23 أكتوبر 2024
في شرعيّة "الربيع العربي"
منذ تأسست الدولة العربية المعاصرة في منتصف القرن العشرين، وأنظمة الحكم التي "تتداول" السلطة بالانقلابات والتصفيات؛ في العراق وسورية ومصر والجزائر واليمن والسودان وموريتانيا، تنفذ سيناريو واحداً في ممارستها الحكم، هو الإمساك بمفاصل الدولة جميعها، وتنميطها على هوى خطابها السياسي، استند ذلك الخطاب إلى أيديولوجيا شكلية، أو صيغ على عجل، ثم تجريم أي خطاب آخر، بتحريمه أو تخوينه.
إذن، ما المختلف في ما فعله "الإخوان المسلمون" في سنة حكمهم مصر؟ أليس نهج "التمكين" الذي قال معارضوهم يومها، وما يزالون، إن "الإخوان" فعلوه، وفيه عيّنوا رجالهم في مواقع الدولة المختلفة، وأعادوا صياغة تشريعات بما يوافق رؤاهم، لا بما يتوافق عليه جميع المصريين، ما جعل التصدّي لهم واجباً قبل أن يطبقوا على جميع مفاصل الدولة، ألا يطابق ذلك النهج السيناريو نفسه الذي مورس في العالم العربي ستين عاماً سبقت "الربيع العربي"؟
إنه هو، ولعل هذا ما يفسر أن جمهور "الإخوان المسلمين"، من المتدينين بالفطرة، في شوارع كل بلد عربي فيه تنظيم لـ "الإخوان"، لم يجدوا يومها غضاضة في أن يمسك هؤلاء بمفاصل الدولة جميعها، مستبعدين ومجرّمين أي خطاب آخر، وأي وجهة نظر أخرى؛ فذلك، في ظن هؤلاء الناس الطيبين، كان، وما يزال وسيبقى، ممارسة طبيعية تتماثل وممارسات الأنظمة الحاكمة التي عرفوها ستين عاماً، وتتماشى وثقافتنا الاجتماعية السائدة التي تسمى "أبوية"، وتتيح للخطاب السائد أن يكون متفرداً، وأن يمنع نقده ومخالفته ويجرّمهما.
هكذا، فإن الناس الطيبين الذين حلموا دائماً بنظام حكم إسلامي، ويعتقدون أن الممارسة الطبيعية للحكم هي الممارسة الشمولية التي عرفوها ستين عاماً في جميع أنظمة الحكم، متوافقة مع ثقافتهم الاجتماعية في البيت والشارع ومحل العمل، يفسّرون، بكل بساطة، انحيازهم لحكم "الإخوان"، واعتبار الثورة عليه "انقلاباً"، لم ينظروا إلى ماهية الممارسة السياسية الإخوانية في الواقع، ولم يفكّروا بنقدها موضوعياً، سواء بتأييدها لذاتها، أو معارضتها لذاتها، فالمقياس عندهم ليس ما فعله نظام الحكم، بل هوية ذلك النظام، وحسب.
المعنى أنه ليس ثمة التفات عند "رافضي الانقلاب"، بحسب ما يحبون تسمية أنفسهم، أي جمهور "الإخوان" التقليدي، من الناس الطيّبين الذين يلقون السلام على الناس، ويساعدون من يطلب المساعدة في الشارع، ويحافظون على العبادات، ويحرصون على الصدق في القول والوفاء بالعهد (هذه أوصاف قد تنطبق على جزء من جمهور غير الإخوان، وقد لا تنطبق على كل هذا الجمهور بالضرورة)، ليس ثمّة التفات عندهم، ولا انتباه، إلى أن الممارسة الإخوانية التمكينية، كانت تتعارض مع أهم معالم الربيع العربي التي يفترض أن يتمايز بها عن العقود الستة التي سبقته، ومنها يستمد شرعيته ليكون "ربيعاً"، ومفادها الانتقال من الاستبداد إلى الحكم المبني على قواعد المواطنة، وإنفاذ القانون وتطبيق المؤسسية في الدولة. فلو كان الأمر مجرد انتقال من مجموعة حاكمة مستبدة، تمارس خطاباً ما، وتسيطر على مفاصل الدولة، إلى مجموعة حكم مختلفة، تقدم خطاباً دينياً، وتريد أن تسيطر، هي الأخرى، على مفاصل الدولة، لما استحق الحال وصف "الربيع"، لأنه لن يمس حياة جميع المواطنين بخير، وإنما فقط حياة من يوافقون الخطاب الجديد، ويحلون بفضله في مفاصل الدولة.
ليس الحال اليوم مختلفاً، فـ"مؤيدو الانقلاب"، بحسب التسمية الإخوانية الدارجة، أي مناصرو الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، من الناس الطيّبين الذين ليس لهم مكاسب شخصية مباشرة من تغيير نظام الحكم، يشبهون جمهور "الإخوان" في عدم الالتفات كثيراً إلى ماهية الممارسة السياسية في الواقع، وعدم نقدها موضوعياً، سواء بتأييدها لذاتها هي الأخرى، أو معارضتها لذاتها، فالمقياس عندهم، هم أيضاً، ليس ما يفعله نظام الحكم، بل هوية ذلك النظام وحسب.
حين يقتنع الجميع، خصوصاً من الجمهور الطيّب الذي يناصر هذا التيار السياسي أو ذاك، أن معيار التعاطي مع الشأن العام ليس سؤال "من يحكم؟" وإنما "كيف يحكم؟"، سنكون قادرين على رؤية الأشياء على حقيقتها، وتقييم أداء نظام الحكم، أيّاً كانت هويته، وإدراك قدرته على الانتقال بالناس الطيّبين إلى النهوض الحضاري، من عدمها.
إذن، ما المختلف في ما فعله "الإخوان المسلمون" في سنة حكمهم مصر؟ أليس نهج "التمكين" الذي قال معارضوهم يومها، وما يزالون، إن "الإخوان" فعلوه، وفيه عيّنوا رجالهم في مواقع الدولة المختلفة، وأعادوا صياغة تشريعات بما يوافق رؤاهم، لا بما يتوافق عليه جميع المصريين، ما جعل التصدّي لهم واجباً قبل أن يطبقوا على جميع مفاصل الدولة، ألا يطابق ذلك النهج السيناريو نفسه الذي مورس في العالم العربي ستين عاماً سبقت "الربيع العربي"؟
إنه هو، ولعل هذا ما يفسر أن جمهور "الإخوان المسلمين"، من المتدينين بالفطرة، في شوارع كل بلد عربي فيه تنظيم لـ "الإخوان"، لم يجدوا يومها غضاضة في أن يمسك هؤلاء بمفاصل الدولة جميعها، مستبعدين ومجرّمين أي خطاب آخر، وأي وجهة نظر أخرى؛ فذلك، في ظن هؤلاء الناس الطيبين، كان، وما يزال وسيبقى، ممارسة طبيعية تتماثل وممارسات الأنظمة الحاكمة التي عرفوها ستين عاماً، وتتماشى وثقافتنا الاجتماعية السائدة التي تسمى "أبوية"، وتتيح للخطاب السائد أن يكون متفرداً، وأن يمنع نقده ومخالفته ويجرّمهما.
هكذا، فإن الناس الطيبين الذين حلموا دائماً بنظام حكم إسلامي، ويعتقدون أن الممارسة الطبيعية للحكم هي الممارسة الشمولية التي عرفوها ستين عاماً في جميع أنظمة الحكم، متوافقة مع ثقافتهم الاجتماعية في البيت والشارع ومحل العمل، يفسّرون، بكل بساطة، انحيازهم لحكم "الإخوان"، واعتبار الثورة عليه "انقلاباً"، لم ينظروا إلى ماهية الممارسة السياسية الإخوانية في الواقع، ولم يفكّروا بنقدها موضوعياً، سواء بتأييدها لذاتها، أو معارضتها لذاتها، فالمقياس عندهم ليس ما فعله نظام الحكم، بل هوية ذلك النظام، وحسب.
المعنى أنه ليس ثمة التفات عند "رافضي الانقلاب"، بحسب ما يحبون تسمية أنفسهم، أي جمهور "الإخوان" التقليدي، من الناس الطيّبين الذين يلقون السلام على الناس، ويساعدون من يطلب المساعدة في الشارع، ويحافظون على العبادات، ويحرصون على الصدق في القول والوفاء بالعهد (هذه أوصاف قد تنطبق على جزء من جمهور غير الإخوان، وقد لا تنطبق على كل هذا الجمهور بالضرورة)، ليس ثمّة التفات عندهم، ولا انتباه، إلى أن الممارسة الإخوانية التمكينية، كانت تتعارض مع أهم معالم الربيع العربي التي يفترض أن يتمايز بها عن العقود الستة التي سبقته، ومنها يستمد شرعيته ليكون "ربيعاً"، ومفادها الانتقال من الاستبداد إلى الحكم المبني على قواعد المواطنة، وإنفاذ القانون وتطبيق المؤسسية في الدولة. فلو كان الأمر مجرد انتقال من مجموعة حاكمة مستبدة، تمارس خطاباً ما، وتسيطر على مفاصل الدولة، إلى مجموعة حكم مختلفة، تقدم خطاباً دينياً، وتريد أن تسيطر، هي الأخرى، على مفاصل الدولة، لما استحق الحال وصف "الربيع"، لأنه لن يمس حياة جميع المواطنين بخير، وإنما فقط حياة من يوافقون الخطاب الجديد، ويحلون بفضله في مفاصل الدولة.
ليس الحال اليوم مختلفاً، فـ"مؤيدو الانقلاب"، بحسب التسمية الإخوانية الدارجة، أي مناصرو الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، من الناس الطيّبين الذين ليس لهم مكاسب شخصية مباشرة من تغيير نظام الحكم، يشبهون جمهور "الإخوان" في عدم الالتفات كثيراً إلى ماهية الممارسة السياسية في الواقع، وعدم نقدها موضوعياً، سواء بتأييدها لذاتها هي الأخرى، أو معارضتها لذاتها، فالمقياس عندهم، هم أيضاً، ليس ما يفعله نظام الحكم، بل هوية ذلك النظام وحسب.
حين يقتنع الجميع، خصوصاً من الجمهور الطيّب الذي يناصر هذا التيار السياسي أو ذاك، أن معيار التعاطي مع الشأن العام ليس سؤال "من يحكم؟" وإنما "كيف يحكم؟"، سنكون قادرين على رؤية الأشياء على حقيقتها، وتقييم أداء نظام الحكم، أيّاً كانت هويته، وإدراك قدرته على الانتقال بالناس الطيّبين إلى النهوض الحضاري، من عدمها.