وإعلان التضامن معها. مثلاً، يبرز هنا موضوع الأقليات، والانسحاب الأعمى للتضامن معها على وقع الزخم الإعلامي. ويحدث أن يتضامن الناس مع أقليةٍ في مكان ما وينشغلون بها كأقلية مهددة، وهم يعيشون ظروفاً شبيهة في مجتمعهم من دون الانتباه إلى حقيقة ساطعة كهذه، لأن آلة إنتاج قضايا التضامن هي من تقرر أي قضية، وأي بشر يستحقون التضامن والحملات. فالقضية، إذن، صناعة، وليست عفوية مرسلة.
هنا يظهر الباندا، الحيوان المهدد بالانقراض، والذي تملأ العالم حملات المطالبة بحمايته، حرصاً على تنوع هذا الكوكب وعدم القضاء على هذا الصنف. ويبدو الباندا، إذا ما قورن بما يحصل لملايين الخراف حول العالم، وهي تنقل عبر البحار في أسوأ ظروف، حيواناً مدللاً ذا حظوة، هنا ليست مهمة الروح الحيوانية الواحدة، فهذه ليست هي موضوع التضامن أو القلق، بل فكرة عامة عن التنوع البيئي في العالم، ومن قرر هذا المحدد هم صناع آليات التضامن والمناصرة حول العالم، وحسمت رؤيتهم لهذا العالم خيارات التضامن ومجالاته. المهم، هنا، أن الباندا والتضامن معه يكشف الكثير من منطق التضامن حول العالم، حتى مع أكثر القضايا قدسية، مثل إبادة أقلية في مكان ما، فالنظر إلى العالم من موقع منتجي آليات التضامن يظهر انحيازات خاصة متصلة بالمصالح والوعي الجمعي الخاص بهم، وهذا ما يجعل استنساخه في بقية العالم عبثياً، بل ومضحكا أحيانا، وارتباط كثيرين من مشاهير التضامن بالحالة المعولمة من إنتاج التضامن تجعلهم دائماً محل ريبة أو سوء فهم.