13 فبراير 2022
عن الهامشية والتهميش في بلادنا
لا تنتهي مشكلات العالم العربي عند الاستبداد، وما يُنتجه من بنيةٍ تسلطيةٍ معادية للحرية ومانعة لأي انتقال سلس وسلمي للسلطة، وإنما أيضا ما يرسّخه من بنيةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ منتجة للتهميش، بمختلف أنواعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. يعرّف المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في كتابه الأشهر "دفاتر السجن" التهميش بأنه "علاقة قوة بين طرف يسعى إلى الهيمنة وآخر خاضع، بحيث يحاول فيها الأول بقاء هيمنته على الثاني واستدامة خضوعه". وقد ساهمت أفكار غرامشي عن الهيمنة الثقافية في إلهام باحثين كثيرين وظهور حقل معرفي يهتم بمسألة التهميش، خصوصا كتابات المفكرة والفيلسوفة الأميركية ذات الأصول البنغالية، غاياتري سبيفاك، والتي كانت من أوائل من نظّروا لموضوع الهامشية، انطلاقاً من أفكار غرامشي. وتعد دراستها المعنونة "هل يتكلم التابع؟"، والتي نشرتها منتصف الثمانينات، أحد النصوص التأسيسية المهمة في دراسات المهمشين.
أذكر أنني حين ذهبت لإعداد أطروحة الدكتوراه قبل سنوات في بريطانيا وقعت عيناي على هذه الدراسة، فقرّرت أن يكون موضوع أطروحتي حول "المهمشين في العالم العربي" مع التركيز على الحركات الإسلامية التي عانت تهميشاً وإقصاء كبيرين في المجال السياسي. وكان المغزى من دراسة هذه الحركات معرفة آثار التهميش على بنيتها الفكرية والتنظيمية، وعلى سلوكها السياسي. وقد أعادتني إلى موضوع التهميش ورشة عمل عقدها قبل أيام قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، شاركت فيها إلى جانب أساتذة وزملاء آخرين من المعهد وخارجه، وحفلت الورشة بمداخلات عديدة مهمة ومتميزة، ألقت مزيداً من الضوء حول موضوع التهميش، والذي لم يأخذ حقه في الدراسات الأكاديمية العربية.
التهميش إذا هو علاقات قوة اجتماعية وسياسية ومؤسسية، تحكمها بنية علاقات السلطة بين الفاعلين في المجتمع، وذلك بمختلف أوزانهم أو تنوعاتهم، وهي دوما علاقاتٌ ذات طابع صراعي. أو بالأحرى هو انعكاس لديناميكيات اجتماعية تنتجها علاقات القوة والصراع من أجل الهيمنة. لذا لا يمكن فصل موضوع التهميش عن موضوعات ومفاهيم أخرى، أهمها الهيمنة والقوة والإقصاء. وهو ما ينتج عنه أشكال وثنائيات متعددة للتهميش في مجتمعاتنا وخارجها. فالقوي يهمّش الضعيف، الغني يهمّش الفقير، والغرب يهمّش الشرق، كما أن المركز يهمّش الهامش، وهي علاقات صراع وقوة في حالة ديمومة.
وإذا كانت هذه الثنائيات مفهومة، وإن كانت غير مقبولة، إلا أن أخطر أنواع التهميش هو التهميش البيْني الذي يحدث داخل التجمعات المهمشة من الطرف القوي، أي ممارسة فعل التهميش من مهمشين على بعضهم بعضا، فالفلسطيني المهّمَش من الاحتلال الإسرائيلي يمارس تهميشه إزاء أخيه الفلسطيني، وكذلك الحال مع المعارضة المصرية التي تعاني من تهميش النظام وقمعه، تجد بعض أعضائها يمارسون فعل التهميش تجاه آخرين من المعسكر نفسه. وكأن التهميش قد بات جزءاً من ال DNA العربي، وفي صلب صراع الحياة اليومي. ويتوقف التهميش على مدى وعي المهمَّشين بفعل التهميش، وإدراكهم له، وبأنهم يقعون في الهامش، وليس في المركز. فأحيانا كثيرة، يفتقد المهمَّشون القدرة على مقاومة التهميش، ليس لأنهم ضعفاء، وإنما لقناعتهم بأنهم ليسوا مهمشين أو الآخر لاعتقادهم بأن التهميش جزء طبيعي، ولا يمكن تغييره، أي أنهم ينفون عن أنفسهم مسألة التهميش.
بكلمات أخرى، ليس التهميش شيئا جوهرانيا ثابتا لا يمكن تغييره، وإنما هو، في النهاية، صناعة اجتماعية وسياسية وثقافية متحركة ومتغيرة، ويجب على الجميع العمل على تغييرها، من أجل ضمان تمثيل الجميع في المجال العام من دون إقصاء أو تهميش.
أذكر أنني حين ذهبت لإعداد أطروحة الدكتوراه قبل سنوات في بريطانيا وقعت عيناي على هذه الدراسة، فقرّرت أن يكون موضوع أطروحتي حول "المهمشين في العالم العربي" مع التركيز على الحركات الإسلامية التي عانت تهميشاً وإقصاء كبيرين في المجال السياسي. وكان المغزى من دراسة هذه الحركات معرفة آثار التهميش على بنيتها الفكرية والتنظيمية، وعلى سلوكها السياسي. وقد أعادتني إلى موضوع التهميش ورشة عمل عقدها قبل أيام قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، شاركت فيها إلى جانب أساتذة وزملاء آخرين من المعهد وخارجه، وحفلت الورشة بمداخلات عديدة مهمة ومتميزة، ألقت مزيداً من الضوء حول موضوع التهميش، والذي لم يأخذ حقه في الدراسات الأكاديمية العربية.
التهميش إذا هو علاقات قوة اجتماعية وسياسية ومؤسسية، تحكمها بنية علاقات السلطة بين الفاعلين في المجتمع، وذلك بمختلف أوزانهم أو تنوعاتهم، وهي دوما علاقاتٌ ذات طابع صراعي. أو بالأحرى هو انعكاس لديناميكيات اجتماعية تنتجها علاقات القوة والصراع من أجل الهيمنة. لذا لا يمكن فصل موضوع التهميش عن موضوعات ومفاهيم أخرى، أهمها الهيمنة والقوة والإقصاء. وهو ما ينتج عنه أشكال وثنائيات متعددة للتهميش في مجتمعاتنا وخارجها. فالقوي يهمّش الضعيف، الغني يهمّش الفقير، والغرب يهمّش الشرق، كما أن المركز يهمّش الهامش، وهي علاقات صراع وقوة في حالة ديمومة.
وإذا كانت هذه الثنائيات مفهومة، وإن كانت غير مقبولة، إلا أن أخطر أنواع التهميش هو التهميش البيْني الذي يحدث داخل التجمعات المهمشة من الطرف القوي، أي ممارسة فعل التهميش من مهمشين على بعضهم بعضا، فالفلسطيني المهّمَش من الاحتلال الإسرائيلي يمارس تهميشه إزاء أخيه الفلسطيني، وكذلك الحال مع المعارضة المصرية التي تعاني من تهميش النظام وقمعه، تجد بعض أعضائها يمارسون فعل التهميش تجاه آخرين من المعسكر نفسه. وكأن التهميش قد بات جزءاً من ال DNA العربي، وفي صلب صراع الحياة اليومي. ويتوقف التهميش على مدى وعي المهمَّشين بفعل التهميش، وإدراكهم له، وبأنهم يقعون في الهامش، وليس في المركز. فأحيانا كثيرة، يفتقد المهمَّشون القدرة على مقاومة التهميش، ليس لأنهم ضعفاء، وإنما لقناعتهم بأنهم ليسوا مهمشين أو الآخر لاعتقادهم بأن التهميش جزء طبيعي، ولا يمكن تغييره، أي أنهم ينفون عن أنفسهم مسألة التهميش.
بكلمات أخرى، ليس التهميش شيئا جوهرانيا ثابتا لا يمكن تغييره، وإنما هو، في النهاية، صناعة اجتماعية وسياسية وثقافية متحركة ومتغيرة، ويجب على الجميع العمل على تغييرها، من أجل ضمان تمثيل الجميع في المجال العام من دون إقصاء أو تهميش.