هل ستعود السينما إلى ما كانت عليه سابقاً؟ لكن، قبل هذا: هل سنعود نحن كما كنا عليه سابقاً؟
في العزلة الحالية، بعيداً عن حيوية العيش في المدن الكبرى، وباريس إحداها بمباهجها، وإحدى المباهج صالاتها السينمائية، تعود إلينا أسئلة عن كيفية تأثير وباء كورونا، هذا العفريت الصغير، في كل ما نحبّ وما لا نحبّ، فنتخيّل عودة شبه طبيعية.
تخيلٌ لا تمنّي فيه. سأعود إلى صالاتي المفضّلة. سأختار أفلامي المفضّلة. سأتوجّه، من وقت إلى آخر، إلى مهرجان في بلدٍ مفضّل. في التخيّل، هناك أناس حولي يهرعون إلى صالات العرض، ثمّ يُعرّجون على المقاهي يناقشون فيها الأفلام، أو يتمشّون في أحياء باريس ومنتزهاتها، في تمديد مُتعمَّد لمتعة الفيلم. لكن التخيّل المُفرح لا يدوم طويلاً. لا يلبث الآخرون، برسائلهم وانشغالاتهم وقلقهم، يمرِّرون لي هواجسهم: كيف سنتعامل مع ما بعد كورونا؟ كيف ستتجنّب السينما آثار الكارثة، أو على الأقل كيف ستُخفِّف منها؟ اقتراحات ولقاءات وقرارات وأسئلة يطرحها مختصّون وعاملون في السينما، تُرسل عبر البريد الإلكتروني، وتدفع إلى التفكير أحياناً: أهذا كلّه كلام بكلام، وتحليلات لن يكون لها علاقة بالواقع؟ هل تنبّأ أحدٌ بـ"كورونا"؟ في الواقع، نعم. تنبّأ محلّلون بوباء عالمي. لكن، هل توقّع أحدٌ هذا السيناريو الذي يُنتَج اليوم بكل فعاليّة؟
حتّى بعد بدء "كورونا" في الصين، لم يتوقّع بلدٌ كفرنسا ما سيجري، بل أعلن، ويستمرّ في الإعلان، عن أنّ الوباء لن يأتي، بل ربما حالات هنا وهناك، وأنّ أقنعة الوجه لا ضرورة لها. هذا كلّه كمحاولة لبثّ آمال عن إمكانية التصدّي. الآن، نلمس عدم تطابق هذا كلّه مع الواقع. فهل يُمكننا تصديق شيء الآن؟ سيفرض الواقع نفسه.
لكنْ، هل سيؤثّر العزل على التردّد على السينما؟ العزل المنزلي يحبِّبُ بصالات السينما أكثر. هناك، ينصرف المرء بكلّيته إلى الصُوَر. لا صوت يناديه، ولا رنين هاتف، ولا رغبة مفاجئة في طعام. لا شيء من كلّ ما يُمكنه أن يُشتِّت الانتباه. مهما كبرت الشاشة في البيت، ستبقى صغيرة ومتواضعة.
في معظم البلاد العربية، اعتاد الناس مجبرين على التخلي عن السينما، والاكتفاء بمشاهدة الأفلام في البيت. جاءت "نتفليكس" وغيرها لتعزّز هذا، و"خليك بالبيت"، التي فرضها الوباء، كرّست الأمر أكثر فأكثر. لكن، في بلدان يرتاد أهلها دور العرض بانتظام، كفرنسا التي يتجاوز عدد البطاقات المباعة فيها 200 مليون سنوياً، هل ستؤثّر العزلة على تردّدهم على الصالات؟
ستكون الحركة ضعيفة لوقتٍ طويل، كما يتوقّع "الاتحاد الوطني لدور العرض في فرنسا". ربما لا يكون هذا بسبب اعتياد الفرنسيين البقاء في منازلهم، ومُشاهدة الأفلام في فترة العزل. هذا كان متوفّراً دائماً، ولم يمنع عنهم الرغبة في الذهاب إلى دار العرض. بالنسبة إليهم، الذهاب إلى دار عرض مشروع خروج لا ينحصر بالمُشاهدة فقط، بل للقاء أصدقاء والانتقال إلى مطعم أو مقهى أو للتسوّق، بعد الفيلم أو قبله. هو عامل محرّك للاقتصاد. ذكر هذا أيضاً رئيس الاتحاد ريشار باتري، في رسالته إلى وزير الاقتصاد والمالية برونو لو مير (16 إبريل/ نيسان 2020): "السينما مُحرّكة للنشاط الاقتصادي في مركز المدينة، وفي المراكز التجارية الكبرى. من دونها لن تختفي الثقافة فقط، بل أيضاً الحركة الاقتصادية المحلية في المطاعم والبارات والمقاهي".
اقــرأ أيضاً
دور العرض كانت أول من طُلب منها الإغلاق في فرنسا، وستكون آخر من يفتح. هناك حذر من الاختلاط الذي سيُضاف إلى عامل اقتصادي يتعلّق بالتوقّف عن العمل، وانخفاض الدخل عند شرائح عريضة من المجتمع الفرنسي. ستكون لهذا آثار كارثية على دور السينما إنْ لم تتدخّل الدولة مالياً. فدور السينما مغلقة، لكن دفع الإيجارات مستمرّ، وكذلك الضرائب والتكاليف الأخرى، شهرياً. طالب الاتحاد مؤخّرا بصندوق دعم مستعجل للسينما فقط، أي منفصل عن الذي وعدت به الدولة المهن كافة. من دون إجراءات جذرية وعاجلة، فإنّ الانهيار ماثل بقوّة في جزء كامل من الاقتصاد والثقافة "الفريدة" من نوعها في العالم، كما خاطب الاتحادُ الوزيرَ. الكارثة لن تلحق فقط بالصالات المستقلّة، التي تتلقّى دعماً من الدولة أساساً، وتعرض أفلاماً غير تجارية منفتحة أمام التنوّع، وهنا تكمن أهميتها، بل تهدّد أيضاً صالات الشركات الكبرى.
المهرجانات أيضا مُهَدّدة. مهرجان "كانّ" لا يزال يفكّر في وسيلة للخروج من الأزمة. صرّح تييري فريمو، مندوبه العام، أنّه يفكّر في طريقة للتعاون مع "مهرجان فينيسيا"، الذي حدّد رئيسه روبرتو تشيكوتّو موعداً لانعقاد دورته المقبلة: بين 2 و12 سبتمبر/ أيلول 2020، قائلاً إنّ تفكير فريمو طال أمده، وإنّه هو ماضٍ في إجراءات تنظيم الدورة الجديدة. هذا مثير للتشاؤم، لا سيما أنّ وزير الثقافة الفرنسية فرانك ريستر استبعد فكرة اتّخاذ قواعد عامة تتعلّق بإقامة المهرجانات في فرنسا إلى ما بعد يوليو/ تموز المقبل.
مُفضّلاً قرارات تتعلّق بكل حالة على حدة. معظم المهرجانات أو كلّها، التي تعاني عدم تحقّق التوازن المالي، ستجد نفسها في أوضاعٍ أقسى.
لكنّ الواضح في المشهد يتعلّق بتوزيع الأفلام. هناك تعاون مستمر بين السينمائيين، منتجين وموزّعين، و"المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة". إغلاق الصالات يتطلّب ملائمة في توزيع متوازن لما كان مُقرّراً خلال فترة الحجر، حتّى نهاية العام الجاري، لا سيما في هذا الفصل من السنة، الذي يشهد عادةً حركة وازدحاماً. بعض الأفلام تقرّر توزيعه بأجرٍ من خلال "فيديو عند الطلب"، أو أُطلق في أسطوانات مدمّجة. بعض آخر مبرمج في لائحة تضمّ معظم الأفلام التي كان مُقرّراً إطلاقها تجارياً بين شهر العزل ونهاية العام الجاري.
تبقى مسألة الإنتاج: هل نتوقّع انخفاضاً ملحوظاً في عدد الأفلام المُنتجة في فرنسا هذا العام، ولأعوام عدّة مقبلة؟ "المركز الوطني للسينما والصورة المتحرّكة"، الذي يدعم الإنتاج السينمائي، سيعاني عجزاً في الميزانية، وسيشهد انخفاضاً هائلاً في مدخوله بسبب متاعب اقتصادية ستواجه الدولة الفرنسية، ولعدم توفر عائدات من دور العرض الفرنسية، التي تساهم بجزء من أسعار البطاقات المباعة في دفع ضريبة تُخصَّص بالمركز. سيتبدّى أيضاً عجز المحطّات التلفزيونية العامة والخاصة، التي تساهم في الإنتاج السينمائي، بسبب انخفاض مدخولها من الإعلانات.
تخيلٌ لا تمنّي فيه. سأعود إلى صالاتي المفضّلة. سأختار أفلامي المفضّلة. سأتوجّه، من وقت إلى آخر، إلى مهرجان في بلدٍ مفضّل. في التخيّل، هناك أناس حولي يهرعون إلى صالات العرض، ثمّ يُعرّجون على المقاهي يناقشون فيها الأفلام، أو يتمشّون في أحياء باريس ومنتزهاتها، في تمديد مُتعمَّد لمتعة الفيلم. لكن التخيّل المُفرح لا يدوم طويلاً. لا يلبث الآخرون، برسائلهم وانشغالاتهم وقلقهم، يمرِّرون لي هواجسهم: كيف سنتعامل مع ما بعد كورونا؟ كيف ستتجنّب السينما آثار الكارثة، أو على الأقل كيف ستُخفِّف منها؟ اقتراحات ولقاءات وقرارات وأسئلة يطرحها مختصّون وعاملون في السينما، تُرسل عبر البريد الإلكتروني، وتدفع إلى التفكير أحياناً: أهذا كلّه كلام بكلام، وتحليلات لن يكون لها علاقة بالواقع؟ هل تنبّأ أحدٌ بـ"كورونا"؟ في الواقع، نعم. تنبّأ محلّلون بوباء عالمي. لكن، هل توقّع أحدٌ هذا السيناريو الذي يُنتَج اليوم بكل فعاليّة؟
حتّى بعد بدء "كورونا" في الصين، لم يتوقّع بلدٌ كفرنسا ما سيجري، بل أعلن، ويستمرّ في الإعلان، عن أنّ الوباء لن يأتي، بل ربما حالات هنا وهناك، وأنّ أقنعة الوجه لا ضرورة لها. هذا كلّه كمحاولة لبثّ آمال عن إمكانية التصدّي. الآن، نلمس عدم تطابق هذا كلّه مع الواقع. فهل يُمكننا تصديق شيء الآن؟ سيفرض الواقع نفسه.
لكنْ، هل سيؤثّر العزل على التردّد على السينما؟ العزل المنزلي يحبِّبُ بصالات السينما أكثر. هناك، ينصرف المرء بكلّيته إلى الصُوَر. لا صوت يناديه، ولا رنين هاتف، ولا رغبة مفاجئة في طعام. لا شيء من كلّ ما يُمكنه أن يُشتِّت الانتباه. مهما كبرت الشاشة في البيت، ستبقى صغيرة ومتواضعة.
في معظم البلاد العربية، اعتاد الناس مجبرين على التخلي عن السينما، والاكتفاء بمشاهدة الأفلام في البيت. جاءت "نتفليكس" وغيرها لتعزّز هذا، و"خليك بالبيت"، التي فرضها الوباء، كرّست الأمر أكثر فأكثر. لكن، في بلدان يرتاد أهلها دور العرض بانتظام، كفرنسا التي يتجاوز عدد البطاقات المباعة فيها 200 مليون سنوياً، هل ستؤثّر العزلة على تردّدهم على الصالات؟
ستكون الحركة ضعيفة لوقتٍ طويل، كما يتوقّع "الاتحاد الوطني لدور العرض في فرنسا". ربما لا يكون هذا بسبب اعتياد الفرنسيين البقاء في منازلهم، ومُشاهدة الأفلام في فترة العزل. هذا كان متوفّراً دائماً، ولم يمنع عنهم الرغبة في الذهاب إلى دار العرض. بالنسبة إليهم، الذهاب إلى دار عرض مشروع خروج لا ينحصر بالمُشاهدة فقط، بل للقاء أصدقاء والانتقال إلى مطعم أو مقهى أو للتسوّق، بعد الفيلم أو قبله. هو عامل محرّك للاقتصاد. ذكر هذا أيضاً رئيس الاتحاد ريشار باتري، في رسالته إلى وزير الاقتصاد والمالية برونو لو مير (16 إبريل/ نيسان 2020): "السينما مُحرّكة للنشاط الاقتصادي في مركز المدينة، وفي المراكز التجارية الكبرى. من دونها لن تختفي الثقافة فقط، بل أيضاً الحركة الاقتصادية المحلية في المطاعم والبارات والمقاهي".
دور العرض كانت أول من طُلب منها الإغلاق في فرنسا، وستكون آخر من يفتح. هناك حذر من الاختلاط الذي سيُضاف إلى عامل اقتصادي يتعلّق بالتوقّف عن العمل، وانخفاض الدخل عند شرائح عريضة من المجتمع الفرنسي. ستكون لهذا آثار كارثية على دور السينما إنْ لم تتدخّل الدولة مالياً. فدور السينما مغلقة، لكن دفع الإيجارات مستمرّ، وكذلك الضرائب والتكاليف الأخرى، شهرياً. طالب الاتحاد مؤخّرا بصندوق دعم مستعجل للسينما فقط، أي منفصل عن الذي وعدت به الدولة المهن كافة. من دون إجراءات جذرية وعاجلة، فإنّ الانهيار ماثل بقوّة في جزء كامل من الاقتصاد والثقافة "الفريدة" من نوعها في العالم، كما خاطب الاتحادُ الوزيرَ. الكارثة لن تلحق فقط بالصالات المستقلّة، التي تتلقّى دعماً من الدولة أساساً، وتعرض أفلاماً غير تجارية منفتحة أمام التنوّع، وهنا تكمن أهميتها، بل تهدّد أيضاً صالات الشركات الكبرى.
المهرجانات أيضا مُهَدّدة. مهرجان "كانّ" لا يزال يفكّر في وسيلة للخروج من الأزمة. صرّح تييري فريمو، مندوبه العام، أنّه يفكّر في طريقة للتعاون مع "مهرجان فينيسيا"، الذي حدّد رئيسه روبرتو تشيكوتّو موعداً لانعقاد دورته المقبلة: بين 2 و12 سبتمبر/ أيلول 2020، قائلاً إنّ تفكير فريمو طال أمده، وإنّه هو ماضٍ في إجراءات تنظيم الدورة الجديدة. هذا مثير للتشاؤم، لا سيما أنّ وزير الثقافة الفرنسية فرانك ريستر استبعد فكرة اتّخاذ قواعد عامة تتعلّق بإقامة المهرجانات في فرنسا إلى ما بعد يوليو/ تموز المقبل.
مُفضّلاً قرارات تتعلّق بكل حالة على حدة. معظم المهرجانات أو كلّها، التي تعاني عدم تحقّق التوازن المالي، ستجد نفسها في أوضاعٍ أقسى.
لكنّ الواضح في المشهد يتعلّق بتوزيع الأفلام. هناك تعاون مستمر بين السينمائيين، منتجين وموزّعين، و"المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة". إغلاق الصالات يتطلّب ملائمة في توزيع متوازن لما كان مُقرّراً خلال فترة الحجر، حتّى نهاية العام الجاري، لا سيما في هذا الفصل من السنة، الذي يشهد عادةً حركة وازدحاماً. بعض الأفلام تقرّر توزيعه بأجرٍ من خلال "فيديو عند الطلب"، أو أُطلق في أسطوانات مدمّجة. بعض آخر مبرمج في لائحة تضمّ معظم الأفلام التي كان مُقرّراً إطلاقها تجارياً بين شهر العزل ونهاية العام الجاري.
تبقى مسألة الإنتاج: هل نتوقّع انخفاضاً ملحوظاً في عدد الأفلام المُنتجة في فرنسا هذا العام، ولأعوام عدّة مقبلة؟ "المركز الوطني للسينما والصورة المتحرّكة"، الذي يدعم الإنتاج السينمائي، سيعاني عجزاً في الميزانية، وسيشهد انخفاضاً هائلاً في مدخوله بسبب متاعب اقتصادية ستواجه الدولة الفرنسية، ولعدم توفر عائدات من دور العرض الفرنسية، التي تساهم بجزء من أسعار البطاقات المباعة في دفع ضريبة تُخصَّص بالمركز. سيتبدّى أيضاً عجز المحطّات التلفزيونية العامة والخاصة، التي تساهم في الإنتاج السينمائي، بسبب انخفاض مدخولها من الإعلانات.
لكن، هل سيعيد انخفاض إنتاج الفن السابع لفرنسا رونقها السينمائي، الذي كانت عليه خلال قرن من الزمن، وصولاً إلى ثمانينيات القرن الـ20 تقريباً؟ منذ نحو عامٍ، أثير نقاشٌ في فرنسا بدأته كاترين دونوف بتصريحٍ لها حول "كثرة عدد الأفلام الفرنسية، مع إنتاج بلغ 300 فيلمٍ سنوياً"، ما أساء إلى السينما الفرنسية، وجعل جودتها الفنية تتراجع. "إنتاج كثير يسيء للأفلام الحقيقية"، على حدّ تعبيرها.