تركّز أعمال فيليكس ميتيرير (1948) على القضايا الإشكالية في بلاده، ما يجعلها مثيرة للجدل على الدوام. لعل أبرزها "سيبيريا" التي عرّفها الكاتب بعنوان فرعي "مونولوغ"، حيث طرح فيها معضلة المسنّين التي تواجهها المؤسّسات الرسمية والمجتمع، مسلّطاً الضوء على وضعهم في دور الرعاية.
صدر العمل باللغة العربية عن سلسلة "من المسرح العالمي" في الكويت، عدد تمّوز/ يوليو الماضي، ونقله عن الألمانيّة المترجم المصري سيد قنديل وراجعه أسامة أبو طالب. في الفصل الأوّل "الرجل العجوز بالبيجامة والروب وعكازين في جلسته على حافة السرير"، يتحدث العجوز مع زوجة ابنه المتخيّلة، عارضاً ما يعانيه داخل دار المسنّين، مشبّهاً وضعهم بالمنفيّين الروس في سيبيريا أيام ستالين: "أنتِ لا تعرفين ماذا تكون هذه السيبيريا، ولا أي سيبيريا أخرى. كان هناك برد، وهنا أيضاً برد. كنت هناك أتعلّم الشطرنج واللغة الروسيّة. أما هنا، فليس بإمكان أحد أن يتعلّم شيئاً. لا شيء يمكن تعلّمه على الإطلاق".
في الجزء الثاني "العجوز بالبيجامة مستنداً على عكّازين"، يعرض الكاتب حالة اليأس الأخيرة في حياة المسن، عندما يقف في آخر العمر مستذكراً الماضي وموجّهاً اللوم في ما يجري إلى من حوله، إلى مؤسسات الدولة وشركات التأمين والعائلة: "لقد ظللت أدفع التأمينات الصحية طوال حياتي، ثم ماذا حدث؟ في آخر العمر ماذا تفعل بوليصة التأمين على الحياة؟".
يحرّك ميترير عمله من خلال عرض العجوز وهو جالس في غرفته بخمس وضعيات في دار للمسنّين؛ حيث يأتي الجزء الثالث "الرجل العجوز جالس على السرير مؤرجحاً قدميه مرتدياً بنطلون البيجامة وجلباب المستشفى"، ليستبدل ابنه بزوجته المتخيّلة. يخاطبها، مجرياً مقاربات قاسية بين ملاءات الأسرّة البيضاء التي تجعل المسنّين أنيقين، وبين شكل الموتى في التوابيت.
ثم ينتبه أخيراً إلى أن كل حواراته مع أفراد عائلته المتخيّلين كانت بلا فائدة: "إنه لأمر مخجلٌ عندما يسمع المرء صداه، بعد كل تلك السنين". ينتهي هذا الجزء برسالة يكتبها إلى رئيس الجمهورية، ليخبره بسوء معاملة موظّفي دور المسنّين ومذكراً إياه: "حضرتكم رجل مسن أيضاً. وبالتأكيد حضرتكم تفهم ذلك، تفهم احترام المسنّين النزلاء أيضاً".
يشير الجزء الرابع من العمل إلى المسنّين الذين أبادتهم القوات النازية خلال دخولها النمسا. يضع العجوز نفسه في محاكمة، بعد اعترافه أنه كان واحداً من مؤيّدي فرق الموت، ويستدرك خلال حديثه مع زوجته المتخيّلة "آغنيس" أنه الآن يأخذ دور من أيّد قتلهم.
في الفصل الأخير "العجوز راقد في السرير مغطّى ومرتدياً البيجامة"، يوجّه ميترير النقد إلى المجتمع الذي لا ينتبه إلى وجود هذه الفئة: "وكثلجٍ من الكريستال يتجمّد الإنسان، ثم يهوي ساقطاً على الأرض ويتصدّع، حتى الكلمات تتجمّد أحياناً قبل أن تصل إلى من يصغي".