فقدان للتنسيق والتكامل العربي
نشاهد اليوم استباحة كثير من حقوق الأمة وحقوق المواطنين، وبروزاً متنامياً لمنظمات تمارس الإرهاب بدون رادع أخلاقي، أو اعتبار لما تمليه الديانات الروحية. وأمام هذا الواقع، تفتقد أقطار عربية عديدة، اليوم، المناعة المطلوبة التي بدونها لا تستطيع الأمة، أو أقطارها، المشاركة في مجابهة التحديات التي تفرض نفسها عليها، فالانقسامات الداخلية ليست مجرد تباينات داخل المجتمعات العربية فحسب، بل تهدد الوحدة الوطنية في العديد منها. من شأن هذا الأمر تقويض سلامة الوحدة القومية المطلوبة، والتي بدونها لن تتمكن مسيرة التطور والاستنارة، أن تحقق الأهداف التي توفر لشعوب الأمة حق تقرير مصيرها، واستحقاقات التمكين للمجتمعات المدنية في إنجاز فاعليتها ووحدتها. وأمام هذا الواقع الأليم، وإلى حد ما المحبط، نشاهد سهولة الإدمان على استباحة حقوق الإنسان وحياته، علماً أن مسؤولية الحكم حماية المواطن.
الأهم أن هذا الانطباع ليس دقيقاً، فهناك في المجتمع العربي العام والإسلامي، تمرد على هذه النتوءات، واستعداد لمجابهتها بالوسائل الرادعة، والتصميم على استعادة القدرة العربية والإسلامية على تصويب المسار، من خلال التكامل العربي واسترجاع طاقات التصحيح والتصويب والتنوير، خصوصاً للأجيال المقبلة. وقد يبدو هذا عند بعضهم من باب التمني، إلا أن الواقع العربي يمنح المشككين صدقية موهومة.
وهذا يحفّز المواطنين العرب في بلدانهم على مبادرات تصحيح جذرية مطلوبة، لردع، من جهة، تمادي استمرار الشرذمة والانقسامات المستفحلة، ومن جهة أخرى، ضرورة استنباط البدائل المستنيرة التي تلحم المقسّم، وتعالج الموبوء، من خلال إعادة حقوق الإنسان وكرامته. وهكذا، نؤكد تجاوز الطائفية والقبلية والتزمّت، بهدف توفير الانفتاح بإعادة ترسيخ شرعية المواطنة.
لماذا المطالبة، وسط التبعثر السائد والكثير من الفوضى والحروب الأهلية؟
نشير إلى الحاجة الملحة للتكامل العربي، وتورد دراسة مهمة أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في الأمم المتحدة (الإسكوا)، تفاصيل مهمة عن واقعية قيام هذا التكامل، لأن ما وفرته هذه الدراسة يقلص، وإن تدريجياً، كثيراً من الإحباط والتشاؤم، ويوفر وسائل ناجعة لاستئناف مسيرة التصحيح، واستعادة مسارات التنمية المستدامة، التي من شأنها إعادة النجاعة إلى مفهوم المواطنة التي توفر للإنسان العربي، كما للأجيال المقبلة، استعادة المبادرة في وحدة الامة ونهضتها.
قد يقول بعضهم إن هذا من باب التمني أمام الحاصل من تشرذم وتبعثر وحروب عبثية، داخل أقطار عربية عديدة، وأمام ما يبدو مستحيلاً، في بعض الأحيان، على التصحيح، وإزاء ما نشاهده من ضآلة قدرة الردع لتمادي إسرائيل في استباحة حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إضافة إلى المشاهد التي تتحدى الضمير، من إعدامات عبثية، وطبعاً بدون محاكمات مطلقاً. وذلك كله يدفعنا إلى استنفار حكماء الأمة، وهذا متوفر، ليساهموا، بشكل فاعل، في استعادة دورهم في تصويب الانحرافات الجسيمة الحاصلة، وتحريض جماهير الأمة على استشعارهم باسترجاع مناقبية الالتزام بوحدة المصير العربي، وأخلاقية السلوك الحضاري الذي يميز الحضارة الإسلامية والثقافة العربية.
يحاول المجتمع الدولي أن يجابه سلوكيات كثيرة، لمن يمارسون العنف العبثي، كما يعالج بشكل سريع أسباب انجذاب بعض الشباب والشابات إلى مثل هكذا تنظيمات عبثية. في هذا الصدد، يجب أن لا تنحصر المجابهة في البعد العسكري، بل بتمكين الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين، بتسريع بلورة التزاماتهم في مقاومة الفقر والأمية، وكل الوسائل التي تؤول إلى تعزيز مفاهيم المواطنة والحرية والمساواة وكرامة الإنسان. هذا يعني أن على من عندهم الثروة في الأمة العربية، أن يوفروا وسائل كل ما تتطلبه المواطنة لدى المواطنين من صلابة الانتماء، كما الالتزام بالانفتاح التي يستولدها التفاؤل والأمل.
إزاء ما نشاهده، اليوم، من انشقاقات وبعثرة في اليمن وليبيا وسورية والعراق، ونظام طائفي حان إلغاؤه، في لبنان، كما استمرار إسرائيل، في الحيلولة دون إنجاز الحقوق الوطنية الشرعية لشعب فلسطين. أمام هذا الواقع، صار لزاماً على الطلائع العربية، استعادة المبادرة في توفير التصحيح الجذري في حال الامة، وأن يكون هذا الشطط السائد استثناءً، وليس كامناً.