فيلمان عربيان يُعرضان في برنامج "نظرة ما"، في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كان" السينمائيّ الدوليّ: "على كفّ عفريت" للتونسية كوثر بن هنيّة (1977)، و"طبيعة الحال" للجزائري كريم موسوي (1976). وإذْ يأتي "على كفّ عفريت" بعد 3 أفلام طويلة لبن هنيّة، فإن "طبيعة الحال" هو الأول لمخرجه. لكن الاختلاف بينهما لن يبقى أسير هذا فقط، لأن التناقض ـ البصري والدرامي والتمثيلي والجمالي ـ حاصلٌ بشدّة، وكلّ مُقارنة بينهما لن تكون في صالح الإنجاز الأول لموسوي.
وإذْ تستمرّ كوثر بن هنيّة في تفكيك بُنى اجتماعية ونفسية وسياسية، وإنْ يُفكَّك بعضها بشكل مبطّن، ضمن طيات السرد الجمالي والحكائيّ لقصص إنسانية، مستلّة من وقائع العيش اليومي، ومن حكايات أشخاص حقيقيين؛ فإن الميزة الوحيدة لعمل كريم موسوي تكمن في تقديمه صُوراً حسّية عن البؤس اليومي في حياة جزائريين، وعن شقائهم في راهنٍ غارقٍ في التمزّق والانهيار.
ولأن "على كفّ عفريت" يتمتّع بسمات سينمائية عديدة، تُعين على التغاضي عن هناتٍ تتصل بأداءٍ، أو إدارةِ تمثيلٍ في بعض المشاهد، أو تنفيذ هذا البعض؛ يُصبح كلّ كلام نقديّ محاولة لإضفاء مزيدٍ من متعة المُشاهدة، الممتدة منذ وثائقيها الوحيد، لغاية الآن، "الأئمة يذهبون إلى المدرسة" (2010)، حتى "على كفّ عفريت" (2017)، مروراً بـ "شلاّط تونس" (2014) و"زينب تكره الثلج" (2016) اللذين يجمعان، بمزاجية سينمائية بديعة، الوثائقي بالروائي (لها أفلام روائية قصيرة أيضاً).
أما "طبيعة الحال"، فهو أول فيلم لمخرجه، ما يؤدي بأي كلام حوله إلى تخفيف حدّته، رغم أن الكمّ الهائل من الأخطاء المتنوّعة كفيلٌ باعتباره "مُسيئاً" للسينما. وهذا الكمّ نفسه يدفع إلى طرح سؤال عن كيفية إنتاجه ودعمه وتمويله من قِبل شركات وصناديق منح وبرامج تمويلية، في الجزائر وفرنسا وألمانيا ولبنان. فهل تكفي أهمية الموضوع لحصول المشروع على مساهمة عددٍ كبير من "الممولين ـ المنتجين"، بصرف النظر عن حجم الأموال المدفوعة، أو الخدمات الإنتاجية المُقدَّمة؛ أم أنّ "الرغبة في دعم أول عمل" أمرٌ حاسمٌ في هذا المجال؟
في الحالتين، يُمكن القول إن "طبيعة الحال" مُفكَّك، بدلاً من أن يُفكِّك الحالات التي يتناولها. وهو مُسطّح، بدلاً من أن يكشف عورات اجتماعٍ آيل إلى مزيد من الخراب. وهو متصنّع، بدلاً من أن يُعرّي التصنّع، الفردي أو الجماعي، في مسالك وأساليب عيش. في حين أن "على كفّ عفريت" يمتلك بنية درامية متماسكة، وسرداً فاضحاً، واشتغالاً بصرياً سوي الصُنعة، وإنْ يقع في مطبّات تقنية وأدائية (خصوصاً مريم الفرجاني)، لن تقف حائلاً دون التنبّه إلى التفكيك السينمائيّ لواقعٍ تونسيّ، في مرحلة لاحقة لـ "ثورة الياسمين".
فكوثر بن هنيّة تنطلق من "قصة واقعية" (كما تؤكّد في الـ "جينيريك")، كي تنقّب في أحوال أفراد ومؤسّسات، وفي أنماط تفكيرٍ يمارسه مسؤولو مؤسّسات رسمية وبعض موظّفيها. أما كريم موسوي فيستلّ من وقائع يومية 3 حكايات، سيكون أبطالها أكثر من شخصية واحدة لكل حكاية، من دون أن يلتقوا معاً، باستثناء لحظات عابرة، لا تُغني ولا تُفيد. حكايات أناسٍ يخنقهم راهنٍ موبوء بتناقضات وانهيارات، أو ماضٍ لن يكون التملّص منه سهلاً، وعلاقات تبدو هشّة وبطيئة.
في حين أن الشخصيات المتتالية، التي ستظهر خلال ليلة واحدة من حياة الشخصية الرئيسية التي تُدعى مريم (كاسم الممثلة)، ستتضافر في تحويل حادث اعتداء عليها إلى جحيمٍ أرضيّ، يكشف عورات المؤسّسات الأمنية وفسادها وبطشها، ويضع بعض الحالمين بالثورة أمام أوهام أو أكاذيب يفبركونها أو يصدّقونها. فالـ "طيبون" القلّة عاجزون، والـ "أشرار" الكثيرون يحيطون بالضحية، محاولين تحميلها "خطأ" الاعتداء عليها، في بلدٍ يعيش "على كفّ عفريت"، ويحتاج إلى "الأمن" لحمايته من الأخطار (بحسب رأي ضابط أمن).
اقــرأ أيضاً
وإذْ تستمرّ كوثر بن هنيّة في تفكيك بُنى اجتماعية ونفسية وسياسية، وإنْ يُفكَّك بعضها بشكل مبطّن، ضمن طيات السرد الجمالي والحكائيّ لقصص إنسانية، مستلّة من وقائع العيش اليومي، ومن حكايات أشخاص حقيقيين؛ فإن الميزة الوحيدة لعمل كريم موسوي تكمن في تقديمه صُوراً حسّية عن البؤس اليومي في حياة جزائريين، وعن شقائهم في راهنٍ غارقٍ في التمزّق والانهيار.
ولأن "على كفّ عفريت" يتمتّع بسمات سينمائية عديدة، تُعين على التغاضي عن هناتٍ تتصل بأداءٍ، أو إدارةِ تمثيلٍ في بعض المشاهد، أو تنفيذ هذا البعض؛ يُصبح كلّ كلام نقديّ محاولة لإضفاء مزيدٍ من متعة المُشاهدة، الممتدة منذ وثائقيها الوحيد، لغاية الآن، "الأئمة يذهبون إلى المدرسة" (2010)، حتى "على كفّ عفريت" (2017)، مروراً بـ "شلاّط تونس" (2014) و"زينب تكره الثلج" (2016) اللذين يجمعان، بمزاجية سينمائية بديعة، الوثائقي بالروائي (لها أفلام روائية قصيرة أيضاً).
أما "طبيعة الحال"، فهو أول فيلم لمخرجه، ما يؤدي بأي كلام حوله إلى تخفيف حدّته، رغم أن الكمّ الهائل من الأخطاء المتنوّعة كفيلٌ باعتباره "مُسيئاً" للسينما. وهذا الكمّ نفسه يدفع إلى طرح سؤال عن كيفية إنتاجه ودعمه وتمويله من قِبل شركات وصناديق منح وبرامج تمويلية، في الجزائر وفرنسا وألمانيا ولبنان. فهل تكفي أهمية الموضوع لحصول المشروع على مساهمة عددٍ كبير من "الممولين ـ المنتجين"، بصرف النظر عن حجم الأموال المدفوعة، أو الخدمات الإنتاجية المُقدَّمة؛ أم أنّ "الرغبة في دعم أول عمل" أمرٌ حاسمٌ في هذا المجال؟
في الحالتين، يُمكن القول إن "طبيعة الحال" مُفكَّك، بدلاً من أن يُفكِّك الحالات التي يتناولها. وهو مُسطّح، بدلاً من أن يكشف عورات اجتماعٍ آيل إلى مزيد من الخراب. وهو متصنّع، بدلاً من أن يُعرّي التصنّع، الفردي أو الجماعي، في مسالك وأساليب عيش. في حين أن "على كفّ عفريت" يمتلك بنية درامية متماسكة، وسرداً فاضحاً، واشتغالاً بصرياً سوي الصُنعة، وإنْ يقع في مطبّات تقنية وأدائية (خصوصاً مريم الفرجاني)، لن تقف حائلاً دون التنبّه إلى التفكيك السينمائيّ لواقعٍ تونسيّ، في مرحلة لاحقة لـ "ثورة الياسمين".
فكوثر بن هنيّة تنطلق من "قصة واقعية" (كما تؤكّد في الـ "جينيريك")، كي تنقّب في أحوال أفراد ومؤسّسات، وفي أنماط تفكيرٍ يمارسه مسؤولو مؤسّسات رسمية وبعض موظّفيها. أما كريم موسوي فيستلّ من وقائع يومية 3 حكايات، سيكون أبطالها أكثر من شخصية واحدة لكل حكاية، من دون أن يلتقوا معاً، باستثناء لحظات عابرة، لا تُغني ولا تُفيد. حكايات أناسٍ يخنقهم راهنٍ موبوء بتناقضات وانهيارات، أو ماضٍ لن يكون التملّص منه سهلاً، وعلاقات تبدو هشّة وبطيئة.
في حين أن الشخصيات المتتالية، التي ستظهر خلال ليلة واحدة من حياة الشخصية الرئيسية التي تُدعى مريم (كاسم الممثلة)، ستتضافر في تحويل حادث اعتداء عليها إلى جحيمٍ أرضيّ، يكشف عورات المؤسّسات الأمنية وفسادها وبطشها، ويضع بعض الحالمين بالثورة أمام أوهام أو أكاذيب يفبركونها أو يصدّقونها. فالـ "طيبون" القلّة عاجزون، والـ "أشرار" الكثيرون يحيطون بالضحية، محاولين تحميلها "خطأ" الاعتداء عليها، في بلدٍ يعيش "على كفّ عفريت"، ويحتاج إلى "الأمن" لحمايته من الأخطار (بحسب رأي ضابط أمن).