في الوقت الذي كان فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصف حادث إسقاط المقاتلة الروسية على الحدود بين سورية وتركيا بأنه "طعنة في الظهر من قبل جهات داعمة للإرهاب"، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشدد على أن تركيا تريد تجنب أي تصعيد مع موسكو بعدما أسقط طيرانها المقاتلة لانتهاكها مجالها الجوي.
وفي الوقت الذي حذر فيه بوتين من أنه ستكون هناك "عواقب وخيمة" على العلاقة بين موسكو وأنقرة جراء إسقاط الطائرة، كان مسؤولون أتراك وروس يجلسون لبحث كيفية تنفيذ مشروعات مشتركة، منها مشروع نقل الغاز الروسي إلى تركيا وبعده لأوروبا والمعروف باسم مشروع السيل التركي، وكذا مشروع تشييد أول مشروع محطة نووية في تركيا بمساهمة روسية عبر إقامة محطة "أك كويو" للطاقة النووية وبناء 4 مفاعلات بقدرة 1200 ميغاوات.
وفي الوقت الذي راح فيه البعض يزعم أننا مقبلون على حرب عالمية ثالثة، كان أوباما وأردوغان يتفقان على أهمية نزع فتيل التوترات وتحاشي حصول حوادث مشابهة من شأنها تعقيد الأمر على الأرض.
وفي الوقت الذي توقع فيه البعض قيام روسيا بإجراءات اقتصادية انتقامية ضد تركيا، منها قطع الغاز عن المصانع والمنشآت الحيوية التركية، كانت وزارة الطاقة الروسية تعلن مواصلة تزويد تركيا بالغاز الطبيعي الروسي بحسب الالتزامات التعاقدية، بل ويخرج نائب وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي ليؤكد أن حادث الطائرة لن يؤثر سلبا على التعاقدات المبرمة بين البلدين.
وفي الوقت الذي نصحت فيه روسيا مواطنيها بعدم السفر إلى تركيا بسبب "التهديد الإرهابي" القادم من تركيا وطلب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من الروس عدم زيارة تركيا بعد أن ألغى هو زيارته إليها، كان آلاف الروس يستعدون للسفر إلى أنطاليا وأنقرة وإسطنبول وغيرها من المدن التركية للتمتع بسحر الطبيعة وأفخم موديلات الملابس.
حادث إسقاط الطائرة ليس الأزمة الأولى بين روسيا وتركيا ولن تكون الأخيرة، فهناك خلافات وملفات عالقة بين البلدين وتوتر مستمر في العلاقات خاصة في الفترة الأخيرة بسبب التصعيد العسكري الروسي الأخير في سورية، وانتهاك الطيران الروسي للمجال التركي عدة مرات، لكن لغة المصالح هي التي تسود في النهاية، فلا تركيا تريد خوض حرب ضد روسيا، ولا روسيا تريد توسيع حربها في سورية لتشمل دولاً مجاورة، الكل يريد الحفاظ على المصالح الاقتصادية القائمة، روسيا تريد أن تكون تركيا معبرا لغازها ونفطها وطاقتها للخارج، خاصة لأوروبا، في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها، وأنقرة تريد موسكو معبرا لصادراتها وشركاتها للجمهوريات السوفييتية.
لغة المصالح وتحييد الاقتصاد والمال عن الأزمات السياسية هي التي تكسب في النهاية.
اقرأ أيضا: التوتر التركي الروسي يهدد عقوداً حجمها 44 مليار دولار